عباس وكسر الاحتكار الأميركي لعملية السلام: صعوبة أقرب للاستحالة

17 فبراير 2018
الجانب الأميركي لن يقبل بديلاً عنه (مانديل نغان/فرانس برس)
+ الخط -
يواجه مطلب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عدم احتكار أميركا لعملية السلام مع إسرائيل، معضلة كبيرة، إذ إن مصالح أوروبا هي مع أميركا وليس الفلسطينيين، كما أن إسرائيل ترفض استبدال الحامي الأساسي لها في العالم، والذي تقدم خطوات عبر إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القدس "عاصمة" لإسرائيل. ومنذ إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل، بدأ الفلسطينيون مساعي من أجل الحصول على رعاية دولية لعملية السلام، تكون الولايات المتحدة جزءاً منها فقط إلى جانب أطراف أخرى. وقال الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في تصريحات صحافية في أكثر من مناسبة، إن الولايات المتحدة، التي كانت راعية حصرية لعملية السلام على مدار 20 سنة، لم تعد وسيطاً مقبولاً لدى الفلسطينيين وأنها أخرجت نفسها من هذه الوساطة، بعد قرارها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في ديسمبر/ كانون الأول الماضي. وأعلن مسؤولون فلسطينيون، بينهم وزير الخارجية، رياض المالكي، أن القيادة الفلسطينية تسعى إلى تشكيل إطار دولي، لرعاية عملية السلام، بديل عن الرعاية الأميركية. واعتبر أن رفض القيادة الفلسطينية بقاء واشنطن وسيطاً لعملية السلام، يعني أنها دخلت في مواجهة مباشرة مع الإدارة الأميركية. وقال إن "إسرائيل اتخذت قراراً من جانب واحد بالتنسيق مع الإدارة الأميركية في ما يتعلق بقضايا الحل النهائي، ففي غضون أقل من ثلاثة أشهر، تم الكشف عن ثلاث محاولات لإضفاء الشرعية على خروقات إسرائيل للقانون الدولي، من خلال الإملاءات الأميركية، وقد جرت أول محاولة من أجل إسقاط ملف القدس عن الطاولة، ثم محاولة إسقاط قضية اللاجئين الفلسطينيين، والآن يتم تشجيع سرقة الأراضي بموافقة أميركية لضم الأراضي الفلسطينية لإسرائيل".
لكن شكوكاً كبيرة تحيط بمشروع السلطة إشراك كل من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين ربما كأطراف متساوية مع الولايات المتحدة في إطار رعاية عملية السلام. وفي هذا السياق، يقول السفير الفلسطيني في روسيا، عبد الحفيظ نوفل، لوكالة "الأناضول"، إن عباس بحث مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إمكانية تشكيل منظومة دولية لرعاية عملية السلام. وأبلغ عباس، الإثنين الماضي، بوتين، أن "واشنطن لا يمكن أن تكون الوسيط الوحيد في عملية السلام". وقال عباس إن "الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فاجأنا بعد فترة قصيرة بالصفعة، أو الصفقة، ثم أتبع هذا القرار بوقف المساعدات أولاً عن الأونروا، ثم قال سنقطع المساعدات عنكم لأنكم ترفضون المفاوضات، لكن نحن لم نرفض يوماً الذهاب للمفاوضات أو اللقاءات مع مسؤولين إسرائيليين". وتابع "في حال عقد مؤتمر دولي، نطلب ألا تكون الولايات المتحدة الوسيط الوحيد، بل أن تكون فقط واحداً من الوسطاء". وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اعتبر أن الفلسطينيين لا يريدون السلام إن كانوا لا يريدون العمل مع الولايات المتحدة.

لكن الكاتب والمحلل السياسي غسان الخطيب، يؤكد بدوره أن أي رعاية دولية لعملية السلام "لن تنجح إلا إذا وافقت إسرائيل عليها". وأشار إلى أن الجانب الإسرائيلي ليست لديه "أي نية حالياً لتقديم أي تنازلات للفلسطينيين، لأنه لا يرى أنه يخسر شيئاً، وبالتالي لو افترضنا أن العالم قبل بهذه الفكرة، فليس بالضرورة أن تقبلها إسرائيل". فيما شدد الكاتب والمحلل السياسي سميح شبيب، على أن الجانب الأميركي نفسه "لن يقبل بديلاً له في إدارة عملية السلام". وقال: "واشنطن لن تسمح بأي رعاية أخرى لا تتواءم مع هواها، خصوصاً أن إسرائيل هي الطفل المدلل بالنسبة إلى الأميركيين". واعتبر شبيب أن الولايات المتحدة لديها "مخطط غير ناضج لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يقوم على إخراج قضايا القدس واللاجئين من دائرة أي مفاوضات، وبالتالي هي تريد تمرير هذا المخطط الذي لا يلقى قبولاً من أوروبا، وكل الدول الأخرى". وتابع "من هنا يمكن القول إنها لن تسمح لأحد بأن يخرب لها هذا المخطط". وما يؤكد كلام شبيب هو إعلان وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، في العاصمة الأردنية عمان قبل أيام، أن خطة السلام الأميركية، المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"، قد "وصلت لمراحل متقدمة". 

بدوره، يقول المحلل السياسي خليل شاهين، إن بدائل الولايات المتحدة، التي يعوّل الفلسطينيون عليها، هي في الأساس الاتحاد الأوروبي، الذي أبلغ الرئيس الفلسطيني بشكل واضح بأنه "لا مجال للعب دور البديل للولايات المتحدة". وأشار إلى أن اللغة التي يتعامل بها الأوروبيون هي "لغة المصالح، ومن الأكيد أن مصالحهم مع الولايات المتحدة أهم، ولن يدخلوا في صراع معها من أجل الفلسطينيين". وكان مسؤول رفيع المستوى في البيت الأبيض أعلن، في يناير/ كانون الثاني الماضي، أن "الدول الأوروبية لا تعتقد أنه يمكنها استبدال الولايات المتحدة بدور الوسيط المركزي في مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية"، لاغياً مبادرات عباس لجعل الاتحاد الأوروبي بديلاً عن الولايات المتحدة. وقال "لا توجد دولة أوروبية واحدة، أو دولة أخرى، تحدثنا معها تعتقد بأي شكل من الأشكال أنه يمكن استبدال عملية بقيادة الولايات المتحدة". وأضاف: "جميعهم يريدون العمل مع الولايات المتحدة، بالرغم من الرد الفلسطيني".

وعن إمكانية وجود دور روسي محتمل في الرعاية الدولية لعملية السلام، قال شبيب "الروس كانوا وجهوا دعوة للفلسطينيين والإسرائيليين لعقد قمة في موسكو، لم تستجب لها إسرائيل، وهذه رسالة أن إسرائيل ترفض أي راعٍ لعملية السلام غير الولايات المتحدة". وكانت موسكو وجهت، قبل عام، دعوة للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لعقد قمة ثلاثية في روسيا، رحب بها الفلسطينيون وأبدوا الاستعداد لقبولها فوراً، فيما لم ترد إسرائيل على الدعوة. ومن جهته، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، إن عباس يدرك أن إسرائيل لن تقبل أي مبادرات دولية لإطلاق عملية السلام، وأنها تتهرب من كل الاستحقاقات، إلا أنه استدرك "لكن ذلك يجب ألا يشكل عائقاً أمام الجانب الفلسطيني لمواصلة جهوده". وأضاف "نحن نسعى لمؤتمر سلام دولي برعاية الأمم المتحدة يضع آليات واضحة لتطبيق قرارات الشرعية الدولية، ضمن سقوف زمنية محددة، وبرعاية جهات دولية". وأضاف "هذا سيثبت حقوقنا ويسندها إلى القوانين الدولية، ولو رفضتها إسرائيل أو لم تنفذها، سيأتي يوم تنفذ فيه هذه القرارات لأنها مدعومة بالقانون الدولي".

(العربي الجديد، الأناضول)

المساهمون