عرب الداخل تحت قبة البرلمان.. أشكال الاحتواء

23 ابريل 2015
+ الخط -
عند الحديث عن بداية مقاطعة الانتخابات كحدث اجتماعي سياسي، لن تجد نقطة معينة ننطلق منها سوى النقطة العكسية للفعل الرسمي؛ أي أن أول عملية لمقاطعة الانتخابات جاءت مع أول مشاركة واهتمام في الانتخابات، بيد أن المشاركة في الانتخابات يمكن تتبّعها تاريخياً لأنها عمل جماعي منظّم، بينما المقاطعة في الأساس كانت موقفاً فردياً وإن تبنّاه مجموعة من الناس قد تختلف أسبابهم وأهدافهم من وراء المقاطعة.

عند النظر إلى الحال السياسي للفلسطينيّين في الداخل نرى أنهم قد مرّوا بحقب تاريخية مختلفة تغيرت الحياة السياسية وتفاعلهم معها مع تغيّرها وتعاقبها، فالمشاركة السياسية/المقاطعة اختلفت أبّان الحكم العسكري مع ما بعد الحكم العسكري، بالإضافة إلى اللحظة المفصلية في التسعينات التي أدت إلى السماح بتأسيس أحزاب فلسطينية وتأسيس حزب التجمع وصولاً إلى تشكيل قائمة موحدة للانتخابات في الدورة الأخيرة؛ فمع اختلاف الظروف السياسية/الاجتماعية/الاقتصادية نجد اختلافاً في خطاب المقاطعة.

جاءت الحرب عام 1948 كعاصفة ألمّت بالفلسطينيين أدت إلى التهجير الجماعي وتحويل مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى لاجئين في الشتات، بقي من الفلسطينيين داخل حدود الدولة اليهودية التي قامت على أعقاب تلك الحرب ما يزيد عن 150 ألف فلسطيني طُبق عليهم الحكم العسكري الإسرائيلي ليسمح باستمرارية بناء الدولة الإسرائيلية بدون العرب وتجاهل وجودهم، بالإضافة إلى تحديد حركتهم ومراقبتهم الأمنية عن قرب حيث كانت الحكومة الإسرائيلية تعتبر العرب قنابل موقوتة قد تنفجر في أي لحظة.

هذا الحكم العسكري عمل على منع الفلسطينيين من تكوين أُفق سياسي واضح؛ حيث مُنعوا من تشكيل أية أحزاب عربية، وأية محاولة لتأسيس حركة أو حزب كانت تُقابل بالرفض والملاحقة مثلما حدث مع حركة الأرض، بالإضافة إلى أن الهوية الفلسطينية الفرعية لم تتشكّل بعد، حيث قد عاش فلسطينيو الداخل بانقطاعٍ تام عن الجوار العربي. مشاركة الفلسطينيين بالتصويت في انتخابات الكنيست في تلك الفترة كانت مدفوعة بالخوف من سحب الجنسية والطرد. ولا يُمكن الحديث هنا حول المقاطعة/المشاركة في الانتخابات، حيث أن هذا الموقف أُجبر عليه الفلسطينيون ولم يُكن مكان اختيار. 

في فترة الحكم العسكري وما تلاها، لعب الحزب الشيوعي دوراً هاماً في المشهد السياسي بصفته الرئة الوحيدة القانونية التي يستطيع منها الفلسطيني أن يمارس السياسة وأن يتنفّس من خلالها. عصبة التحرر الوطني التي أفاقت بعد النكبة على واقع سياسي جديد يجب التعامل معه بما يتناسب مع هذه الظروف التي لا يستطيعون تغييرها، حيث توصلوا إلى مقولة بأنهم لا يستطيعون الفكاك من ارتباط الفلسطينيين بالنظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للكيان الصهيوني، وهذا ما أدى إلى اندماج "عُصبة التحرر الوطني" مع الحزب الشيوعي الإسرائيلي. في المؤتمرات التي تلت التأسيس أكد الحزب على أن المساواة في الحقوق بين العرب واليهود ممكنة، وأن السلام مع الجيران ممكن عن طريق إقامة دولة فلسطينية مجاورة حسب قرار التقسيم. تحوّل الحزب شيئاً فشيئاً إلى الجسم الأول الذي يتعامل مع قضايا الأقلية القومية الفلسطينية داخل إسرائيل ويعبّر عن اهتماماتها. نجح الحزب في اجتذاب ثلّة من الفلسطينيين المهتمين بالسياسية مثل محمود درويش، إميل حبيبي، توفيق طوبي وغيرهم من الشخصيات الفلسطينية التي تُمارس السياسة قبل قيام الدولة وشخصيات وجدت في السياسة مكانة اجتماعية. وقد شارك الحزب الشيوعي في انتخابات الكنيست عام 1965.

وفي الحديث عن مقاطعة الانتخابات في سياق اجتماعي طبقي؛ نجد أن السمة التي كانت تطبع المجتمع الفلسطيني الفلّاحي الذي يعيش من أرضه هي عدم الاهتمام بالساحة السياسية؛ حيث وجد نفسه داخل أرضه بعيداً عن ما تقدمه هذه الأحزاب، ولا يوجد أي فائدة يرجوها من الكنيست. بدأ الاهتمام الفلسطيني بانتخابات الكنيست بعد السبعينيات؛ حيث عملت موجات تهجير السكان وتهويد الأراضي إلى طرد الفلّاحين من أراضيهم وتحويلهم من طبقة تعتاش من الأرض إلى عمّال وموظّفين، أدت هذه العملية إلى بحث هذه الطبقة عن مستقبل أفضل لأبنائهم من خلال التعليم؛ هذا البحث جعل الفلسطينيين أكثر تداخلاً مع متطلبات الحياة اليومية والفوائد التي تُقدّمها السلطات المحلية، حيث كان يجتمع ممثلون عن الأحزاب الإسرائيلية مع أبناء هذه الطبقة وإغرائهم بالوعود الحياتية من التعليم والصحة..إلخ، مقابل التصويت لصالح هذا الحزب.

الحرب التي قامت عام 1967 والتي أدت إلى السيطرة على الضفة وقطاع غزة عملت على أوّل تواصل بين الفلسطينيين في الداخل والخارج منذ قيام الدولة الإسرائيلية، وبعدها بسنوات تحوّل الفلسطينيون من فلاحين إلى عمّال وموظّفين يتأثرون بشكلٍ مباشر بتغير الأحزاب والقوانين، بالإضافة إلى ظهور منظمة التحرير الفلسطينية التي تعارضت مبادؤها مع مبادئ الحزب الشيوعي؛ حيث رأى الحزب أن مبادئ المنظمة تتعارض مع حق إسرائيل في الوجود بموجب قرارات الأمم المتحدة، وأن مواقف المنظمة تضر بوحدة شعوب المنطقة وبالمعركة ضد الإمبريالية وتشكّل حاجزاً في طريق الحل السلمي للنزاع. كل تلك الأسباب أدت إلى ظهور حركات جديدة تتبنّى مقاطعة انتخابات الكنيست كمبدأ أساسي. هذه الحركات التي ظهرت ومنها الحركة الإسلامية وحركة أبناء البلد التي اعتبرت نفسها نقيضاً لما يطرحه الحزب الشيوعي كانت أوّل دعوة منظمة حركية لعدم المشاركة في الكنيست الإسرائيلي، وهذه الدعوة سنضعها تحت بند المقاطعة التقليدية، على أن يتم تحليل خطابها وما وصل إليه الخطاب في الدورة الأخيرة من الانتخابات في المقالة القادمة ضمن سلسلة من المقالات.

المساهمون