عرب ترامب

03 فبراير 2017
+ الخط -
لم تمضِ أيام عِدّة على بدء الفترة الرسمية لعهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حتى بدأ بتنفيذ أكثر وعوده الانتخابيّة إثارة للجدل. القرار الذي شمل حظر دخول المواطنين من سبعة دول إسلامية وعربية(إيران والعراق وليبيا والصومال والسودان وسورية واليمن). هذا القرار جاء لإظهار ترامب بأنّه الشخص الذي يفي بوعده، وخاصةً للقاعدة الشعبويّة التي أوصلته للبيت الأبيض.



بالطبع، لم يمر هذا الأمر التنفيذي مرور الكرام، بل جُوبِه برفض شعبي واسع من عدة قطاعات مُهمّة من الشعب الأميركي. وشمل هذا الاعتراض مختلف الفئات (فنانون وكتّاب وصحافيون ومنظّمات حقوقيّة)، بل جاء الرفض من مؤسسات الدولة ذاتها، كالمستشارة في وزارة العدل، سالي ييتس، التي رفضت تنفيذ هذا القرار، فكان جزاؤها الإقالة والعديد من مُوظفيّ الخارجية الأميركية ناهز عددهم الـ900 موظَّف، قاموا بتوقيع عريضة داخليّة يعلنون فيها رفضهم لهذا القرار الذي يؤثر على أميركا ومصالحها برأيهم.


أمّا على الصعيد الدولي، فقام العديد من النُشطاء البريطانيين بإطلاق عريضة إلكترونية وقّعها أكثر من 1.7 مليون بريطاني، تطالب بإلغاء الزيارة الرسميّة التي سيقوم بها لبلدهم، ناهيك عن ردود فعل القادة الأوروبيين كالمستشارة الألمانيةأنجيلا ميركل  التي شرحت في اتصال هاتفي اتفاقية جنيف لترامب، ورئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو الذي أكّد على مواصلة بلاده لاستقبال اللاجئين.

هذا الرفض الشعبي والرسمي لقرارات ترامب، نابعٌ من التقاليد الديمقراطية أو الأعراف الدستورية في هذه البلاد، فالديمقراطية كمصطلح ومفهوم ليست عبارة عن ممارسة فعل الانتخاب وحسب؛ بل هي في جانب آخر تمسُّك بالقيم الإنسانية العالمية والأخلاق ومبادئ المساواة والعيش المشترك.

في ممالكنا العربيّة و"الجمهوملكيات"، لم نشهد أيّة ردود فعل مُندِّدة أو شاجبة لهذا القرار، بل دافع "عرب ترامب" عن هذا القرار، وتبرعوا بشرحه وتبين كنهه المُلتبس، لنا نحن المستهدفين بهذا القرار.

قال وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد آل نهيان مُعلّقاً على هذا القرار: "هناك محاولات لإعطاء انطباع أن هذا القرار موجه ضد ديانة معينة"، معتبرا أن "هذا الكلام غير صحيح". بينما انبرى قائد شرطة دبي السابق، ضاحي خلفان، للتهليل لهذا القرار، واعتبر أنّ أفراد ومواطني هذه الدول خربوا أوطانهم وبلادهم ولا يحق لهم الدخول لأميركا، عداك عن وصفهم بالهمج وغير المتحضرين، وهذا الموقف، نابع من الثقافة الاستعلائية، لمسؤولي هذه الدولة على الأقل إنْ لم نقل من بعض مواطنيها أيضاً. 



دولة الكويت، فرضت بدورها هي الأخرى منعاً لدخول مواطني العراق وسورية وإيران وأفغانستان وباكستان إلى أراضيها، وهي تتقاطع مع الدول التي شملها "الحظر الترامبي"، وبرّرت اتخاذ مثل هذا القرار "بسبب الأوضاع الأمنية المتردية، وعدم الاستقرار فيها".


في برنامج نيران صديقة الذي يُعرض على قناة "سكاي نيوز عربية" ويقدّمه كل من الأكاديمي اللبناني الأميركي فواز جرجس، والصحافي السعودي عبد العزيز الخميس، كان موضوع الحلقة "أميركا واللاجئون.. أزمة إنسانية وانتقادات دولية"، يدورُ حول قرار ترامب الأخير وتداعياته. اللافت، أنّ الخميس، يبرّر بطريقة أو بأخرى قرار ترامب. ففي سياق النقاش مع ضيوف الحلقة، يلفت النظر إلى أنّ هذه القرارت ليست جديدة على أميركا، وهناك حالات مماثلة في التاريخ الأميركي، لكنّ شخصية ترامب الجدليّة هي التي أثارت هذه الزوبعة، ويعتبرها ضجة مبالغاً بها. ويتابع عبد العزيز في إطار دفاعه عن قرار المنع، بأنّ الهجمات الأخيرة الإرهابية في أوروبا قام بها لاجئون سوريّون، ليقاطعه جرجس، ويقول، إنّ من قام بها هم بلجيكيون وفرنسيون وشبكات محليّة أوروبية بغالبيتها. 



ولكي لا يُفهَم من الحديث أعلاه، أنّه هجومٌ على عرب في الخليج، فالسوريّون ذاتهم الذين طُبَّق بحقّهم قرار المنع، كانوا ضحايا قرار البعض منهم بإيصال ترامب للسلطة، ظنّاً منهم بأنّ انتماءهم الديني أو المذهبي، سيجعلهم خارج دائرة التمييز والعنصرية.

شبكة NBC الأميركية، نشرت مقابلة مع عائلة سوريّة صوتت لترامب وتم ترحيل بعض أفرادها من فيلادلفيا. سرمد العسالي التي صوتت لصالح ترامب قالت للشبكة: "أتفهم أنه يريد أن يجعل أميركا بلداً آمناً. كلنا يوافقه على ذلك. طبعاً أريد أن أكون في مكان آمن، لكن الناس بحاجتنا وعلينا أن نلبيهم".

ما لم تقله السيدة العسالي، إنّها هي وغيرها من السوريّين يمارسون نوعاً من العنصرية على بعضهم البعض، إلى الحد الذي يجعلهم يصوتون لممثلي خطابات الكراهية والعنصرية ظنّاً منهم أنّهم أصبحوا مواطنين كاملين، ويخافون على مصلحة بلدهم من المهاجرين الجُدد.

حادثةُ أخرى شغلت الرأي العام في هولندا، وهي استغلال ممثل اليمين الشعبويّ في هولندا وزعيم حزب الحرية، خيرت فيلدرز، لمقابلة أجراها اللاجئ السوري، يعقوب باسكال، مع موقع "WNL" الهولندي. وصرّح يعقوب، وهو يعرّف عن نفسه كمسيحي كاثوليكي، بأنّه سينتخب فيلدرز لو كان بإمكانه المشاركة في الانتخابات، لأّن النائب المتطرّف مُحق بكل ما يقوله. ينسى هذا اللاجئ أنّ مرشحه المفضّل ضد اللاجئين بالمجمل، ويريد الخلاص منهم. ولو استطاع الإمساك بالسلطة كما يفعل ترامب اليوم فلن يتورّع عن طرده أو ترحيله هو وغيره بغض النظر عن خلفيته الدينية أو العرقية، لأنّه من المؤمنين بأحقيّة الرجل الأبيض وعلو شأنه على الأجناس الأخرى. 

أخيراً: يتندَّرُ السوريّون بعضهم على البعض هذه الأيام، بأنّنا سنحتاج إلى فيزا عند عبورنا من حارة لأخرى وليس من بلد إلى آخر! يوماً بعد يوم يصبح هذا الكوكبُ عبارة عن سجنٍ كبير يرفع الأسوار والمتاريس بوجه السوريّ.

66BCAAE7-D525-4184-99DB-D59CCFB5D900
66BCAAE7-D525-4184-99DB-D59CCFB5D900
مصطفى الجرادي

شاب سوري كتبت في العديد من الصحف والمواقع العربية وأيضاً نشرت مجموعة مقالات قصيرة مع جريدة " Brabant Dagblad" الهولندية، مقيم في هولندا.

مصطفى الجرادي