عراقيون "صامدون" في الخيام

27 ابريل 2019
في أحد مخيمات النزوح (سافين حميد/ فرانس برس)
+ الخط -

بعد نحو عامَين على تحرير كل الأراضي العراقية من سيطرة تنظيم "داعش"، في شمال البلاد وغربها، ما زالت مخيمات النازحين قائمة وتؤوي آلاف الأسر العراقية. وتلك الأسر تعاني في ظلّ تراجع الدعم المقدّم لها من قبل المنظمات المحلية والدولية على حدّ سواء، في خلال الأشهر الماضية، الأمر الذي جعل عراقيين كثيرين تحت رحمة الأمراض وسوء التغذية. وملفّ النزوح في العراق تحوّل إلى مصدر ماليّ مهمّ للمعنيّين بهذا الشأن، ويُدرج في سياق الفساد الذي ينتشر في البلاد. ويشير ناشطون إلى أنّ مبالغ مالية كبيرة تُخصص للنازحين، غير أنّها تتبخر من دون أن يتلقوا أيّ شيء منها.

تفيد البيانات الأخيرة لمنظمة الهجرة الدولية في العراق بأنّ أكثر من ستة ملايين عراقي نزحوا منذ اندلاع الصراع مع "داعش" في عام 2014، واليوم لم يعد أكثر من 1.7 مليون عراقي إلى بيوتهم. وتشير إلى أنّ 41 في المائة من إجمالي عدد النازحين موجودون في محافظاتهم، إنّما في مخيمات للنازحين، كما هي الحال في محافظتَي الأنبار ونينوى. لكنّ عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الرقم المسجّل لدى وزارة الهجرة والمهجرين العراقية لعديد النازحين الذين لم يرجعوا إلى مناطقهم الأصلية هو نحو مليون و400 ألف نازح، ويشمل كل المحافظات العراقية التي وقعت تحت احتلال داعش". يضيف أنّ "أهالي الساحل الأيمن في الموصل، على سبيل المثال، غير قادرين على العودة في ظلّ دمار مدينتهم بالكامل، بفعل العمليات الحربية بين القوات العراقية والإرهابية".

ويشير الغراوي إلى أنّ "المناطق العراقية التي لم يُسمح لأهلها النازحين بالعودة إليها، تعاني المشكلات نفسها، منها ما هو مرتبط بمخلفات الحرب الأخيرة مع داعش. كذلك فإنّه من الصعب عودة النازحين مع غياب الموارد الاقتصادية، خصوصاً أنّ الحكومة لم تصرف أيّ تعويضات لمصلحة الذين ما زالوا في المخيمات. تُضاف إلى ذلك مشكلة التعايش السلمي، لا سيّما في مناطق صلاح الدين وديالى وبابل وكركوك، علماً أنّ ذريعة الخطر الأمني على العراقيين النازحين في حال عادوا إلى مناطقهم غير مقنعة".




في السياق، تؤكد مصادر محلية في محافظة نينوى لـ"العربي الجديد" أنّ "قرى المحافظة تتعرض إلى تغيّرات ديموغرافية خطيرة، ويُزال عدد كبير من القرى مع منع عودة سكانها النازحين". وتبيّن المصادر نفسها أنّ "تلك التغيّرات سُجّلت في أقضية ونواح بنينوى كانت متعددة الأعراق والطوائف، فصارت محصورة بفئة واحدة فقط، في حين أضيفت طوائف أخرى إلى مناطق جغرافية أخرى. ومن شأن هذا الأمر أن يتسبب في مشكلات اجتماعية في أرجاء كثيرة من نينوى".

من جهتها، تقول عضو "ائتلاف الوطنية" جميلة العبيدي لـ"العربي الجديد" إنّ "النازحين يتذرّعون بنقص الخدمات، لا سيّما عدم توفّر الكهرباء والمستشفيات والمدراس"، موضحة أنّ "الأطفال في تلك المناطق حرموا من حقّ التعليم على مدى ثلاثة أعوام والأهالي لا يريدون أن يُحرَم أبناؤهم من التعليم بعد عودتهم إلى ديارهم". تضيف أنّ "ملف عدم عودة النازحين إلى ديارهم يرتبط كذلك بالإرادة السياسية". وتشير العبيدي إلى أنّ "مناطق وقرى قريبة من مخيّم الخازر في محافظة نينوى محرّرة وآمنة، وأن شاغلي المخيّم بمعظمهم يعرفون أنّ مناطقهم التي لا تبعد عنهم إلا خمسة كيلومترات محررة وجاهزة لاستقبالهم، إلا أنّ السلطات الكردية تمنع ذلك". وتتابع أنّ "أطرافاً أخرى في بغداد، تحديداً المستفيدة من الأموال التي تخصصها الحكومة لدعم النازحين، لا تريد للنازحين أن يعودوا إلى ديارهم. عودتهم تعني انقطاع وصول تلك الأموال، وهذا الأمر ليس في مصلحتهم".



أمّا عضو مجلس محافظة نينوى، أضحوي الصعيب، فيتحدّث لـ"العربي الجديد" عن "جهات تُشرف على دعم النازحين تستفيد من بقاء الوضع على حاله مع استمرار معاناة النازحين، وذلك من أجل بقائها مستفيدة من توزيع الأغذية والمحروقات، الأمر الذي يُصنّف في خانة الفساد". ويوضح الصعيب أنّ "أموال سنة واحدة من تلك التي سرقها بعض الفاسدين تكفي لإعمار المناطق المحررة في الموصل وتوصيل الخدمات من ماء وكهرباء ثمّ السماح للنازحين بالعودة إلى ديارهم، لا سيّما أنّ المشكلات الأمنية انتهت في المحافظة التي تُعَدّ اليوم مستقرة لكنّها في حاجة إلى الخدمات".