عدن تحت رحمة الأحزمة الناسفة لتنظيم "داعش"...من المسؤول؟

20 نوفمبر 2017
تفجيرات عدن نتيجة غياب جهاز موحد للاستخبارات(نبيل حسان/فرانس برس)
+ الخط -

حالة غموض تكتنف المشهد الأمني في مدينة عدن اليمنية التي باتت تعرف بالعاصمة المؤقتة للبلاد، بعد عودة التنظيمات الإرهابية إلى تنفيذ تفجيرات دموية، إذ تبنى تنظيم "داعش" خلال أسبوع واحد فقط هجومَين كبيرين، استهدف الأول مقراً أمنياً مهماً يتبع قوات الأمن العام، والآخر استهدف مقراً تابعاً لقوات "الحزام الأمني"، المدعوم إماراتياً. وسقط في العمليتين الانتحاريتين أكثر من مئة قتيل وجريح.

وشكلت العمليات الإرهابية، التي جاءت بعد فترة هدوء في المدينة لأكثر من عام، صدمة بالنسبة إلى كثير ممن ظنوا أن الأمن في عدن حقق إنجازاً في ملف الإرهاب، في ظل تعقيدات وتناقضات المشاريع والأجندة السياسية الداخلية والإقليمية. لكن الأحزمة الناسفة والتفجيرات الدموية وضعت مدينة عدن المسالمة مجدداً تحت رحمة "داعش" وتنظيم "القاعدة"، في ظل استمرار التناحر بين الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للحكومة الشرعية والتشكيلات الأمنية الموازية الموالية للإمارات، في إطار صراع الهيمنة والسيطرة على المناطق الحيوية، كالصراع الذي نشب على المطار في فبراير/شباط الماضي، وعلى ميناء الزيت قبل أسابيع، فيما فشلت الأجهزة الأمنية المتعددة في إدارة الملف الأمني. وهذا الفشل يصب في صالح التنظيمات الإرهابية صاحبة النفوذ الأكبر في المدينة، بعد أن حققت هذه التنظيمات توسعاً كبيراً في عدن والمدن الجنوبية بفعل مشاركتها في الحرب، ضد الحوثيين وحلفائهم.

ويشكل وجود التنظيمات الإرهابية في المدينة حرجاً كبيراً للحكومة الشرعية والتحالف العربي، الذي تقوده السعودية والإمارات، فضلاً عن أن تصاعد العمليات الإرهابية في عدن وأبين عزز الصورة التي كونها المجتمع الدولي عن أن الحكومة الشرعية غير قادرة على القيام بدورها في إدارة المناطق المحررة، وجعل المجتمع الدولي، الذي لم يتراجع عن الاعتراف بشرعية حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، غير متحمس لمواصلة الشرعية للعمليات العسكرية ضد الحوثيين، معتقداً أن تحرير المزيد من المناطق معناه تسليم مساحات جديدة للجماعات المتطرفة أو للفوضى.

ويرى مراقبون، أن عودة العمليات الإرهابية في عدن على هذا النحو هو نتيجة غياب جهاز موحد للاستخبارات في مناطق الشرعية، إضافة إلى الصراع بين القوات المدعومة إماراتياً من جهة، وبين القوات التابعة للحكومة الشرعية من جهة أخرى، الأمر الذي أدى إلى استغلال الجماعات الإرهابية هذا الصراع لتنفيذ هجمات ضد الأجهزة الأمنية. كما يرى محللون وخبراء أن أطراف الصراع هي من تدعم أصلاً هذه التنظيمات، مادياً ولوجستياً، في إطار صراع الهيمنة والسيطرة والنفوذ. ويثير المحللون تساؤلات حول قدرة القوات العسكرية المدربة، والمدعومة إماراتياً، في تقليص تواجد الجماعات المسلحة من فصائل المقاومة الجنوبية المناهضة للإمارات في الجنوب، فيما تعجز هذه القوات، التي تملك أسلحة حديثة، عن إنهاء خطر الجماعات الإرهابية في عدن وأبين. وفي هذا السياق، يرى بعضهم أن لدول التحالف، وفي مقدمها الإمارات، مصلحة في إبقاء الوضع جنوبي اليمن في دوامة من العنف والفوضى، كذريعة لاستمرار وجودها العسكري في الجنوب، وإحكام سيطرتها على منافذ وجزر وثروات البلد. ويرى بعض المحللين، أن هناك أطرافاً في صف الشرعية لديها ارتباطات بجماعات متطرفة لجأت لتوظيفها بغرض إخضاع الإمارات للقبول بإنهاء حالة السيطرة والهيمنة التي تفرضها التشكيلات الأمنية والعسكرية التابعة لها في عدن، وتسليم الملف الأمني للأجهزة الأمنية الرسمية التابعة للحكومة.


وفي تداعيات تطورات المشهد الأمني في عدن، ارتفعت أصوات جنوبية لتحمّل القوات الأمنية، المدعومة من الإمارات، مسؤولية تردي الأوضاع الأمنية والفشل في إدارة المدينة أمنياً، وتطالبها بتسليم الملف الأمني للحكومة الشرعية، للقيام بدورها في حماية المدنيين وتحمل مسؤولية ذلك أمام مواطنيها. وكانت قيادة أمنية قد أعلنت قبل عام ونصف العام نجاحها في ضرب الأوكار الإرهابية في مدينة عدن، وتطهير عدة مناطق، أبرزها مديرية المنصورة التي تعد المنطقة الحاضنة للتنظيمات المتشددة، بدعم من الإمارات التي أنشأت قوات عسكرية مكونة من أكثر من 40 ألف جندي في الجنوب، بينهم أكثر من 10 آلاف جندي تم تدريبهم على مكافحة الإرهاب. لكن هذه القوات عجزت عن مواجهة العمليات الإرهابية التي ينفذها تنظيم "داعش"، ليس في العاصمة المؤقتة عدن فقط، وإنما في مناطق جنوبية أخرى من محافظة أبين التي تشهد بصورة شبه يومية عمليات إرهابية تستهدف مقرات تابعة لقوات "الحزام الأمني" الموالية للإمارات، على الرغم من إعلان قيادة عسكرية قبل أسابيع تطهير كامل محافظة أبين من عناصر التنظيم، فيما الواقع عكس ذلك، فالعمليات الإرهابية هناك تتصدر نشرات الأخبار.

وتتواصل العمليات الإرهابية في عدن وأبين وشبوة بوتيرة عالية، فيما يقتصر دور الجهات الأمنية التابعة للإمارات على التصريحات الصحافية لوسائل الإعلام. ويقول قائد اللواء الأول دعم وإسناد في قوات "الحزام الأمني"، العميد منير اليافعي (أبو اليمامة)، في تصريحات، إن قوات الدعم والإسناد ستعود بقوة لاستئناف عملها في عدن وستنفذ حملة أمنية باحترافية عالية بهدف تطهير العاصمة المؤقتة من الخلايا النائمة وكل من له صلة بحوادث الاغتيالات والتفجيرات التي عادت إلى عدن أخيراً. ويعتبر أن التساهل هو سبب عودة القوى الظلامية إلى الساحة لسفك الدماء.

الحكومة الشرعية كالعادة غير قادرة على القيام بشيء في هذا الملف، وكل محاولاتها تبقى مجرد وعود، مثل تلك التي أطلقها قبل يومين رئيس الوزراء اليمني، أحمد عبيد بن دغر، الذي وعد، بخطة أمنية شاملة لمدينة عدن. وتحدث بإشارات ضمنية عن وجود توجهات لدى حكومته لمعالجة الملف الأمني، مؤكداً أهمية "التكاتف والتنسيق لخوض معركة الأمن والاستقرار من دون سلطات متعددة". ‏ويعتبر بن دغر، في تغريدة على "تويتر"، أن الملف الأمني الداخلي هو بالأساس مهمة سيادية للحكومة الشرعية، مشدداً على "أهمية الدور السيادي لوزارة الداخلية وأجهزتها المختلفة". لكن مصادر أمنية في حكومة بن دغر أفادت بعدم وجود نية لدى الإماراتيين، حتى الآن، لتسليم الملف الأمني للحكومة. وقالت المصادر إنه بالوقت الذي ترتب الحكومة لخطة أمنية لوضع حد للتفجيرات الدموية وضبط إيقاع الملف الأمني في عدن للانتقال إلى معالجة الوضع الخدمي للمواطن "وجدنا أن قوات الحزام الأمني، المدعومة إماراتياً، وبرغم فشلها في فرض الأمن تخطط للتحرك على نفس الخط، بزعم حفظ الأمن من دون التنسيق مع الحكومة". وكشف عن وجود خطة أمنية لقوات "الحزام الأمني" لفرض سيطرتها الأمنية في عدن، تشمل التوسع أكثر في مناطق الشيخ عثمان ودار سعد والممدارة وحي عبد القوي والمنصورة وميناء الزيت والمطار ومواقع المعسكرات ومداخل المدينة. وأضافت المصادر، أن الخطة الأمنية التي تعدها قوات تابعة للإمارات تتضمن تسيير دوريات راجلة وفرق أمنية مجتمعية في المديريات والأحياء والشوارع، وكذلك حصر السكان والمباني والمنشآت ونصب نقاط تفتيش في تلك المناطق. كما تشمل الإجراءات الضغط على بقية الفصائل في المقاومة الجنوبية لتسليم الأسلحة المتوسطة والثقيلة ومنع حملها في الشوارع. ولفتت المصادر إلى أن هناك فصائل مسلحة في المقاومة قد ترفض تسليم أسلحتها لغير الدولة، وقد ترد على أي استفزازات تصدر من قوات عسكرية غير خاضعة للحكومة الشرعية بشكل مباشر، تحت مبرر حماية النفس.