ظلّت الكتابات حول المسرح تتجاهل المونودراما، ولم يُنشر، حتى الماضي القريب، بحث رصين يفصّل القول في هذا الفن بمسمّيات واصطلاحات تصنّفه كاتجاه له أصول.
حضرت المونودراما بمسميات عدة، كـ "المسرح الفردي"، أو "مسرح الممثل الواحد". كما ظلت الكتابات تتقاذفه تحت عناوين مختلفة، مُلحقة إياه بالكتابات الأخرى حول "أبي الفنون".
في كتابه الصادر حديثاً بعنوان "المسرح الفردي في الوطن العربي" (الهيئة العربية للمسرح)، يتناول الناقد المغربي الطاهر الطويل هذا النوع الفني منذ نشأته حتى اليوم، متسائلاً في مقدمته إن كان "لا يعدو أن يكون حالة ظرفية طارئة؟ أم أنه شكل مسرحي ذو جذور تاريخية في الحضارتين العربية واليونانية أو في سواهما؟ وما مدى قدرته على تقديم إضافات نوعية للمسرح العربي عامة؟".
يقارب هذا البحث عبر فصوله الثلاثة، أصول المسرح الفردي بأشكاله البدائية عند اليونان، فيبدأ من التجارب التي مهدت الطريق لسوفوكليس وحتى ظهور الدراما اليونانية. كما يتطرق إلى تجربة الراوي والقصّاص عند العرب التي ظهرت قبل الإسلام، ويستكشف امتداد ذلك التقليد من خلال الأشكال التمثيلية الفردية العربية حتى الوقت الراهن.
ويخصص الطويل الفصل الثالث لمقاربة تجربة الفنان المغربي عبد الحق الزروالي (1952)، ويركز على مسرحية "رحلة العطش" التي كتبها وقدمها عام 1984 وتحكي عن "ربيع" وهو شاب مصاب بالظمأ الشديد ينطلق في رحلة من مراكش بحثاً عن الماء متنقلاً بين المدن العربية (يعتبر الزروالي، في إحدى المقابلات، أن مسرحيته هذه تنبأت بأحداث 2011).
عن اختيار الاشتغال على تجربة الزروالي بالتحديد، يؤكد الطويل لـ "العربي الجديد" أنه و"خلافاً لمسرحيين مغاربة قدّموا المونودراما، لم يقتصر الزروالي على تجربة واحدة في هذا النوع، وإنما جعل من المسرح الفردي منهجاً فنياً له، به عُرف واشتهر واكتسب جمهوره، وبه نال عدة جوائز داخل المغرب وخارجه". فهذه التجربة قدّمت الكثير للمسرح الفردي في المغرب، خصوصاً عندما استمر الزروالي وحده في استنطاق هذا الفن والتجريب فيه.
وهذا ما يؤكده الطويل في مكان آخر من كتابه: "في الوقت الذي خفتت فيه التجارب المسرحية الفردية في المغرب.. نجد أن "المونودرامات" قد نشطت، بشكل لافت للانتباه، في بلدان عربية أخرى، وغدت تكتسح المهرجانات المسرحية الكبرى في قرطاج ودمشق وبغداد، وسواها. ولعل هذا الأمر هو ما حدا بالزروالي إلى طرح مشروع مهرجان عربي للمسرح الفردي سنة 1976".
رغم أن الكتاب صدر حديثاً، إلا أن مؤلفه يقول لنا إنه "بحث جامعي يعود إلى سنة 1990، وطوال هذه المدة كانت فكرة تحيينه ونشره قائمة". وتأتي أهمية هذا البحث في سدّه لفراغ نقدي عن المسرح الفردي كنوع، وتناوله لتجربة واحد من أكثر المسرحيين انهماكاً بتقديم المونودراما في المغرب والعالم العربي.