عدو المرأة

07 مارس 2018

(محمد نصر الله)

+ الخط -
توسّلت للقابلة كثيراً، لكي لا تخبر ابنتها أنها وضعت أنثى، بعد مخاض عسير، وكأن هذه الثمرة لا تساوى ما لاقته ابنتها الشابة من مشقةٍ وألمٍ طوال أشهر حملها حتى ولادتها، لكن القابلة لم تفلح في إخفاء كذبها على الابنة التي بكت بحرقة، لأن زوجها وأهله ينتظرون أن تنجب لهم مولوداً ذكرا. وبناء على نصيحة أمها، استمرت في الإنجاب كل عام، عسى أن يكون المولود القادم أنثى، حتى نال منها المرض والوهن، واستأصل رحمها، وتزوج زوجها بأخرى، لتأتي له بالولد  الذي حثتها أمها على إنجابه.
تعمل موظفة، وتقضي نصف نهارها في العمل المكتبي المنهك، وتعود على البيت لتقوم بأعمال أخرى، ليست أقل إنهاكاً، وقرّرت مع زوجها أن يكتفيا بطفلين فقط، لكن أم زوجها تلح، وأمها تصر بأن عز المرأة في عدد أولادها، وليس بشهادتها ومنصبها، ولا حتى مكانتها في قلب زوجها التي لن تزيد إلا بزيادة عدد الأولاد، فدخلت في سباقٍ محموم مع العمر، لكي تنجب أكبر عدد من الأولاد، قبل أن تتجاوز سن الحمل. والنتيجة أنها تدور في دوامةٍ لا تنتهي، فهي تقوم بكل الأدوار في آن واحد، ولا أحد يساعدها، بل يلومها لو قصّرت، خصوصا أمها وحماتها، لو لمحت إحداهن زراً ناقصاً في قميص الزوج أو الابن.
لم تبلغ السادسة عشرة من عمرها، حين أخبرها من حولها أنها ستصبح زوجةً لرجل ثري في عمر أبيها، لكنها ستعيش في رغدٍ من العيش لم تخبره، وهمست لها أمها أنها سوف تكون الزوجة المدللة، لصغر سنها، فاكتشفت أنها ستكون زوجة ثانية. وهمست لها أيضاً أن عليها أن تطيعه، حين يطلب منها أن تباعد بين فخذيها، عندما يغلق عليهما باب غرفة نومهما. وهكذا ظلت زوجة مطيعة، حتى وهو يعذبها في غرفة النوم، ويلقي بعروستها ذات الضفائر، في ركن قصي من الغرفة، فتتشبث أصابعها في الفراغ، فيما يمارس وحشيته مع جسدها، ولا تعترض، فهي تنفذ وصية أمها أن تبقى زوجة مطيعة.
ليس هناك جدوى من الشهادة الجامعية، وغيرها الآلاف من الخريجين العاطلين.. هكذا كرّر والداها على مسامعها، وإن عليها أن تترك الجامعة، لكي تعمل وتساعد والدها في إعالة الأسرة. وحين خرجت للعمل، نهشتها الذئاب، فطلبت أمها منها ألا تخبر أباها بما تتعرّض له، واستمرت بالعمل، وأمها تسلم راتبها الصغير للأب في نهاية كل شهر، وهي ترجو رضاه، ولا أحد يسأل لم لا يتقدم أحدٌ لخطبة هذه الفتاة التي يلحق باسمها عبارة "بنت سيئة السمعة".
شعرت زميلاتها بالغيرة من تفوقها في عملها، وكانت الموظفة الأكثر نشاطا، و المدير يشيد بكفاءتها، فكدن لها عند زوجته، وكما يحدث في الأفلام العربية المكرّرة الحبكة، فقد طردها المدير آسفاً، إرضاء لزوجته، ولم تحصل على عمل آخر، حين انتشر سبب طردها من عملها في كل مؤسسةٍ، تقدمت للعمل فيها، فنال منها الاكتئاب، وهي تعاني من البطالة في بيتها، فيما احتلت زميلة أخرى مكانها، ومارست الدور المتوقع لأمثالها، وهو إغراء المدير لحسابها، وحساب زميلاتها الواشيات الغيورات.
لأنها أرملة، ولديها أربع بنات، قرّرت أن تختصر الطريق، فكلما بلغت إحداهن مبلغ النساء، فهي توافق على تزويجها من أول خاطب، فالأم لا تستطيع أن تنفق على تعليم البنت، حتى مرحلة متقدمة، والخطّاب يدقون باب الأرملة، لخطبة بناتها أسرع مما يفعلون مع البنات اللواتي يعشن بين والدين. والسبب أن الأرملة لن تكون متشدّدة في مواصفات الخاطب، ولن تطالب بتكاليف باهظة. هذا ما جرت عليه العادة. ولذلك، لا عجب أن الأرملة أصبحت تعيش مع اثنتين من بناتها اللواتي حملن لقب "مطلقة"، بعد أقل من سنة من الزواج.
حتى اللحظة، لا تدري لمَ تجوب بها أمها أزقة الحي، وتلبسها ثوبها الجديد، وتحشو حمالة صدرها بالقطن، ليبدو ناهداً للأعين، لا تدري أنها مشروع ضحية قادمة.
دلالات
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.