عبد المالك صياد.. ذلك المهاجر الغريب

03 ابريل 2015
"الشخص غير المرغوب فيه" لويلفريدو لام (كوبا)، 1964
+ الخط -

"الهجرة أو مفارقات الغيرية"، بحثٌ لعالِم الاجتماع الجزائري الراحل عبد المالك صياد (1933 ـ 1998)، صدر جزؤه الثالث حديثاً عن "دار ريزون داجير" الفرنسية، مرفقاً بكتيّب لم يُنشَر سابقاً بعنوان "فبركة الهويات الثقافية"، يطرح الباحث فيه المشاكل السياسية والاجتماعية التي يتعرّض لها المهاجر في فرنسا.

الجديد في هذا الكتيّب هو عدم مقاربة صياد فيه الهجرة كمجرّد جسد اجتماعي "مزروع" في المجتمع الفرنسي عبر هذا المهاجر "الغريب"، الحاضر بقدرته على العمل، وإنما أيضاً كجسد منتج لثقافة وهوية عن طريق أولاد هذا المهاجر، الفرنسيين بحكم ولادتهم في فرنسا، ما يُفترض من الدولة ومؤسساتها أن تأخذ في الاعتبار ممارساتهم الثقافية.

لكن رغم حصولهم على الهوية الفرنسية، يبقى أولاد المهاجرين "بلا وطن"، بحسب صياد، لأن التعريف بهم يبقى وفقاً لأصولهم وثقافتهم ودينهم، كما يظهر ذلك جلياً في الخطاب الإعلامي. وفعلاً، إذا كانت فرنسا مفتوحة على تنوّع الثقافات، على المستوى القانوني، إلا أنها ترفض هذا التنوّع في الوقائع، مرتكزةً على المشروع الذي وضعته "الجمهورية الثالثة" ويقضي بإلغاء هذا التنوّع لصالح سياسة دمج ترتكز على "شمولية القيم الجمهورية".

برنامج ما زال سارياً حتى اليوم، ويقضي أيضاً بإلغاء لغات المهاجرين لصالح لغة واحدة هي الفرنسية؛ لكونه يرى فيهم مجموعات "بلا ثقافة" و"بلا هوية"، وبالتالي "بلا لغة"، ما يعكس خوفاً على المشروعية اللغوية والثقافية لدولةٍ كانت تعتبر نفسها "معلّمة الشعوب"، وما زالت إذاً غير مهيّأة لديمقراطية ثقافية حقيقية.

وفي هذا السياق، يقدّم صياد قراءة لبدايات هذا التسلّط الثقافي الذي يُمارَس على لغة المهاجر ودينه ونمط حياته، مبيّناً كيف أنه يستمدّ أُسسه من تاريخ فرنسا الكولونيالي الذي جرى إسقاط بعض آلياته داخل البلد بعد استقلال الجزائر.

بعد ذلك، وفي سياق اقتراحه جواباً على السؤال الذي يفرض نفسه هنا، أي كيفية بلوغ تغيير في السياسة الفرنسية المعتمدة، يؤدّي إلى الاعتراف بثقافة وهوية طمستهما مرحلة طويلة من الأحكام المسبقة والأيديولوجيا العنصرية، وإلى منح الكلام لمجموعات أُنكِر حقّها وقدرتها على التعبير والتفكير؛ يحلّل صياد، ببصيرة وذكاء، ذلك العبور المرجوّ من نظامٍ إلى آخر، مفككاً العناصر المقاومة له، الواعية وغير الواعية، ومتفحّصاً بدقة جذور التسلّط.

تفحّصٌ يسمح بإدراك كيف أن صورة المهاجِر ـ المستعمَر سابقاً ـ ليست سوى تمثّلات لا تمتّ إلى الواقع بصلة، وبالتالي لا بد من التخلّص منها.

المساهمون