كثيراً ما يُحكى اليوم عن مزاج عصبيّ لدى الشباب حول العالم. ثمّة أسباب مشتركة بين كلّ هؤلاء، وثمّة أسباب أخرى تختلف بحسب خصوصيّة كلّ شعب وجماعة. شباب العراق من هؤلاء الذين تُسجَّل لديهم عدوانيّة وانفعال سريع
في ذلك اليوم، راحت أمّ علي تجمع قطع التلفاز الذي حطمه ولدها البكر، لمجرّد أنّها سألته إلى أين يذهب. وعلي البالغ من العمر اثنين وعشرين عاماً، ليس حالة منفردة بين شباب العراق اليوم. كثيرون هم الذين يظهرون بمزاج عصبيّ وينفعلون سريعاً. سمير ابن التاسعة عشرة من هؤلاء كذلك، وتشكو والدته من غضبه السريع على الرغم من عدم توفّر أسباب مقنعة تدعو إلى ذلك. لكنّ خبراءً نفسيّين يبرّرون ذلك بالحروب التي تتوالى في البلاد.
أسباب عدّة من شأنها أن تؤثّر على حالة الفرد العراقي، بحسب ما يقول أستاذ علم النفس الدكتور عدنان المهداوي. يوضح أنّ "من تلك الأسباب التعرّض لمشاكل مختلفة ومتتابعة، والتعرّض لضغوط نفسية عدّة في جوانب مختلفة من الحياة، والخوف والقلق اللذَين ينجمان عن أمور كثيرة. كذلك، تؤدّي الصدمات النفسية إلى حالة من التشنّج العصبي الدائم فتولّد خلافات عدّة مع الآخرين. كلّ ذلك في حين يعيش العراقي في بلد يعاني من ويلات الحروب المستمرة".
ويشير المهداوي إلى أنّ "أكثر من ثلث العراقيين يعانون نفسياً نتيجة ما يواجهون من ضغوط حياة. والمزاج العصبي ظهر بين العراقيين أكثر، بعد عام 2003 أي بعد الاحتلال الأميركي للبلاد. وصرنا نسجّل أكثر فأكثر تشنّجات وتصادماً بين الشباب، لأنّ أوضاعهم النفسيّة غير مستقرة. وهذا ما يجعلهم ثائرين بصورة دائمة وكأنّهم ينتظرون إشكالاً ما ليفرّغوا الغضب المحقون في داخلهم".
اقــرأ أيضاً
في ذلك اليوم، راحت أمّ علي تجمع قطع التلفاز الذي حطمه ولدها البكر، لمجرّد أنّها سألته إلى أين يذهب. وعلي البالغ من العمر اثنين وعشرين عاماً، ليس حالة منفردة بين شباب العراق اليوم. كثيرون هم الذين يظهرون بمزاج عصبيّ وينفعلون سريعاً. سمير ابن التاسعة عشرة من هؤلاء كذلك، وتشكو والدته من غضبه السريع على الرغم من عدم توفّر أسباب مقنعة تدعو إلى ذلك. لكنّ خبراءً نفسيّين يبرّرون ذلك بالحروب التي تتوالى في البلاد.
أسباب عدّة من شأنها أن تؤثّر على حالة الفرد العراقي، بحسب ما يقول أستاذ علم النفس الدكتور عدنان المهداوي. يوضح أنّ "من تلك الأسباب التعرّض لمشاكل مختلفة ومتتابعة، والتعرّض لضغوط نفسية عدّة في جوانب مختلفة من الحياة، والخوف والقلق اللذَين ينجمان عن أمور كثيرة. كذلك، تؤدّي الصدمات النفسية إلى حالة من التشنّج العصبي الدائم فتولّد خلافات عدّة مع الآخرين. كلّ ذلك في حين يعيش العراقي في بلد يعاني من ويلات الحروب المستمرة".
ويشير المهداوي إلى أنّ "أكثر من ثلث العراقيين يعانون نفسياً نتيجة ما يواجهون من ضغوط حياة. والمزاج العصبي ظهر بين العراقيين أكثر، بعد عام 2003 أي بعد الاحتلال الأميركي للبلاد. وصرنا نسجّل أكثر فأكثر تشنّجات وتصادماً بين الشباب، لأنّ أوضاعهم النفسيّة غير مستقرة. وهذا ما يجعلهم ثائرين بصورة دائمة وكأنّهم ينتظرون إشكالاً ما ليفرّغوا الغضب المحقون في داخلهم".
إيهاب أحمد ناشط في "تجمّع شباب من أجل العراق"، يرى أنّ "السبب الرئيسي لسرعة الغضب والمزاج العصبي لدى الشاب العراقي، هو نتيجة ما تسبّب به الاحتلال الأميركي من قتل وتشريد وانتهاك للحرمات". وإذ يلفت إلى أنّ "الشاب العراقي لم يشهد أحداثاً كثيرة بأمّ عينه"، يؤكّد أنّه "على الرغم من ذلك تكدّرت أحلامه وطموحه. سياسيّونا لا يعملون لمصلحة الوطن والمواطن، بل لمصالحهم الخاصة". ويقول إنّ "آلاف الشباب يتخرّجون سنوياً ويحملون شهاداتهم، من دون أن يحظوا بتعيين في وظيفة ما، نظراً إلى الفساد في بعض المؤسسات الحكومية، لا سيّما المحسوبيات. وهو الأمر الذي يؤثّر سلباً عليهم، ويجعلهم يتورّطون في عراك أو آخر، على خلفيّة مزاح أحياناً".
من جهته، يقول عبدالله جدوع الجنابي وهو خرّيج كليّة الآداب، إنّ "الغضب يسود سلوكيات الشباب منذ نحو 14 عاماً بطريقة لافتة واضحة. ويأتي ذلك مرتكزاً على شعور بالفشل وخيبة الأمل، إذ يدرك الشاب أنّ ثمّة عقبات تحول دون إشباع ما يسعى إلى إشباعه من حاجات ودون بلوغه أهدافه". ويشير إلى "مشاعر سلبية تنتاب الشاب نتيجة العقبات أو عملية الإرجاء، من قبيل الضيق والتوتّر والقلق وخيبة الأمل والإحباط. وهذه كلّها تؤدّي إلى العدوانية". يضيف أنّ "العدوانية التي تأتي في إطار الغضب الانفعالي، كثيراً ما يعيدها المختصون إلى الإحباط. والشعور بالإحباط قد يكون أكثر إيلاماً وأشدّ وطأة على الشباب من حالات أخرى". ويتحدّث الجنابي من جهة أخرى عن "الاعتقال الذي قد يتعرّض له الشباب، بذنب أو بغير ذنب، وما يرافق ذلك من ممارسات وتعذيب تكون آثارها النفسية وخيمة".
في السياق، يقول الباحث أحمد نبيل الأغا إنّ "للبيئة من دون شكّ أثراً كبيراً على مزاج الفرد وأقواله وأفعاله وكلّ تصرفاته. فالبيئة هي التي تشكّل شخصية الإنسان بالتعاون مع الأسرة. وإذا نظرنا إلى بيئة العراق، فإنّنا نجد فيها كلّ دواعي العدوانية والمزاج العصبي، من توتّر وخوف وظلم ودم وموت، بالإضافة إلى كل أنواع العصبيات من مذهبية وقومية وقبلية وغيرها". يضيف: "بالتالي، لا يمكن للمرء أن يولد في بيئة مماثلة وهو خالٍ من الانفعال والعدوانية. المرء انعكاس لبيئته بكل ما فيها من سلبيات وإيجابيات".
أمّا قصي الجسام وهو موظف حكومي، فيقول إنّ "ما نراه اليوم لدى الفرد العراقي، ما هو سوى انعكاس طبيعي للواقع المأساوي والمؤلم الذي يعيشه كسيناريو يومي. تفجيرات، وانتهاكات لحقوق الإنسان، وعبث بأمن المواطن من دون رادع، وغلاء معيشة، وتدمير للبنى التحتية، وازدحام في الشوارع... قد يكون الازدحام وحده كفيلاً بجعل المواطن العراقي لا سيّما الشاب أكثر عدوانية وغضباً. يُضاف إلى كلّ ذلك الفساد المستشري في كلّ مفاصل الدولة ومؤسساتها، وحجم المسؤوليات الملقاة على عاتق المرء في أوّل شبابه نتيجة فقدان المعيل، وصعوبة تأمين عمل". ويسأل: "أليس ذلك كافياً لإرهاق الأعصاب"؟
إلى هؤلاء، يعيد معاذ حمدي وهو طالب دراسات عليا مزاج الشباب العراقي العصبي إلى "عوامل أساسية ومؤثرة، أبرزها افتقار الشاب العراقي إلى الثقافة عموماً، وكذلك إلى الطموح والأهداف. فكثر هم الشباب الذين لا يسعون إلى هدف معيّن". يضيف: "بالتالي، نرى هؤلاء سريعي الانفعال نتيجة الفراغ الذي يعيشونه ويشعرون به، وكذلك نتيجة ابتعادهم عن مفاهيم دينهم".
العدوانية والغضب والمزاج العصبي، لا تلاحظ فقط بين الشباب وإنّما بين مختلف الفئات، بحسب ما يشير الصحافي عقيل صلاح. ويقول إنّ "ذلك الأمر بدّل سلوكيات الناس جميعاً، بمن فيهم أرباب العوائل من آباء وأمهات وأولياء أمور. وقد لعبت عوامل الحرب والانفلات الأمني وتدهور الأوضاع السياسية في البلاد، دورها في ذلك". ويتحدّث عن "الاضطراب الذي يسجّل في القيادة العليا، أي رأس هرم الدولة. فينعكس بالتأكيد على المجتمع بأكمله". لكنّه يلفت إلى أنّ "الأمر يتفاوت بين الشباب الميسورين وبين الأقلّ حظوة. فالتأثيرات التي ترهق الشباب الذين يعانون من البطالة وهؤلاء النازحين وكذلك المشرّدين، تأتي أخفّ وطأة على الميسورين". يضيف صلاح أنّ "حصول شاب ما على شهادة من دون أن يجد لنفسه مكاناً في منصب محترم، لا بل اضطراره إلى العمل في الشارع من أجل سدّ رمق أسرته التي تشكو من الجوع، أمر صعب جداً. وهو يؤدّي إلى جانب الأسباب الأخرى، إلى تفشّي المزاج العصبي وعدم اتزان السلوك في المجتمع. وهذا ما يجعلنا نخشى أبناءنا ونتجنّب أيّ حديث معهم بنبرة عالية، إذ إنّهم أشبه ببركان على وشك الانفجار". وهذا ما تؤكّده سارة ناظم وهي ربّة منزل، قائلة: "لم يعد الأب ولا الأم قادرَين على التحدّث مع أبنائهما. وهذا أمر يؤثّر سلباً على حياتنا اليومية في بيوتنا".
اقــرأ أيضاً
من جهته، يقول عبدالله جدوع الجنابي وهو خرّيج كليّة الآداب، إنّ "الغضب يسود سلوكيات الشباب منذ نحو 14 عاماً بطريقة لافتة واضحة. ويأتي ذلك مرتكزاً على شعور بالفشل وخيبة الأمل، إذ يدرك الشاب أنّ ثمّة عقبات تحول دون إشباع ما يسعى إلى إشباعه من حاجات ودون بلوغه أهدافه". ويشير إلى "مشاعر سلبية تنتاب الشاب نتيجة العقبات أو عملية الإرجاء، من قبيل الضيق والتوتّر والقلق وخيبة الأمل والإحباط. وهذه كلّها تؤدّي إلى العدوانية". يضيف أنّ "العدوانية التي تأتي في إطار الغضب الانفعالي، كثيراً ما يعيدها المختصون إلى الإحباط. والشعور بالإحباط قد يكون أكثر إيلاماً وأشدّ وطأة على الشباب من حالات أخرى". ويتحدّث الجنابي من جهة أخرى عن "الاعتقال الذي قد يتعرّض له الشباب، بذنب أو بغير ذنب، وما يرافق ذلك من ممارسات وتعذيب تكون آثارها النفسية وخيمة".
في السياق، يقول الباحث أحمد نبيل الأغا إنّ "للبيئة من دون شكّ أثراً كبيراً على مزاج الفرد وأقواله وأفعاله وكلّ تصرفاته. فالبيئة هي التي تشكّل شخصية الإنسان بالتعاون مع الأسرة. وإذا نظرنا إلى بيئة العراق، فإنّنا نجد فيها كلّ دواعي العدوانية والمزاج العصبي، من توتّر وخوف وظلم ودم وموت، بالإضافة إلى كل أنواع العصبيات من مذهبية وقومية وقبلية وغيرها". يضيف: "بالتالي، لا يمكن للمرء أن يولد في بيئة مماثلة وهو خالٍ من الانفعال والعدوانية. المرء انعكاس لبيئته بكل ما فيها من سلبيات وإيجابيات".
أمّا قصي الجسام وهو موظف حكومي، فيقول إنّ "ما نراه اليوم لدى الفرد العراقي، ما هو سوى انعكاس طبيعي للواقع المأساوي والمؤلم الذي يعيشه كسيناريو يومي. تفجيرات، وانتهاكات لحقوق الإنسان، وعبث بأمن المواطن من دون رادع، وغلاء معيشة، وتدمير للبنى التحتية، وازدحام في الشوارع... قد يكون الازدحام وحده كفيلاً بجعل المواطن العراقي لا سيّما الشاب أكثر عدوانية وغضباً. يُضاف إلى كلّ ذلك الفساد المستشري في كلّ مفاصل الدولة ومؤسساتها، وحجم المسؤوليات الملقاة على عاتق المرء في أوّل شبابه نتيجة فقدان المعيل، وصعوبة تأمين عمل". ويسأل: "أليس ذلك كافياً لإرهاق الأعصاب"؟
إلى هؤلاء، يعيد معاذ حمدي وهو طالب دراسات عليا مزاج الشباب العراقي العصبي إلى "عوامل أساسية ومؤثرة، أبرزها افتقار الشاب العراقي إلى الثقافة عموماً، وكذلك إلى الطموح والأهداف. فكثر هم الشباب الذين لا يسعون إلى هدف معيّن". يضيف: "بالتالي، نرى هؤلاء سريعي الانفعال نتيجة الفراغ الذي يعيشونه ويشعرون به، وكذلك نتيجة ابتعادهم عن مفاهيم دينهم".
العدوانية والغضب والمزاج العصبي، لا تلاحظ فقط بين الشباب وإنّما بين مختلف الفئات، بحسب ما يشير الصحافي عقيل صلاح. ويقول إنّ "ذلك الأمر بدّل سلوكيات الناس جميعاً، بمن فيهم أرباب العوائل من آباء وأمهات وأولياء أمور. وقد لعبت عوامل الحرب والانفلات الأمني وتدهور الأوضاع السياسية في البلاد، دورها في ذلك". ويتحدّث عن "الاضطراب الذي يسجّل في القيادة العليا، أي رأس هرم الدولة. فينعكس بالتأكيد على المجتمع بأكمله". لكنّه يلفت إلى أنّ "الأمر يتفاوت بين الشباب الميسورين وبين الأقلّ حظوة. فالتأثيرات التي ترهق الشباب الذين يعانون من البطالة وهؤلاء النازحين وكذلك المشرّدين، تأتي أخفّ وطأة على الميسورين". يضيف صلاح أنّ "حصول شاب ما على شهادة من دون أن يجد لنفسه مكاناً في منصب محترم، لا بل اضطراره إلى العمل في الشارع من أجل سدّ رمق أسرته التي تشكو من الجوع، أمر صعب جداً. وهو يؤدّي إلى جانب الأسباب الأخرى، إلى تفشّي المزاج العصبي وعدم اتزان السلوك في المجتمع. وهذا ما يجعلنا نخشى أبناءنا ونتجنّب أيّ حديث معهم بنبرة عالية، إذ إنّهم أشبه ببركان على وشك الانفجار". وهذا ما تؤكّده سارة ناظم وهي ربّة منزل، قائلة: "لم يعد الأب ولا الأم قادرَين على التحدّث مع أبنائهما. وهذا أمر يؤثّر سلباً على حياتنا اليومية في بيوتنا".