عجز في مستشفيات ليبيا

31 مايو 2018
هل ينقذ المتوفّر وضعه الحرج؟ (محمد تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

"اشتريتُ كل مستلزمات عملية ولادة ابنتي الموجودة في المركز الطبي بالعاصمة طرابلس، بما في ذلك القفازات". هذا ما تقوله أم زهرة، مضيفة أنّ "تجهيز مستلزمات العلاج أمر طبيعي في ليبيا، وقد تعوّدنا عليه. وثمّة محال متخصصة في توفير ذلك أمام كل مستشفى، وقد اشتريتُ منها حقناً مسكّنة وأدوية خاصة لوقف النزيف وسيولة الدم، مثلما كتب لي الطبيب في وصفة". وتؤكد أم زهرة أنّه "على الرغم من ذلك، فإنّ ما طُلب منّي أقلّ كلفة بكثير من الذهاب إلى العيادات الخاصة حيث يتوفّر كلّ شيء. نحن مضطرون إلى ذلك وما من حلّ".

حالة أمّ زهرة تعكس معاناة إضافية تُثقل كاهل المواطن الليبي، في ظلّ تزايد أزماته المعيشية إلى جانب الأزمات الأخرى، منها الأمنية. فمستشفيات البلاد إمّا أبوابها موصدة وإمّا تعاني من نقص كبير في كوادرها ومعدّاتها. والوضع في المركز الطبي في طرابلس ليس أفضل ممّا هو وضع المركز في بنغازي أو المركز في سبها. فالأخير أقفل أبوابه كلياً، أمّا في بنغازي فيقتصر على علاج جرحى عناصر المليشيات والمجموعات المسلحة في المدينة.

تفيد منظمة الصحة العالمية بأنّ أربعة مستشفيات فقط من بين نحو 95 مستشفى تعمل، وبقدرة تراوح بين 75 في المائة و85 في المائة. وفي المسح نفسه الذي أعدّته المنظمة، تبيّن أنّ 45 في المائة من المستشفيات جرى إغلاقها، بينما تعمل 40 في المائة بنصف طاقتها. وأشارت المنظمة إلى أنّ الحرب والفوضى الأمنية تُعدّان سبباً مباشراً في الأزمة الصحية.


من جهته، يخبر عامر الذي ينتظر دوره أمام عيادة الأسنان في المستشفى المركزي في طرابلس، أنّه اشترى لوازم علاج أسنانه بسبب خوفه من عدم تعقيم معدّات المستشفى بالطريقة المطلوبة. ويقول عامر إنّه "باستثناء الكرسي الخاص بعلاج الأسنان، لا تحوي العيادة شيئاً. فكيف أثق بتعقيم الأدوات؟".

في السياق، يقول الطبيب في قسم الباطنة في المركز الطبي في طرابلس، الدكتور عامر السيناوني، إنّ "نقص المعدات والتجهيزات لدينا يصل إلى نسبة 70 في المائة، والطبيب يعاني منه قبل المريض". يضيف أنّ "جهاز الإمداد الطبي توقّف عن تزويد المستشفى بالأدوية والمعدات اللازمة منذ نحو عام"، موضحاً أنّ "الإمداد كان يصل بطريقة متقطعة قبل أن يتوقف قبل نحو عام. والنقص الكبير اليوم يعود إلى تناقص ما يتوفّر في مخازن المركز، وقريباً سوف تتوقف الأقسام تباعاً بسبب عدم قدرتها على استقبال المرضى". ويتابع السيناوني: "نشعر بحرج كبير عندما نضع قائمة بمستلزمات عمليّة ما ومن ضمنها القفازات ونسلّمها لمريض. لكن، لا خيار آخر".

على الرغم من الخدمات المتدنية، فإنّ زائر المركز يلاحظ الازدحام الحاصل نظراً إلى عدم توفّر البدائل للمواطن. وأمام الأقسام في أبراج المركز الأربعة، يقف المواطنون في انتظار أن يحين دورهم لمقابلة الأطباء، معظمهم يحمل معه كيساً يحوي مستلزمات علاجه.



يرى عبد القادر حمزة، وهو مسؤول في إدارة دعم المراكز الصحية في وزارة الصحة التابعة لحكومة الوفاق، أنّ "واقع المستشفيات في البلاد جزء من الفساد المستشري"، مضيفاً أنّ "مجموعات متنفّذة هي التي تعرقل حركة جهاز الإمداد وتسرق المعدات والأدوية قبل وصولها، حتى يضطر المواطن إلى اللجوء للعيادات الخاصة". ويكشف حمزة عن "تسييل البنك المركزي 4.8 مليارات دينار ليبي (نحو 3.5 ملايين دولار أميركي) لحصة وزارة الصحة من ميزانية الحكومة للعام الماضي"، مؤكداً أنّ "معظمها خُصّص لتغطية واردات طبية من دواء ومعدات لمصلحة شركات خاصة".

ويتابع حمزة أنّ "تقارير المحاسبة الأخيرة كشفت أنّها تورّد لمصلحة الوزارة، ومن المفترض أن تصل عبر الإمداد الطبي إلى المستشفيات، لكنّها في الحقيقة صبّت في السوق السوداء أو في العيادات الخاصة عبر المتنفذين". ويشير حمزة إلى "وجود 13 ألف ترخيص منحتها وزارة الصحة لمزاولة الأنشطة الخدمية الطبية، لكن 300 ترخيص فقط معمول بها. وما تبقّى هو تراخيص لعيادات وهمية أنشئت من أجل الاعتمادات لتوريد إمداد طبي للدولة، لكنّه يذهب إلى السوق. ويؤكد أنّ "انهيار أوضاع المستشفيات متعمّد لمصلحة العيادات الخاصة، ولا علاقة له بأزمات الحرب والأمن".

في مناطق بعيدة عن طرابلس، حيث تتوفّر جهود اجتماعية نجحت في تعويض غياب الدولة، قرّر مستشفى زليتن المركزي (شرقي طرابلس)، وفق قرار مجلس القبائل، فرض مبلغ رمزي يدفعه زائر المستشفى للجنة الخاصة بركن السيارات عند مدخل المستشفى، لتنتهي المبالغ المجمّعة يومياً إلى القسم المالي فيشتري بها مستلزمات. وكان قرار قد صدر عن الحكومة يقضي بوقف ما سمته تمويلاً ذاتياً للمستشفيات، إلا أنّ القرى والأرياف بمعظمها لم تمتثل لذلك، تلافياً لتوقّف مراكزها الصحية بسبب توقّف الإمداد الطبي الوارد من السلطات إليها.


إلى ذلك، يقول محمد العريف، وهو ناشط اجتماعي من مصراته، إنّ "أوضاع القرى والمدن البعيدة تختلف نسبياً عن المدن الكبيرة. هنا فرضنا اجتماعياً على الأطباء ورديّات عمل تطوّعي خارج الدوام، وبعضهم لا يعمل في المستشفيات في الأساس، لتعويض نقص الكوادر". يضيف العريف: "عوّضنا نواقص كثيرة. مثلاً، جرى حفر بئر كبيرة في مستشفى الكلى لتشغيل الأجهزة التي انقطعت عنها مياه البلدية. بالتالي، ما زال المستشفى يعمل، وهو الوحيد في كل منطقة الوسط". ويتابع أنّ "جهود الأهالي نجحت في صيانة بعض الأقسام المهمة وتزويدها بأسرّة جديدة".