انتقلت عدوى الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل في لبنان إلى الخصمين المسيحيين، القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع والتيار الوطني الحر برئاسة النائب ميشال عون. حلّت البركة الحوارية على الرجلين فكانت أولى تجلّياتها سحب الدعاوى القضائية المقدمة من كل طرف بحق صحافيي ووسائل إعلام الطرف الآخر. وهي بمجملها دعاوى قدح وذم وتشهير، أي الشتم والاتهام بالخيانة والعمالة. تضع الدائرة الإعلامية في القوات هذه الخطوة في إطار "قرار اتخذه جعجع بمناسبة الميلاد المجيد ورأس السنة بدأت الدائرة القانونية العمل على إسقاط الدعاوى". أي أنّ جعجع عايد اللبنانيين عموماً، والمسيحيين خصوصاً والعونيين منهم تحديداً، بهذا الشكل. أما لجنة الإعلام في التيار الوطني الحر، فكانت أكثر وضوحاً، إذ إشارت إلى أن الخطوة تندرج ضمن "دعم مساعي التوافق بين الطرفين". فصلت دقيقتان فقط عن صدور البيانين، بعد التنسيق المتواصل بين الطرفين عبر قناة النائب إبراهيم كنعان من جهة عون ورئيس جهاز التواصل والإعلام في القوات ملحم رياشي.
يجتمع كنعان ورياشي منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، ويضعان جدول أعمال للحوار المفترض بين الطرفين، الذي من المفترض أن يتوّج بلقاء ثنائي بين الزعيمين. دفعت خطوة إسقاط الدعاوى القضائية المتبادلة المتفائلين بإمكانية عقد المصالحة بين عون وجعجع إلى استعجال إتمامها وتحديد مواعيد قريبة للقاء. في حين تؤكد مصادر مطلعة على أجواء التواصل القائم بين الطرفين لـ"العربي الجديد" أنه "لم يتم تحديد أي موعد بين الزعيمين بعد"، إضافة إلى كون "كنعان ورياشي لم يتمما بعد الفرض المطلوب منهما، وهو وضع كل نقاط الاختلاف على طاولة النقاش بما فيها ملف رئاسة الجمهورية".
يقول النائب إبراهيم كنعان لـ"العربي الجديد"، إن "المساعي جدية والتفاؤل موجود وأحرزنا تقدماً في أكثر من ملف". وتشير مصادر التكتل إلى أنّ "ملف الرئاسة هو أول ما يتم مناقشته"، ما يناقض مع أجواء القوات التي تقول مصادرها إنّ الملف الرئاسي "سيكون نتيجة للحوار وليس سبباً لتواصل الطرفين". بما يعني ذلك أنّ بتّ هذا الملف أو مناقشته يتطلّب التفاهم على الكثير من الأمور والقضايا الخاصة بهذا الموقع وبالقرار المسيحي بما يراه عون وجعجع يصبّ في مصلحة المسيحيين وإعادة دورهم إلى أعلى هرم الجمهورية اللبنانية.
يضم جدول النقاش والحوار، بحسب ما تقول مصادر الطرفين، عناوين كثيرة إلى جانب الرئاسة، أبرزها "الحضور المسيحي في الدولة"، وقانون الانتخابات وتثبيت المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وفق ما ينص عليه الدستور اللبناني، إضافة إلى الإصلاحات الواردة في اتفاق الطائف (1989) والتي لم يتم تطبيقها حتى اليوم. أي اللامركزية الإدارية والإنماء المتوازن والإصلاح المالي.
بمعنى آخر، يناقش الطرفان تفصيلياً "الأمور القادرين على التأثير بها"، في حين يتطلب النقاش حول رئاسة الجمهورية إجماعاً داخلياً من حزب الله وتيار المستقبل، وخارجياً من السعودية وإيران ودولياً من الولايات المتحدة وفرنسا وسائر الدول المؤثرة في هذا الملف.
إضافة إلى كل هذه القضايا، يتم طرح مسألة "شرعية السلاح وحصره بيد الدولة اللبنانية وقرارها"، ما من شأنه التصويب على ورقة التفاهم السارية المفعول التي تجمع عون بحليفه حزب الله. التفاؤل موجود ويخيّم على مقرّي الزعيمين في الرابية ومعراب، إلا أنّ التجربة بين الرجلين تؤكد على وجوب انتظار البحث في التفاصيل، حيث يفرّقهما الشيطان منذ أكثر من عقدين.