في الأنظمة الطبية المتطوّرة، تُعَدّ مراكز الصحة الأوّلية حجر أساس. لكنّها تغيب عن بلدان عربية كثيرة، لا سيّما تلك التي تعاني من تدهور في الخدمات الصحية.. والعراق مثال.
يوماً بعد آخر تتوسّع رقع المساحات السكنية في مختلف مدن العراق، ويترافق ذلك مع تزايد في الحاجة إلى الخدمات الصحية من بين خدمات أخرى. ويتطلب ذلك فتح عيادات طبية أو مراكز صحية أوّلية في المناطق السكنية التي أنشئت بطرق قانونية أو غير قانونية في المناطق النائية وحتى داخل المدن وعند أطرافها.
المراكز الصحية الأوّلية بالنسبة إلى المتحدث السابق باسم مستشفى الفلوجة التعليمي، الدكتور أحمد الشامي، "لها دور كبير في تقديم الرعاية الطبية الأوّلية لمن يحتاجها من المواطنين، وهي تُعَدّ حلقة وصل بين المريض والمستشفى". ويشرح لـ "العربي الجديد" أنّ تلك المراكز "تعالج الحالات المرضية البسيطة والتي لا تحتاج إلى تدخّل جراحي أو استشفاء أو حتى متابعة يومية، فيما يحوّل القائمون عليها الحالات الحرجة أو تلك التي تتطلّب متابعة دقيقة لا سيّما تدخل جراحي أو غيره، إلى المستشفيات. بالتالي، تعمل هذه المراكز على تخفيف العبء عن المستشفيات".
يضيف الشامي أنّ "العيادات الصحية التي يعمل فيها كادر طبي تعيّنه مديريات الصحة في المحافظات، لها أثر إيجابي كبير في المناطق النائية إذ توفّر الخدمات الصحية المختلفة بما فيها لقاحات الأطفال وعلاجات الأمراض المزمنة". ويشدد على أنّ "عدم وجود مراكز صحية مماثلة في القرى والأحياء المزدحمة بالسكان أو البعيدة، قد يؤدي إلى كوارث صحية مثل انتشار الأمراض الانتقالية. وفي حال عدم تحصين الأطفال باللقاحات الضرورية، قد ينتشر شلل الأطفال على سبيل المثال أو الحصبة أو النكاف أو غيرها".
من جهتها، تقول الصيدلانية شهد المهداوي التي تسكن في مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى، إنّ "مناطق سكنية جديدة كثيرة أنشئت على الأراضي الزراعية وغير الزراعية، وهي في حاجة إلى مراكز صحية، لا سيّما مع استمرار تراجع الوضع الأمني وصعوبة وصول الناس إلى المستشفيات في ظل قطع الطرقات وحظر التجوّل بين حين وآخر". تضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "في بعض المدن التي تعيش حالة من التوتر الأمني مثل المحافظات الساخنة التي تحوّلت إلى ساحات للقتال، لا بدّ من توفير علاجات سريعة للأمراض غير الخطرة أو الاعتيادية من قبيل الصداع وارتفاع ضغط الدم والإنفلونزا. وهذا ما توفّره العيادات الصحية".
وتشير المهداوي التي تعمل في إحدى الصيدليات القريبة من المركز الصحي في منطقة كاطون الرحمة في مدينة بعقوبة، إلى المناطق التي تحتاج إلى "فتح مراكز صحية أو مفارز طبية، نظراً إلى أهميتها في التخفيف من الضغط الحاصل على المستشفيات، خصوصاً في المناطق المكتظة بالسكان. ومن تلك المناطق المجمّع الصناعي في بعقوبة وشارع الصحفية ودور الأساتذة في منطقة كاطون الرحمة ومنطقة خمسة آلاف... فهذه المناطق يقطنها أكثر من 12 ألف نسمة وهي في حاجة ماسة إلى مراكز صحية لأنّ المرضى بغالبيتهم يقصدون الصيدلية لشراء أدوية يصفونها لأنفسهم من دون الرجوع إلى الأطباء أو المستشفيات. وهم يفعلون ذلك بسبب ارتفاع تكاليف الإجراءات المعمول بها في حال دخول المريض المستشفى". وتؤكّد أنّ "تلك العيادات من شأنها أن تقلل من تكلفة العلاج لأنّ التداوي فيها أقل تكلفة أمّا أسعار الأدوية فتكون بمتناول اليد. وهو ما يخفّف عن كاهل العوائل وأصحاب الدخل المحدود". وتوضح المهداوي في هذا السياق أنّ "أسعار الأدوية مرتفعة جداً وثمّة استغلال ملحوظ من قبل بعض الكوادر الطبية وكذلك من بعض الصيدليات التي توفّر العلاجات. وهو ما يجعل أصحابها يستغلون حاجة المريض إلى العلاج برفع أسعار الأدوية. من جهة أخرى، كثيرون هم المرضى الذين لا يستطيعون شراء كل الأدوية المطلوبة في الوصفة الطبية نتيجة وضعهم المادي المأزوم، فتُعرَّض حياتهم للخطر".
وتشدّد المهداوي على أنّه "في حال وُجدت مفارز طبية وعيادات حكومية تتوّفر فيها أجهزة وأقسام ضرورية مثل قسم الأشعة وقسم ولادة مسائي وشعبة للعلاج الطبيعي وصيدلية، فإنّ الأحوال تتغيّر". وتتابع أنّ "هذا ما ينقص مركز كاطون الرحمة الصحي، وعلى وزارة الصحة الإسراع في توفير اللازم وفتح مفارز طبية في هذه المنطقة المزدحمة بالسكان".
وبهدف فتح مركز صحي أوّلي، ثمّة شروط بحسب ما يلفت الدكتور أحمد الشامي. ويشرح أنّ "أهم الضوابط التخطيطية لفتح المراكز الصحية الرئيسية والفرعية المعمول بها في العراق، هو ألا يقل عدد السكان ضمن الرقعة الجغرافية لبناء المركز الصحي الرئيسي عن عشرة آلاف نسمة وأن يتوفّر مبنى صالح تعود ملكيته لوزارة الصحة، يتراوح عدد الغرف فيه ما بين سبع وعشر غرف. كذلك يُفترض توفّر إضاءة طبيعية وتهوية، مع حمّامات صحية للكوادر العاملة في المركز الصحي غير الحمامات المخصصة للمراجعين". يضيف أنّه "من الضروري توفّر الإمكانية لتأمين كوادر طبية وصحية مناسبة، في حين يكون السكان قادرين على الوصول إلى المركز الصحي بسهولة مع توفّر وسائل النقل". ويتابع أنّ "هذه الشروط يُمكن تحقيقها من قبل وزارة الصحة ومديرياتها في المحافظات للتخفيف من معاناة الناس في تلك المناطق وتلبية احتياجاتهم".