قبل أقل من عام هاجرت الثلاثينية المصرية مروة بدران، برفقة ابنتيها إلى الولايات المتحدة الأميركية، عبر تأشيرة سياحية مدتها 6 أشهر، بعد أن ضاق بها الحال في بلدها، ما جعلها تخاطر لتبقى في أميركا بشكل غير قانوني، "في سبيل ضمان مستقبل أفضل لها ولأولادها"، كما تقول، موضحة أنها حاولت الحصول على عمل بأجر معقول بهدف تسوية وضعها القانوني عن طريق ما يسمي (عقد العمل) labor certification؛ وهو ما يتيح لها الحصول على الغرين كارد (بطاقة تصدر من وزارة الهجرة الأميركية بعد الموافقة على الإقامة قانونياً، وتسمح باستصدار رقم للضمان الاجتماعي ما يؤهل للإقامة والعمل).
بعد رحلة بحث مضنية، اضطرت مروة لقبول وظيفة، لدى صاحب عمل عربي، لا تتناسب مع تخصصها في مجال الفيزياء، من أجل أن تضمن دخلا يؤمن لها العيش في منطقة واشنطن باهظة التكاليف، غير أن قانون الحصول على الغرين كارد عن طريق عقد العمل، يشترط أن تكون الوظيفة في نفس مجال تخصص مقدم الطلب، كما تقول مروة متابعة: "القانون يشترط كذلك أن يكون مقدم طلب الحصول على الغرين كارد، ذا خبرة في مجال تخصصه، ولا بد أن يوافق صاحب العمل على توظيفه، ويوفر له راتبا لمدة عام على الأقل مع عدم وجود متقدم للوظيفة ممن يقيمون بشكل قانوني". وهو ما لم يتوفر في حالتها.
تصف مروة تلك الشروط القانونية بـ"المجحفة والمعقدة"، لافتة إلى أن هذه العملية تتم عن طريق محام تتراوح أتعابه ما بين سبعة إلى عشرة آلاف دولار، وهو ما أدى إلى انسداد الأفق أمامها، فتقدمت بطلب لجوء إنساني إلى مكتب وزارة الهجرة الأميركية لتتمكن من استخراج رقم الضمان الاجتماعي وتصريح العمل.
أنواع اللجوء
تمثل مروة نموذجا لملايين المهاجرين غير الشرعيين من مختلف الجنسيات، ومن بينهم العرب الذين قدموا للولايات المتحدة الأميركية بحثا عن خلاص من الحياة في بلدانهم، غير أن معظمهم اصطدموا بالواقع المرير وصعوبة قوانين الإقامة، ووجدوا أنفسهم مشردين ومطاردين بسبب القوانين الصارمة، كما تقول ماريسا ايستايمر من معهد دراسات اللاجئين بواشنطن، متابعة لـ"العربي الجديد"، "القانون الأميركي يمنح حق طلب اللجوء لأي شخص موجود على الأراضي الأميركية، وبغض النظر عن قانونية إقامته أو البلد الذي ينحدر منه في حال كان هناك تخوف من هلاكه في حالة ترحيله".
وتوضح أن أنواع اللجوء متعددة ومنها اللجوء بسبب الاضطهاد العرقي، أو الديني أو الآراء السياسية، مؤكدة أن أكثر أنواع طلبات اللجوء التي يتقدم بها العرب والمسلمون هي الانتماء السياسي والاضطهاد الديني.
أكثر من مليون عربي يعيشون بدون غرين كارد في أميركا
وفقا لموقع وزارة الهجرة الأميركية فإن 40 شخصاً يحصلون يومياً علي صفة اللجوء في أميركا، منذ بداية عام 2016. وتقدر الباحثة ايستايمر، أعداد العرب المقيمين بصورة غير شرعية بأنها تتراوح بين المليون ومليون ومئتي ألف شخص معظمهم في كاليفورنيا، ميشيغن ونيويورك، وهي نسبة ضئيلة بالمقارنة مع إجمالي عدد المقيمين بصورة غير شرعية الذي يتراوح ما بين عشرين إلى أربعين مليون شخص.
تؤكد ايستايمر أن هذا الرقم يعد مفزعاً من الناحية الأمنية والاجتماعية، وتضيف: "في الوقت الحالي لا توجد أي مبادرة لتصحيح وضعهم القانوني، وقد تزداد الأمور سوءاً إذا ما تم انتخاب ترامب رئيساً".
وتلفت إلى أنه خلال حكم الرئيس باراك أوباما، تم ترحيل أكثر من مليوني مهاجر أغلبهم من القادمين من حدود المكسيك، وتابعت "دائماً ما يهدد ترامب بترحيل جميع المقيمين بصورة غير شرعية، ناهيك عن تهديده بعدم دخول المسلمين أميركا إذا ما انتخب رئيساً؛ وهو ما قد يتسبب في حدوث مشاكل أمنية واقتصادية واجتماعية رهيبة".
جسور العبور للإقامة الدائمة والجنسية
قبل 5 أعوام وصل الشاب المصري مصطفى إلى أميركا، بتأشيرة سياحية لزيارة أخيه الذي حصل على الجنسية الأميركية عبر الزواج من أميركية طلقها فيما بعد.
يبحث عن سيدة أميركية يرتبط بها في "زواج مصلحة" وفق تعبيره، للحصول على الغرين كارد ومن ثم الجنسية، وهو ما قد يكلفه ما بين خمسة إلى عشرة آلاف دولار، يدفعها على مدار سنتين؛ وهي الفترة اللازمة للحصول على الغرين كارد، بالإضافة إلى أتعاب المحامي وفي حال ظل الزواج مستمراً عاماً آخر، يمكنه التقدم للحصول على الجنسية.
يؤكد مصطفى أن الزواج بأميركية في سبيل الحصول على الغرين كارد كان أمرا بسيطاً قبل أحداث 11 سبتمبر، أما الآن فهو معقد جداً، حسب تعبيره، وفي حال اكتشفت الجهات الحكومية تلاعب الشخص في عملية الزواج بغرض الحصول علي الغرين كارد، فإن إجراءات جنائية تتخذ ضدهم تصل إلى السجن والترحيل، كما يؤكد المحامي الأميركي من أصل لبناني ناصر يوسف فياض.
أما الناشط السياسي محمد حسين، فنجح في الوصول إلى الولايات المتحدة الأميركية قبل 3 أعوام، هاربا من الوضع الأمني المتردي في مصر بعد الانقلاب العسكري، وتهديد الحريات وعودة مناخ الدكتاتورية، كما يقول، محمد لم يجد حلا قانونيا للحصول على إقامة قانونية ودائمة سوى تقديم طلب للجوء السياسي، وبالفعل وافقت وزارة الهجرة الأميركية على أن يستخرج رقم الضمان الاجتماعي وتصريح العمل حتى صدور قرار نهائي للبت في طلبه باللجوء.
الانضمام للجيش
استحالة الزواج بأميركية جعلت مصطفى يلجأ إلى تنفيذ اقتراح صديق له، بالانضمام للقوات المسلحة الأميركية، إذ يسمح قانون وزارة الدفاع الأميركية بتجنيد الأجانب وحاملي التأشيرات السياحية والمقيمين غير القانونيين من ذوي المهارات الخاصة الذين يجيدون التحدث بأكثر من لغة، من بينها العربية أو من ذوي الخبرة في تكنولوجيا المعلومات.
ويجند أغلب هؤلاء في مهن معظمها ذات مهام استخبارية، كما يتم أثناء الخدمة تعديل وضعهم القانوني، ومنحهم الغرين كارد ثم الحصول على الجنسية الأميركية. وهذا العدد لا يزيد على خمسه آلاف شخص في السنة، وفقا للباحثة ايستايمر.
تقدم مصطفى منذ نحو عام، إلى الأسطول الأميركي وتم قبوله، وحصل مؤخرا على الغرين كارد التي طالما حلم بها خلال 9 أشهر فقط، كما أوضح قائلا "خلال 5 سنوات سأتقدم بطلب الحصول على الجنسية الأميركية، حسب ما يفرضه القانون".
أوقات عصيبة
يبدي الفيلسوف الأميركي وأستاذ اللسانيات، نعوم شومسكي، قلقه من المصير المجهول الذي ينتظر المقيمين بصورة غير قانونية، ومن بينهم المهاجرون العرب والمسلمون، ويضيف: "معاناة هؤلاء ستزداد سوءا إذا ما فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات القادمة؛ والذي أعلن عن نيته ترحيل ملايين المهاجرين، فضلا عن منع دخول المسلمين لأميركا".
وأشار في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" إلى أن انعكاسات ترحيل هؤلاء على الاقتصاد الأميركي ستكون كبيرة، قائلا: "إذا أردت أن تحدث كسادا في الولايات المتحدة فما عليك سوى البدء في ترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين؛ والذين يمتلك العديد منهم المنازل، ويستأجرون ملايين الشقق، ومنهم اليد العاملة الماهرة والعمالة الخدمية التي تعمل مقابل أجور زهيدة في أشغال يترفع الأميركيون عن امتهانها".
بالمقابل فإن نائب وزيرة الخارجية السابق ريتشارد أرميتاج وعضو الحزب الجمهوري، يقول لـ"العربي الجديد"، من المبكر الجزم بما سيفعله ترامب إذا ما انتخب رئيسا لأميركا في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فيما يتعلق بقضية المهاجرين غير النظاميين لأن الحزب ذا الأغلبية في الكونغرس سيكون له رأي في تلك القضيه وحلها.
مساعدات إغاثية
أدى الوضع غير القانوني لملايين المهاجرين في أميركا، وما تبعه من معاناة اجتماعية ومادية إلى أن تنشط عدة جمعيات إنسانية لتقديم المساعدة ومد يد العون لهم، على رأسها منظمة الإغاثة الإسلامية الأميركية التي تتحدث عن نشاطها كريستينا ناهي، قائلة: "تتمثل خدماتنا الإنسانية للمهاجرين في تقديم إعانات مادية وعينية، على غرار السكن أو العناية الطبية وتعليم بعضهم الحرف، كما نتواصل وندعم جمعيات خيرية أخرى تعمل في نفس المجال". وتؤكد كريستينا أن أغلب مداخيل المنظمة تأتي من التبرعات الفردية لمواطنين مسلمين في أميركا.
بدوره يؤكد ايرك ميك، الناشط في منظمة المورد الأميركي الإسلامي للدعم القانوني (MLFA) بدالاس تكساس أن منظمتهم تقدم خدمات قانونية مباشرة، أو تقوم بدفع أتعاب المحامين الذين يترافعون عن العرب والمسلمين بغض النظر عن قانونية إقامتهم، لافتا إلى لجوء مئات العرب من الباحثين عن مخرج قانوني لتصحيح وضعهم إلى المنظمة، خوفاً من فوز ترامب في الانتخابات المقبلة.
في ذات السياق يؤكد المحامي فياض أنه يتلقى يوميا استفسارات من المهاجرين غير النظاميين سواء كانوا عربا أو غيرهم، طالبين تعديل وضعيتهم القانونية وسط مخاوف من أي تعديل للأسوأ في قوانين الهجرة في حال فاز المرشح ترامب بالرئاسة؛ ما قد ينعكس سلبا على وضعهم.
وردا على سؤال عن طبيعة الحل القانوني لهؤلاء أجاب فياض: "حالياً يتمتع المهاجرون القادمون من سورية واليمن والسودان فقط بوضعية قانونية مؤقتة لحمايتهم، أقرها الكونغرس لرعايا تلك البلدان لحمايتهم من الترحيل، لكن وبمجرد أن يهدأ الوضع الأمني في تلك البلدان سوف ترفع عنهم هذه الصفة، وقد يطلب منهم الرحيل أو تعديل وضعهم بطرق أخرى.