عراقيون يرفضون خدمة العلم

17 مارس 2016
ضحكته لا تعكس وضع المدعوين إلى الخدمة (فرانس برس)
+ الخط -
أثار إعلان وزارة الدفاع العراقية عن إنجاز مسودة قانون خدمة العلم الإلزامية استياء ملحوظاً بين العديد من العراقيين، الذين اعتبروا الأمر حلقة جديدة من سلسلة "فساد الحكومة".
وكان المستشار الإعلامي لوزارة الدفاع العراقية نصير نوري قد عقد الأربعاء الماضي مؤتمراً صحافياً، حضرته "العربي الجديد"، تضمن الإعلان عن إنجاز مسودة قانون خدمة العلم (الخدمة العسكرية الإلزامية). وأوضح نوري أنّ مسوّدة القانون جرى التصويت عليها في اجتماع مجلس الدفاع، وسترحّل إلى الجهات ذات العلاقة بهدف إقرارها.

وأضاف نوري أنّ قانون الخدمة الإلزامية سيسهم "في توفير قاعدة احتياطية عريضة للمؤسسة العسكرية، من أجل إعداد وبناء جيش متطور يضاهي الجيوش العالمية من ناحية اعتماده على العناصر العلمية الكفؤة، واستخدام أحدث الأساليب والمعدات في عملية البناء الصحيحة".
وقال إنّ "الهدف الأساس لكتابة هذا القانون هو إيجاد صيغة وطنية احترافية لبناء المؤسسة العسكرية وفق أطر واضحة المعالم، تعتمد النوع دون الكم. كذلك هي خطوة مهمة لمعالجة تداعيات قرار حلّ الجيش العراقي المتسرع في أعقاب عام 2003". وهو القرار الذي اتخذه الحاكم المدني للعراق الأميركي بول بريمر.

وفقاً لما أعلنته وزارة الدفاع العراقية فإنّ خدمة العلم تشمل من هم في سن 18 عاماً حتى 45 عاماً. ويلزم القانون من يحملون شهادة تعليمية دون الدراسة الثانوية، بخدمة لمدة 16 شهراً. ويلزم من أكمل الثانوية بخدمة لمدة عام واحد. ومن يحمل شهادة جامعية بخدمة لمدة 9 أشهر، على ألا يكونوا مستمرين في الدراسة.
وكشفت لجنة الأمن النيابية في وقت سابق أنّ رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي وافق على مسودة قانون التجنيد الإلزامي. وأشارت في تصريح لعضوها إسكندر وتوت إلى اتفاق غالبية أعضاء اللجنة على مسودة القانون.

يأتي مشروع قانون التجنيد الإلزامي، وفقاً لمراقبين، لضرب مشروع قانون الحرس الوطني، الذي وافقت عليه الحكومة العراقية في 3 فبراير/ شباط 2015 والذي يهدف إلى بناء حرس وطني بتشكيلات مختلفة تضم نواته 120 ألف مقاتل من مختلف المحافظات، وفق نسب تعدادها السكاني، بميزانية قدرت بملياري دولار.

وكانت القوى السياسية والعشائرية السنّية والكردية والمسيحية قد ساندت تشكيل حرس وطني يضم جميع مكونات الشعب العراقي، وليس "الحشد الشعبي" المتهم بضم مليشيات مارست عمليات قتل ونهب. وذلك مخافة استنساخ تجربة الحرس الثوري الإيراني في العراق.
لكنّ بعض الأطراف، منها الفصائل المنضوية تحت راية "الحشد الشعبي"، هددت باللجوء إلى القوة في حالة اعتماد مشروع قانون الحرس الوطني. كما أنّ أطرافاً عراقية شعرت بالريبة من هذا القانون بسبب حرص الولايات المتحدة وبريطانيا على تمريره. بل إنّ بعض الأطراف العراقية وصفت مشروع قانون الحرس الوطني بأنّه مشروع أميركي لتقسيم العراق.
ودفع كلّ هذا الجدل مجلس النواب إلى سحب مشروع القانون في 8 سبتمبر/ أيلول 2015، وإعادته إلى الحكومة لتعديله.

من جهتهم، يرى مواطنون أنّ التجنيد الإلزامي "ضريبة دم" يدفعها الشعب مقابل "رفاهية المسؤولين وأبنائهم". ويشيرون إلى أنّ ما أعطوه من دم وخسائر على مدى عقود يجب أن يعفيهم من دفع المزيد، فيما يرى كثيرون أنّ مصير عائلاتهم في غيابهم هو الشارع.
يقول المواطن ضرغام زين العابدين، وهو أحد معوّقي حرب الخليج الأولى (1980-1988) لـ"العربي الجديد" إنّ "الشعب دفع الكثير من الدم على مدى سنين طويلة. صار دمنا ضريبة ندفعها مقابل تنعم السياسيين والمسؤولين في الحكومة وعائلاتهم وأبنائهم بالرفاهية". يضيف: "لا يخلو بيت في العراق من ضحايا الحروب والقتال، والذي يريد تكوين جيش فليذهب هو وأبناؤه وأقاربه وينضموا، إن كانوا صادقين أنّ همهم البلد".
من جهته، يقول علي القرغولي، الذي تخرج من الجامعة قبل عامين، إنّ انضمامه إلى الجيش "أمر مستحيل" فهو المعيل الوحيد لأسرته. يفسر: "لن ينفعني الجيش إن سكنت أمي وأخوتي الشارع. يكفي أنّ والدي قتل بسبب سوء إدارة الحكومة لأمن البلاد، فقد خطفه مسلحون عام 2008، على مرأى ومسمع دورية للشرطة. وتسلمناه جثة هامدة".

أما عمار هاشم (30 عاماً) وهو رسام متخرج من كلية الفنون الجميلة، فيقول: "يتوجب عليّ بحسب القرار أن أخدم في الجيش لتسعة أشهر كوني أحمل شهادة جامعية، لكنني لن أخدم تسع دقائق حتى". يستطرد: "ما دفعناه من دم وما خسرناه كمواطنين على مدى عقود، من جراء الطيش السياسي، وسوق الشعب إلى المعارك بالقوة، يكفي لرفض هذه التخبطات، وسياسة الكيل بمكيالين".

تبقى الإشارة إلى أنّ بعض الزعماء والسياسيين يشملهم التجنيد بما أنّ سنّهم لا تتجاوز 45 عاماً، وأبرزهم مقتدى الصدر وعمار الحكيم. وهو ما أثار جدلاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة. لكنّ آخرين أكدوا أنّ خدمة العلم "حكر على أبناء الشعب دون المسؤولين والسياسيين".

اقرأ أيضاً: الأقارب والجيران يشاركون بالخطف في العراق
المساهمون