عراقيّون مخطوفون ضحايا الطائفية والابتزاز والمافيات

20 فبراير 2015
كثيراً ما ينتهي الخطف بالقتل (فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن أبو عمر (50 عاماً) يعلم بأنه سيكون على موعد مع فاجعة ستغيّر حياته. في ذلك اليوم، تأخر ابنه عمر (22 عاماً) وهو طالب جامعي، في العودة إلى البيت على غير عادته، فراح القلق يعتري الوالدين.

رنّ الهاتف. كلمات معدودة: "ولدك بحوزتنا. أحضر 5 دفاتر (50 ألف دولار أميركي) في خلال 48 ساعة، وضعها في حاوية النفايات في التقاطع المقابل لمنزلك ولا تتلفت حولك. إياك أن تخبر أحداً". انتهى الاتصال من دون أن يُتاح له مجال الردّ.

أصيب أبو عمر بالذهول والذعر. من المتصل؟ ما الذي يجري؟ لم يلقَ أجوبة، لكنه رأى نفسه ينفّذ طلبات المتصل. لم يكن يملك المال، فاضطر إلى بيع منزله لأحد تجار العقارات بنصف قيمته. أنقذ ولده من الخطف، لكن سرعان ما اكتشف أن الموت خطفه منه. فبعد تسليم المبلغ للخاطفين، وجده جثة هامدة على قارعة الطريق.

تشير الإحصائيات إلى أعداد هائلة من المخطوفين على مدار 11 عاماً، ويكشف رئيس "المركز العراقي لحقوق الإنسان" عبد الصمد القريشي لـ"العربي الجديد" عن أرقام مخيفة موضحاً أنّ "أكثر من ستة آلاف حالة اختطاف سجلت بحق أطفال منذ عام 2003، قُتل نصفهم، في حين تعرّض أكثر من 250 طبيباً و50 صحافياً للخطف. وكان عام 2014 الأكثر عنفاً وشهد 4600 حالة اختطاف أكثر ضحاياها من الشباب".

ويشير القريشي إلى "أسباب عدّة تقف وراء عمليات الخطف، أبرزها الطائفيّة ثم يليها طلب الفِدية وبعدها المشكلات العشائريّة التي تأتي نادرة". يضيف أن "بغداد وأطرافها تشهد أكثر من 50 حالة اختطاف أسبوعياً 80% منها، بدوافع طائفيّة".

وتفيد الإحصائيات بأن أكثر حالات الاختطاف سجّلت في عهد الحكومتَين السابقتَين بين عامَي 2006 و 2014. ويوضح ضابط رفيع المستوى في وزارة الداخليّة فضّل عدم الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد"، أنّ "عام 2004 سجل 1370 حالة اختطاف، وقد ارتفع العدد في عام 2005 ليسجّل 1765 حالة ليأتي عام 2006 كذروة العنف الطائفي الذي عصف بالبلد مع 2320 حالة. وفي 2007 ارتفعت إلى 2245 حالة، لتنخفض في عام 2008 إلى 797 حالة وفي عام 2009 إلى 272. أما عام 2010 فقد سجّل أقلّ نسبة في حالات خطف مع 125 حالة لتعود وترتفع تدريجياً في خلال السنوات اللاحقة لتبلغ 4600 حالة في عام 2014".

ويبيّن الضابط أن "حوادث الخطف منذ عام 2003 وحتى اليوم بلغت أكثر من 14 ألفاً و881 حالة، أكثر من نصفها انتهت بقتل الضحية، خصوصاً في السنوات التي شهدت تصاعداً في العنف الطائفي في الأعوام 2006 و2007 و2014".

لكن بعض المحامين يلفتون إلى أنّ هذه الأرقام ما هي إلا أقلّ من نصف الأرقام الحقيقيّة منذ عام 2003 وحتى اليوم، إذ إن الآلاف خطفوا وقتلوا في خلال عامَي 2006 و2007.
ويوضح المحامي مأمون العاني أن "هذه الأرقام أقلّ مما هي في الواقع بكثير. فأقل من نصف حالات الاختطاف سجّلت فقط، في حين تحاول الجهات الحكوميّة التحفظ على هذه الإحصائيات لأسباب سياسيّة أو خشية افتضاح أمر بعض السياسيّين المتورّطين. كذلك يخشى معظم ذوي المخطوفين إبلاغ الشرطة خوفاً من القتل، إذ لم تنقذ الجهات الأمنيّة أكثر من 10 % من المختطفين".

يضيف العاني أنّ "ظاهرة الخطف تنتشر نتيجة عدم حصر السلاح بيد الدولة وانتشار المليشيات وعدم محاسبتها على ما تقترفه من أعمال خطف وقتل منظمة، بالإضافة إلى الصراع الطائفي وتدخّل جهات حزبيّة وسياسيّة لمنع كشف المتورطين في الخطف نتيجة ضلوع بعض السياسيّين وتزعمهم عصابات خطف منظمة".

ستون ألف دولار، هو الثمن الذي تطلّبه تخليص الطفل مهيمن (10 أعوام). وقد دفعه والده لمختطفيه من دون أن يبلغ الجهات الأمنيّة خشية قتل صغيره. ويروي أبو مهيمن الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه الصريح خوفاً من المختطفين الذين هددوه بالقتل إذا أخبر أجهزة الشرطة، أن "ولدي خطف من أمام أنظار أجهزة الأمن في بغداد، ولم تقم القوات الأمنيّة بملاحقة المختطفين. اتصلوا بي وهدّدوني بقتله في حال رفضت دفع المبلغ".

أما عثمان فاضل (25 عاماً)، فقد عانى من جهته. هو اختُطفَ على أطراف العاصمة بغداد. يقول: "كنت متوجهاً إلى عملي، فأوقفنا حاجز أمنيّ ودقق عناصره في الهويات. أنزلوني من السيارة بحجة أنني مطلوب للجهات الأمنيّة وعصبوا عينَي واقتادوني إلى مكان مجهول". يضيف: "تبيّن أنهم من إحدى المليشيات وبدأوا بتعذيبي. وراحوا يشتمونني. بعدها قرروا قتلي في مكان ناءٍ وأطلقوا عليَّ ثلاث رصاصات. لا أتذكر بعدها إلا منظر الأطباء من حولي. فقد كتبت لي حياة جديدة لأن الخاطفين ظنوا أنني فارقت الحياة".

ولعلّ أبرز عمليات الاختطاف كانت تلك التي استهدفت 200 حاج، من بينهم أساتذة جامعيّون على بعد 300 متر من منفذ عرعر الحدودي. هؤلاء خطفوا على أيدي مسلحين يرتدون الزي العسكري الرسمي للجيش العراقي في عام 2007. وقد تلاها اختطاف خمسة بريطانيّين يعملون لحساب وزارة الماليّة العراقيّة.

إلى ذلك، شملت عمليات الخطف دبلوماسيّين وأعضاء في البرلمان العراقي وشيوخ عشائر وعلماء دين وأطباء وخبراء وصحافيّين وتجاراً وضباطاً سابقين.

ولا يجد العراقيّون مفراً من الموت أو الخطف إلا من خلال بعض الحيل البسيطة التي قد تفيدهم في بعض الأحيان في تجنّب فخاخ الاختطاف، وذلك بعدما يئسوا من عدم إيجاد الحكومات المتعاقبة على البلاد حلولاً ناجعة.

وفي هذا الإطار يقول الخبير الأمني والمستشار السابق في وزارة الداخليّة العراقيّة سمير الكروي لـ"العربي الجديد"، إن "المواطنين لجأوا إلى أساليب مختلفة، منها تغيير محل إقامتهم بين فترة وأخرى أو ادعاء الفقر على الرغم من حالتهم الممتازة مادياً. فتراهم يركبون سيارات ويرتدون ملابس بسيطة بشكل متعمّد حتى لا يلفتوا الانتباه إليهم، بالإضافة إلى تزوير هويات بأسماء طائفيّة مختلفة سنيّة وشيعيّة. فيدخل مناطق شرق بغداد باسم معيّن وغربها باسم آخر". يضيف: "لكن ذلك يقابله تراكم خبرات العصابات في الكشف عن تلك الأساليب، لذا يبقى عامل الحظ والقدر هو الفيصل الوحيد في النجاة في العراق ما بعد الاحتلال".