الرصيف في العراق هو بحسب وصف بائع فاكهة شاب "وزارة الشعب"، ويزيد بأن "الرصيف هو الحكومة الرؤوم بالعراقيين"، ذلك ما يفسر استغلال الأعداد الهائلة من الباعة وأصحاب المهن للأرصفة في شوارع العراق.
فالشاب فارس خليفة لم يجد فرصة عمل في الوزارات الحكومية، على الرغم من نيله شهادة جامعية في إدارة الأعمال. ويقول خليفة ساخراً "وزارة الرصيف هي الوحيدة بين الوزارات العراقية التي تفتح باب التعيين للخريجين الشباب بكل تخصصاتهم".
إنه واحد من أعداد كبيرة من الشباب الخريجين الذين لا يجدون فرص عمل، في حين تبرر الوزارات الحكومية ذلك بعدم وجود درجات وظيفية كافية لتعيين جميع الخريجين.
وفي الوقت الذي يبحث الشباب فيه عن وظائف حكومية تقيهم شظف العيش، وتساعدهم في بناء مستقبلهم، يتحصنون في الكبر بمرتباتها التقاعدية، يرى مختصون أن الحل الأمثل يكون في دعم القطاع الخاص.
ووفق الخبير الاقتصادي عبد الخالق الحيالي، فإن "سوء التخطيط والتخبط في إدارة مؤسسات الدولة، والفساد المستشري داخل الحكومة يقف حاجزاً أمام كل خطط التنمية المقدمة أصلاً من قبل مختصين للقضاء على البطالة".
وأوضح الحيالي لـ"العربي الجديد" أن "دعم القطاع الخاص يساهم في دعم الاقتصاد الوطني، وسد احتياجات السوق المحلية، وتوفير فرص العمل، والقضاء على البطالة، وفوق ذلك يفتح الباب واسعاً أمام الطاقات الشابة للإبداع"، لافتاً إلى أن "سوء التخطيط يقتل مواهب وطاقات الشباب في مهدها في الوظائف الحكومية الروتينية على عكس القطاع الخاص".
لكن الرصيف، تأكيداً لما ذكره خليفة، يتيح المجال واسعاً أمام الشباب لإظهار مواهبهم. إذ نجح حسن رياض، في استغلال موهبته في الأداء المسرحي، وراح يلفت إليه الانتباه، فيضطر بعضهم إلى شراء هدايا الأطفال التي يعرضها على عربته، مستغلاً أحد أرصفة شارع فلسطين التجاري.
رياض يحمل شهادة من قسم المسرح في كلية الفنون الجميلة، هو بارع في التمثيل، ويشارك أحياناً في عروض مسرحية تطوعية للترويح عن الأطفال المرضى، وتارة للترفيه عن الأيتام، وأخرى للأطفال النازحين، برفقة أصدقائه الفنانين الشباب.
وعلى الرغم من طموحه في تكوين فرقة مسرحية يحقّق من خلالها أحلامه، يضطر بحسب قوله إلى مواجهة "الحياة الصعبة، فأساعد والدي في إدارة شؤون أسرتنا".
ويقول لـ"العربي الجديد" إنه كان يأمل في أن يجد وظيفة حكومية يستغل فيها موهبته وخبرته في التمثيل، فهو يرى أن "وزارة التربية معنية بتعليم المسرح في المدارس، من المهم جداً استغلال المسرح في توعية الأجيال، لكن هذا ليس متاحاً في بلدنا للأسف".
رياض يجد متعة في عمله ببيع هدايا الأطفال على الرصيف، فهو ينادي بجمل موزونة منغمة والابتسامة تعلو وجهه، مرحباً بالمارة بصوته الأجش، مردداً أسماء اعتاد العراقيون أن ينادوا بها أطفالهم بتحبب، وهو يقول "هدية لحمودي، لا تزعل عبودي"، "تعالي حجية فرحي نونة شوية"، "تعال يا حجي لا تخلي سوسو تبجي".
للرصيف عند حسين البدري تقدير خاص، فكل صباح عند قدومه ومغادرته قبل غروب الشمس يطبع البدري قبلة على الرصيف، والذي يضع عليه بضاعته من الملابس.
فالأمتار الثلاثة من رصيف شارع الرشيد وسط بغداد، والتي استغلها البدري منذ أكثر من خمسة عشر عاماً في بيع الملابس الرجالية، ساعدته في توفير معيشة جيدة لأسرته المكونة من سبعة أفراد، لذلك هو أحب هذا الرصيف، ويراه صديقاً وفياً.
ما يسعده أيضاً أن مدخوله اليومي من بيع الملابس على الرصيف كان السبب في دخول ولده البكر أحمد كلية الطب، وابنته سارة كلية الصيدلة، وهما الآن على أبواب التخرج.
وقال لـ"العربي الجديد" إن سعادته لا توصف، فولده وابنته أقسما له أن يجزياه تعب السنين التي قضاها وهو يعمل على الرصيف، مضيفاً "إنهم يحبون الرصيف أيضاً، يعتبرونه صاحب فضل كبير، بل هم يحدثون أصدقاءهم عن الرصيف وعملي عليه بفخر كبير".
يشار إلى أن اللجنة المالية في مجلس النواب العراقي أكدت، في تصريح سابق خلال يناير/كانون الثاني الجاري، ارتفاع معدلات الفقر في البلاد لتصل إلى رقم غير مسبوق بنسبة 35 في المائة.