وسط غياب اهتمام الجهات الرسمية بأحيائهم الواقعة في العاصمة بغداد، عمد مواطنون عراقيون إلى تأهيل تلك الأحياء بوسائلهم وعلى نفقتهم الخاصة. فالإهمال يؤدّي إلى تفاقم الحال في البلاد ككل، بلا شك.
في حيّ الغزالية الواقع غربي العاصمة العراقية بغداد، يسكن أحمد شهاب. هو شاب أنهى حديثاً دراسته الجامعية ويحاول الاستفادة من تخصصه في الزراعة ليساعد جيرانه وأصدقائه ومعارفه مجاناً في ما يتعلّق بأعمال البستنة، وغايته بحسب ما يقول "إضفاء جمال ونظافة على البيوت والأحياء السكنية". ويعمل الشاب على الانتفاع من كلّ ما هو مهمل وتحويله إلى "مصدر للجمال"، كحاويات للأزهار والنباتات في حدائق المنازل أو زوايا أخرى منها. وهو ما جعل كثيرين يفكّرون في الإفادة من أشياء مهملة لديهم، فصارت الأزقة التي يسكنونها تبدو أكثر جمالاً.
يقول أحمد لـ"العربي الجديد" إنّ "اللمسات الفنية الزراعية الجميلة في داخل المنازل لم تكن هي هدفي الوحيد من التواصل مع الناس ومساعدتهم في تنفيذ أفكار جميلة باللجوء إلى الزراعة. الهدف الأهمّ هو تحويل اهتمامهم صوب صيانة شوارعهم وأحيائهم". يضيف أنّ "أحداً لم يمانع حين طرحت عليه أفكاراً لترتيب محيط منزله من الخارج والاهتمام بتزيين الرصيف وإقامة أحواض عليه لزراعة الأزهار والشتول المختلفة". ويتابع أنّ "ثمّة نقصاً في الخدمات التي يُفترض على الحكومة تقديمها، لكنّ ذلك بحسب رأيي لا يجب أن يجعلنا نقف مكتوفي الأيدي. لذا عمدت إلى تقديم خدمات بسيطة إلى الناس، هي مجرّد أفكار ينفّذونها هم بأنفسهم في منازلهم وخارجها".
وحيّ الغزالية ليس متفرّداً بذلك، فأحياء سكنية عدّة في العاصمة العراقية أخذ سكانها على عاتقهم الاهتمام بها. ويأتي ذلك بحسب المهندس الزراعي في أمانة بغداد حسن الساعدي "على خلفية التراجع الكبير في الخدمات البلدية الذي يسجّل منذ عقود نتيجة الأزمات التي عاشتها البلاد. ويتحدّث الساعدي لـ"العربي الجديد" عن "عراقيل عدّة لعمل البلديات، في حين أنّ المدن العراقية في حاجة ماسة إلى إعادة تأهيل وتجديد لكامل بنيتها التحتية، لكنّ الأمر معقّد ومكلف". يضيف الساعدي أنّ "أحدث الشبكات أنشئت في ثمانينيات القرن الماضي وهي معدّة لاستيعاب كميّات محددة من المياه على سبيل المثال، بحسب عدد السكان في كلّ حيّ سكني. لكنّ الحال تبدّلت والزقاق الذي كان يسكنه ما بين 200 و300 مواطن، صار يضمّ ما بين 1000 و1500، وهو ما تسبب في ضغط كبير على الخدمات المقدّمة". ويشرح الساعدي أنّه "بعد تدهور الحالة الاقتصادية للمجتمع منذ الحصار الذي فُرض على البلاد في عام 1991، لم يعد في إمكان الفرد بناء مستقبله بمعزل عن عائلته، فصار بيت العائلة يُقسم إلى بيوت صغيرة عدّة ليسكن فيها الأبناء بعدما كبروا وأنشأوا عائلاتهم الخاصة".
ويشير الساعدي إلى أنّ "المشكلة الأكبر تكمن بالفساد المستشري الذي يحول دون تأهيل البنى التحتية وتقديم الخدمات اللازمة للسكان"، متابعاً أنّ "ثمّة إنفاقاً كبيراً في الأموال المخصصة للخدمات لكنّها بأكثرها تذهب إلى جيوب الفاسدين المتنفذين في دوائر البلديات، بالتالي فإنّ المتضرر هو البلد والناس". ويُعَدّ الفساد من أبرز المشكلات التي يعانيها العراق منذ الغزو الأميركي في عام 2003، الأمر الذي أثّر بصورة كبيرة على كلّ مفاصل الحياة في البلاد التي تضمّ أكثر من 30 مليون نسمة.
وبمناسبة شهر رمضان، عمد كثيرون إلى تنظيف أزقتهم ومنازلهم وإضفاء لمسات جميلة عليها. هذا ما حصل في حيّ الوزيرية، أحد أقدم الأحياء في العاصمة بغداد، إذ إنّ الجيران تعاونوا لتأهيل شبكة الصرف الصحي وشبكة تصريف مياه الأمطار وطلاء الرصيف. صلاح عادل من سكان الوزيرية، يقول لـ"العربي الجديد": "نحن لا نعتمد على الخدمات البلدية ونتشارك باستمرار في تنظيف زقاقنا وتأهيله وتجميله". يضيف عادل: "من يتجوّل في بغداد يرى أنّ الناس جميعاً يفعلون ذلك، في ظلّ نقص الخدمات التي تقدّمها البلديات"، متابعاً أنّ ما يقومون به من تأهيل لشبكات صرف المياه على سبيل المثال إنّما هو "لحماية منازلنا وأزقتنا من الغرق".
في السياق، عمدت فائزة النعماني مع جيران لها إلى توفير أغطية لشبكات الصرف الصحي، في وقت تستمرّ سرقة تلك الأغطية وعدم اتخاذ البلدية أيّ إجراءات للحدّ من تلك السرقات. تقول لـ"العربي الجديد" إنّ "حوادث عدّة وقعت بسبب غيات الأغطية. ففتحات المنهولات واسعة لدرجة أنّ ثمّة أشخاصاً وقعوا فيها وتعرّضوا لإصابات مختلفة، إلى جانب حوادث السيارات". تضيف: "لذا، قررنا نحن سكان الحيّ أن نتشارك في صنع أغطية خاصة ونجحنا في ذلك"، موضحة أنّ ما صنعوه هو "مشبكات غير مغرية للسارقين، في حين أنّ أغطية المنهولات الأصلية التي تعتمدها البلديات مصنوعة من مادة معدنية يمكن لهؤلاء صهرها وبيعها والانتفاع منها".
من جهة أخرى، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة أخباراً حول أعمال تأهيل جسر للمشاة في إحدى مناطق بغداد، بعدما كان قد هُدم بسبب تفجيرات قبل سنوات من دون أن تعمد أيّ من الجهات المختصة إلى تأهيله، على الرغم من أهميته، فهذا الجسر يربط بين حيَّين سكنيَّين، يتخللهما شارع مروري سريع يصعب اجتيازه، إذ إنّه مخصص فقط للسيارات. ويؤكد سكان متضررون من غياب الجسر لـ"العربي الجديد" أنّ حوادث دهس تقع باستمرار في هذا المكان، الأمر الذي هو استدعى تبنّي تأهيل الجسر على حساب مجموعة منهم تبنّت الأمر.