17 نوفمبر 2019
عباس إلى الانتحار السياسي
فاجأ خطاب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في 19 مارس/ آذار الجاري، المراقبين، وأحدث صدمة فلسطينية، وحتى إقليمية ودولية، بالنظر إلى مستواه ومفرداته غير المسبوقة في التاريخ السياسي الفلسطيني، فضلا عن التوقيت الذي تجهد فيه القوى الفلسطينية لإنقاذ مصالحةٍ "تترنّح".
عقب هذا الخطاب، ثمة من وصفوا صاحبه بأنه "يحتضر سياسيا"، إذ لم يكتف الرئيس الفلسطيني بكيل الشتائم لحركة حماس، بل نعت سفير الولايات المتحدة بألفاظ غير مسبوقة، ما دفع مراقبين كثيرين إلى القول إن خطاب الرجل هو خطاب شخص يشعر بعزلة وتجاهل، ويحاول بهذا الصراخ أن يقول للولايات المتحدة وإسرائيل إنه ما زال موجودا، وعليهما الحديث معه، بالنظر إلى حالة التجاهل التام التي تنتهجها الولايات المتحدة معه من جهة، وعدم اكتراث رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، من جهة أخرى، به في ظل التقارب الإسرائيلي مع عواصم عربية كبرى، باتت ترى تل أبيب فيها عنوانا للمرحلة وللحل الإقليمي، من دون الحاجة أصلا للحديث مع سلطة فلسطينية لا تعدو كونها جهازا أمنيا، لا يحتاج أكثر من ضابط ارتباط إسرائيلي لإدارة العلاقة معه وتوجيهه.
لكن تعمد أبو مازن شتم "حماس" بألفاظ بالغة الحدة يُفهم منه أنه يريد قطع الطريق تماما على أي حوار مستقبلي معها، ويبعث رسائل إلى إسرائيل والإقليم مفادها أنه جاهز للمضي في أي مشروع يهدف إلى إعادة ترتيب الأوراق في غزة. فيما على العكس، يعد نهج عباس هذا بمثابة انتحار سياسي، لأنه يعجّل بعودة مسار "حماس - دحلان" من جهة، والذي فرملته المصالحة، كما أنه يزعج الطرف المصري الذي ما زال يرعى مشروع المصالحة، لتزداد بهذا النهج عزلة الرجل، وشعور الإقليم بأنه بالفعل بات عبئا عليه.
أما إسرائيل فقد قال تقدير موقف إسرائيلي نشرته صحيفة إسرائيل اليوم إن "وجهة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، تذهب نحو الانفصال عن قطاع غزة، ما يعني أن الانقسام الفلسطيني آخذ بالتعمق، لكنه قد يضع أمام تل أبيب فرصة تاريخية، فقيادة حركة حماس لا تبدو معنيةً في الدخول في مواجهة مسلحة، بيد أن الوضع في غزة بات خطرا مع بصيص أمل في الوقت نفسه، فبجانب الخشية من انفجار أزمتها الإنسانية التي قد تتسبب بعدم استقرار أمني فيها، من الواضح أن الحل المرتقب سيأتي من البوابة الإقليمية، بحيث ستدخل على الخط مصر ودول
خليجية وأطراف دولية تساهم في مشاريع بعيدة المدى لإعادة إعمار قطاع غزة". ويرى معد التقرير، البروفيسور عيدان زليكوفيتش، أن قطاع غزة والضفة الغربية منطقتان لا تداران بجهة مركزية واحدة، وأن الانقسام آخذ في التجذّر. وهذا يدفع إلى الاعتقاد بأن القادم هو إنهاء المشروع الفلسطيني تماما عبر حل إقليمي، يسلم مصر المسؤولية عن قطاع غزة والإشراف على إعمارها، وبشكل أو بآخر، الوصاية عليها، فيما الواقع في الضفة يفيد بأنها خرجت من المعادلة، وأن إسرائيل تريد فقط من السلطة أن تمارس وظائف أمنية، بمعنى أن تكون جهازا أمنيا يتبع لها، لا أكثر ولا أقل.
وفي الوقت الذي يقول الرئيس محمود عباس إنه سيتخذ قرارات ضد غزة حفاظا على ما يسميه "المشروع الوطني"، فإنه في الحقيقة يقضي على ما تبقى من مشروع وطني فلسطيني، ويعجّل سيناريو إقامة دولة فلسطينية في غزة ويُشرعنه، يتم فيها اختزال حل القضية الفلسطينية، وهو بهذا النهج بشكل مقصود أو غير مقصود ينفذ ما تعرف بـ "صفقة القرن".
التحقيقات في جريمة استهداف موكب رئيس الحكومة الفلسطينية، رامي الحمد الله، مستمرة، فكيف يمكن فهم اتهام الرئيس عباس حركة حماس بالوقوف خلف الواقعة، فيما التحليل المنطقي يوضح أنها الخاسر الأكبر من الجريمة، فكيف يمكن أن تقدم على خطوة كهذه وتهدم المصالحة، وقد تعرضت قيادتها الجديدة لانتقادات واسعة من داخل الحركة، جراء التساهل والتنازل الذي قدمته.
يبدو أن الرئيس أبو مازن يواجه ضغوطا شديدة دولية وإقليمية، ويحسن تذكيره بأن الزعيم الراحل ياسر عرفات واجه ظروفا أقسى وأشد، وحصارا إسرائيليا وأميركيا وعربيا، لكن خطاباته في أسوأ ظروف حصاره امتازت بالروح الوطنية، والوحدوية الجامعة، ولم ينزلق إلى مثل هذا البؤس، ذلك لأن هذا الخطاب لا يفتقد فقط للحس الوطني، وهو بمثابة انتحار سياسي، بل لأنه أيضا وصفة لحرب أهلية.
عقب هذا الخطاب، ثمة من وصفوا صاحبه بأنه "يحتضر سياسيا"، إذ لم يكتف الرئيس الفلسطيني بكيل الشتائم لحركة حماس، بل نعت سفير الولايات المتحدة بألفاظ غير مسبوقة، ما دفع مراقبين كثيرين إلى القول إن خطاب الرجل هو خطاب شخص يشعر بعزلة وتجاهل، ويحاول بهذا الصراخ أن يقول للولايات المتحدة وإسرائيل إنه ما زال موجودا، وعليهما الحديث معه، بالنظر إلى حالة التجاهل التام التي تنتهجها الولايات المتحدة معه من جهة، وعدم اكتراث رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، من جهة أخرى، به في ظل التقارب الإسرائيلي مع عواصم عربية كبرى، باتت ترى تل أبيب فيها عنوانا للمرحلة وللحل الإقليمي، من دون الحاجة أصلا للحديث مع سلطة فلسطينية لا تعدو كونها جهازا أمنيا، لا يحتاج أكثر من ضابط ارتباط إسرائيلي لإدارة العلاقة معه وتوجيهه.
لكن تعمد أبو مازن شتم "حماس" بألفاظ بالغة الحدة يُفهم منه أنه يريد قطع الطريق تماما على أي حوار مستقبلي معها، ويبعث رسائل إلى إسرائيل والإقليم مفادها أنه جاهز للمضي في أي مشروع يهدف إلى إعادة ترتيب الأوراق في غزة. فيما على العكس، يعد نهج عباس هذا بمثابة انتحار سياسي، لأنه يعجّل بعودة مسار "حماس - دحلان" من جهة، والذي فرملته المصالحة، كما أنه يزعج الطرف المصري الذي ما زال يرعى مشروع المصالحة، لتزداد بهذا النهج عزلة الرجل، وشعور الإقليم بأنه بالفعل بات عبئا عليه.
أما إسرائيل فقد قال تقدير موقف إسرائيلي نشرته صحيفة إسرائيل اليوم إن "وجهة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، تذهب نحو الانفصال عن قطاع غزة، ما يعني أن الانقسام الفلسطيني آخذ بالتعمق، لكنه قد يضع أمام تل أبيب فرصة تاريخية، فقيادة حركة حماس لا تبدو معنيةً في الدخول في مواجهة مسلحة، بيد أن الوضع في غزة بات خطرا مع بصيص أمل في الوقت نفسه، فبجانب الخشية من انفجار أزمتها الإنسانية التي قد تتسبب بعدم استقرار أمني فيها، من الواضح أن الحل المرتقب سيأتي من البوابة الإقليمية، بحيث ستدخل على الخط مصر ودول
وفي الوقت الذي يقول الرئيس محمود عباس إنه سيتخذ قرارات ضد غزة حفاظا على ما يسميه "المشروع الوطني"، فإنه في الحقيقة يقضي على ما تبقى من مشروع وطني فلسطيني، ويعجّل سيناريو إقامة دولة فلسطينية في غزة ويُشرعنه، يتم فيها اختزال حل القضية الفلسطينية، وهو بهذا النهج بشكل مقصود أو غير مقصود ينفذ ما تعرف بـ "صفقة القرن".
التحقيقات في جريمة استهداف موكب رئيس الحكومة الفلسطينية، رامي الحمد الله، مستمرة، فكيف يمكن فهم اتهام الرئيس عباس حركة حماس بالوقوف خلف الواقعة، فيما التحليل المنطقي يوضح أنها الخاسر الأكبر من الجريمة، فكيف يمكن أن تقدم على خطوة كهذه وتهدم المصالحة، وقد تعرضت قيادتها الجديدة لانتقادات واسعة من داخل الحركة، جراء التساهل والتنازل الذي قدمته.
يبدو أن الرئيس أبو مازن يواجه ضغوطا شديدة دولية وإقليمية، ويحسن تذكيره بأن الزعيم الراحل ياسر عرفات واجه ظروفا أقسى وأشد، وحصارا إسرائيليا وأميركيا وعربيا، لكن خطاباته في أسوأ ظروف حصاره امتازت بالروح الوطنية، والوحدوية الجامعة، ولم ينزلق إلى مثل هذا البؤس، ذلك لأن هذا الخطاب لا يفتقد فقط للحس الوطني، وهو بمثابة انتحار سياسي، بل لأنه أيضا وصفة لحرب أهلية.