عبودية الأطفال الأفغان... آباء يبيعون بناتهم لتوفير القوت للعائلات

05 مايو 2019
طفلة أفغانية عمرها 11 عاماً في إحدى دور الأمان(Getty)
+ الخط -
حصل الأفغاني محمد عمر خان على مبلغ 500 ألف أفغانية (توازي 6500 دولار أميركي) في مارس/ آذار 2018، في مقابل تزويج ابنته بلقيس ذات الأربعة عشر ربيعاً من رجل يكبرها بثلاثين عاماً، بعدما احترق كل ما يملكه من الأخشاب التي كانت توفر لأسرته دخلاً كافياً للحياة في مخيم النزوح الداخلي في منطقة "كمبني" بضواحي كابول.

وستبقى بلقيس مع والدها الذي نزح من إقليم هلمند جنوبي أفغانستان في عام 2011 لمدة عام كامل وفقاً للعقد المبرم بين الطرفين، والذي نص على حصول الوالد على المال نقداً قبل إتمام الزواج، وبالرغم من ذلك رفض الأب وعلامات عدم الارتياح تبدو على وجهه وصف ما حدث بالبيع قائلاً: "لم أبع ابنتي، وإنما زوجتها"، لكن المأذون الشرعي في مدينة جلال أباد، المولوي شفيق الله، يرفض ما ذكره خان قائلاً لـ"العربي الجديد" "صحيح أن عقد النكاح موجود على كل حال، ولكن ما جرى عملية بيع، لأن الهدف، هو الحصول على المال، إذ تجرى عملية مساومة على السعر ويظل العقد معلقاً على اتفاق بين الطرفين على الثمن، أي أن عقد النكاح صار تابعاً للاتفاق على الصفقة وليس سابقاً لها"، وهو ما يتفق معه نصر الله خان أحد زعماء قبائل باركزاي الذي شهد على صفقات من هذا النوع، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن: "الظاهرة متفشية لأسباب كثيرة، أهمها بعض الأعراف الخاطئة والنزوح والفقر".


تفاقم الظاهرة

بيع آباء من البدو بناتهم في مقابل الحصول على المال من الأثرياء من أجل العيش وقضاء الديون، بعدما لحقت بهم خسائر كبيرة بسبب الجفاف الحاد في إقليم بادغيس الواقع شمال غربي البلاد، وفق ما وثّقه في يناير/ كانون الثاني الماضي، أستاذ الفقه والقانون في كلية الشريعة بجامعة سلام الدكتور عبد المالك ثاقب، والذي قال لـ"العربي الجديد"، :"رصدت حالة طفلة في الثانية عشرة من عمرها، باعها أبوها مقابل 400 ألف أفغانية (5200 دولار أميركي)، وأضاف بتأثر شديد: "الأب ألبس ابنته ثياباً جديدة ثم سلمها مع بعض من ذويه لرجل متزوج يكبرها بكثير، بينما تبكي وتصرخ، من دون مجيب".

ويزداد الوضع سوءاً في الأقاليم الشرقية وتحديداً في بعض المديريات المتاخمة للحدود الباكستانية حيث الفقر المتجذر، إذ تجرى بمشاركة ومباركة من بعض زعماء القبائل، وفق ما قاله عبد التواب ولي خان أحد زعماء قبائل شينواري في منطقة كوت بإقليم ننجرهار شرقي البلاد، لكنه يرى أن الظاهرة كانت مستشرية في السابق، ومنذ عامين شهدت تحسناً، غير أنها لم ولن تنتهي كما يقول، وهو ما يرفضه ناشطو المجتمع المدني الأفغاني الذين يؤكدون على وجود زيادة واضحة في بيع الفتيات باسم الزواج.

اللافت أن الفتاة التي يتم بيعها (تزويجها) بتلك الطريقة تفقد حريتها حتى بعد أن تصبح أرملة، إذ تنتقل إلى ملكية الصهر والذي يحق له أن يبقيها في البيت، أو يبيعها أو يزوجها من شاء، كما لا يسمح لأهلها أن يتحدثوا بهذا الشأن بحسب عرف مجتمعي في بعض مناطق أفغانستان، وفق ما وثقه معدّ التحقيق مع عشرة من سكان مديرية شينواري، ومنهم محمد معاذ، الذي روى قصة أرملة كانت تعيش بجوار منزله، زوّجت ابنها قبل ثمانية أعوام بفتاة مقابل دفع 350 ألف روبية باكستانية لوالدها، أي ما يوازي 2500 دولار، (تستعمل في بعض مناطق شرق وجنوب أفغانستان)، وبعد وفاة الابن، أرادت الأم تزويج أرملته لشقيقه، لكنه رفض لارتباطه بفتاة من أقارب أبيه، ما دفع والدته إلى بيع أرملة ابنها مع طفلها الصغير لرجل مسن بقيمة 480 ألف رويبة (3500 دولار).


بيع الأطفال

أدى الجفاف في أفغانستان إلى تفاقم ممارسة تزويج (بيع) الأطفال التي رصدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) تأثيرها على 161 طفلاً على الأقل (155 فتاة و6 أولاد) من السكان المتضررين من الجفاف في مقاطعتي بادغيس وهرات، حيث اضطرت بعض العائلات التي فقدت الأصول التي تملكها والثروة الحيوانية إلى اتخاذ خيار صعب ما بين معاناة جميع أفراد الأسرة من الجوع، أو التخلي عن طفل، أو أكثر من أجل الزواج أو الاستعباد للدائنين، وفق مختصر دراسة وضع الأطفال في أفغانستان المنشورة على موقع منظمة اليونيسف في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي والتي كشفت عنها اليسون باركر المتحدثة باسم المنظمة الأممية قائلة في تصريحات صحافية: "الآباء الأفغان يُجبرون على بيع بناتهم وتزويجهن؛ من أجل سداد ديونهم أو لمجرد توفير ثمن الطعام؛ بسبب الأوضاع البائسة في أفغانستان التي يفاقمها الجفاف المدمر، وتتراوح أعمار من رصدتهم الدراسة بين شهر و16 عامًا، تم بيعهم خلال أربعة أشهر فقط".

وتابعت: "الأطفال الذين شملتهم الدراسة إما مخطوبون وإما متزوجون وإما تم بيعهم لأن آباءهم مديونون، وقبل الجفاف، كانت أكثر من 80 في المائة من الأسر مديونة بالفعل، وتفاقم الأمر بسبب الجفاف".


وجرى تزويج فتيات أعمارهن 11 عامًا وحتى أقل وفق باركر التي أشارت إلى أنّ 35% من السكان ينخرطون في هذه الممارسة عبر البلاد، وقد تصل النسبة إلى 80% في بعض الأماكن.

وتؤكد ملاحظة باركر أن زواج الأطفال المبكر جداً أو بيع الأطفال هو أحد أعراض مشكلة اجتماعية أعمق وأكثر تعقيداً تتعلق بالفقر ونقص العمل وأساسيات العيش وكذلك الأعراف الاجتماعية، وهو ما تتفق معه الناشطة ثرية بيكزاد رئيسة مؤسسة صوت النساء (مهتمة بشؤون المرأة)، والتي قالت إن الدافع الاقتصادي وراء الكثير من المصائب التي تواجهها النساء في أفغانستان، إذ يتم بيع فتيات تتراوح أعمارهن بين 8 و12 لرجال مسنين من أجل سداد الديون أو حتى توفير القوت للعائلة، وهو ما يؤكده سيد ولي أحد زعماء قبائل أندر الموجودة في عدة أقاليم في الجنوب وأحد أفخاذ عرقية البشتون، مشيرا إلى أن الكثير من الفتيات دمرت حياتهن بسبب هذا العرف السيئ.


مواجهة مع الظاهرة

يجرم قانون منع العنف ضد المرأة في أفغانستان الحصول على المال مقابل تزويج البنت، أو الأخت، وتنصّ المادة 24 من القانون رقم 91 الصادر في عام 2010 على عقوبة السجن عشرة أعوام لكل من ثبت في حقه بيع الفتاة سواء كان وليها أو غير ذلك، فيما تنص المادة 26 على عقوبة السجن عامين في حق كل من يجبر الفتاة على الزواج أو قبول الخطبة، بحسب إفادة الخبير القانوني عبد الواحد رضوانزاي والذي يعمل في مكتب كاكر للمحاماة.

وبالرغم من القوانين السابقة، إلا أن المعضلة الأساسية في نظر أستاذ الفقه والقانون عبد المالك ثاقب، تكمن في غياب أي جهود للحد من الظاهرة التي دمرت حياة الآلاف من البنات، مشيراً إلى أن بعض الأقاليم وتحديداً بادغيس الذي زاره لا ترى في هذه الظاهرة مخالفة للشرع، بل باتت عادة مستشرية، غير أن الناطق باسم الحكومة المحلية في إقليم ننجرهار، عطاء الله خوجياني، يؤكد أن الحكومة تسعى إلى تفعيل قانون تنظيم الزواج وإجراء تعديلات فيه تتماشى مع الظروف والأحوال الحالية، لافتاً إلى وجود اهتمام خاص في المحاكم الأفغانية بالقضايا التي تصل إليها من أجل إنصاف هؤلاء الفتيات، علاوة على تأسيس فرع لمراكز دار الأمان التي تضم فتيات يواجهن مشاكل مع أسرهن ومنهن من ترفض تزويجها قسرياً وتقاوم بيعها، فضلاً عن الدور الحكومي في تثقيف القبائل والتنسيق معها من أجل الحد من الظاهرة.



وتضم أفغانستان 27 من دور الأمان والعدد الأكبر منها في كابول والتي تضم ست دور وتستقبل النساء من العاصمة والولايات والأقاليم المجاورة مثل لوجار ووردك وباروان وكابيسا، ويضم كل مركز عدداً يتراوح بين 40 امرأة و60 امرأة، والعدد يقل ويزداد بشكل متفاوت وفق ما تؤكده الناطقة باسم وزارة شؤون المرأة، رويا داد رس والتي قالت لـ"العربي الجديد": "في الغالب النساء يرجعن بعد شهور أو بعد أيام إلى منازلهن، ولكن أطول فترة عاشتها بعض النساء في دور الأمان هي خمس سنوات، وأغلب الأسباب التي تدفعهن هي العنف الأسري والزواج الإجباري وإدمان الأزواج"، ومن بينهن فرشتة (اسم مستعار) التي باعها أبوها قبل ثمانية أشهر في تخار، شمالي البلاد، في مقابل المال، لكنها هربت من منزل زوجها وسلمت نفسها إلى دار الأمان في العاصمة إلا أنها مهددة بالقتل من قبل أسرتها وأسرة زوجها".

لكن العشرينية نورين التي باعها والدها لزوج يكبرها استطاعت الوصول بقضيتها إلى محكمة إقليم بغلان، بحسب ما يرويه القاضي غلام مجدد، الذي سبق أن عمل في بغلان قبل أن يتم نقله إلى إقليم بنجشير بعد مساعدة الفتاة التي تصر قبيلة زوجها على ملكيتها لها بحجة الزواج.

وبالرغم مما سبق ترى الناطقة باسم وزارة المرأة بصيص أمل في اجتماع قبائل إقليم غزنة الواقع جنوب غربي العاصمة بمشاركة علماء دين والذي جرى في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إذ صدر عن الاجتماع قرار بمنع بيع الفتيات في مقابل المال بحجة تزويجهن، ومن بين الزعماء القبليين المشاركين في الاجتماع، مولوي معراج الدين أحد زعماء قبائل أندر، عضو مجلس مراقبة هذا القرار، الذي قال لـ"العربي الجديد": "لا شك في أننا سنواجه عقبات كثيرة في منع الظاهرة أبرزها القبائل نفسها ومصالحها، إذ إن الكثير من الآباء يرفضون القرار منذ صدوره، علاوة على المسلحين الذين لهم مصالحهم، ومعلوم أن القوة لتنفيذ القرار ليست بأيدينا، لكننا سنسعى جاهدين للتخفيف من الظاهرة قدر الإمكان".
دلالات