عام على "انتفاضة السودانيين" التاريخية: العدالة غائبة

05 سبتمبر 2014
السودان مهيأ لـ"ثورة جياع" (أشرف شاذلي/فرانس برس/getty)
+ الخط -

مرّ عام على الاحتجاجات الاجتماعية التي عصفت في بلاد السودان، والتي تصدّت لها السلطات بالقمع ونجحت في إخمادها. بالرغم من ذلك، فإن "انتفاضة السودانيين" ضدّ حكم عمر البشير، نجحت في تغيير المشهد السياسي السوداني، وأعادت تشكيل السلطة والمعارضة، وولّدت تيارات شبابية جديدة.
وعلى الرغم من أنّ السلطات السودانية وعدت بإجراء تحقيقات ومحاكمات للمتهمين بقتل المتظاهرين، الذي سقطوا في التظاهرات التي شهدتها العاصمة السودانية الخرطوم، وعدد من الولايات، في سبتمبر/أيلول العام الماضي، غير أنه تبيّن أنّها لم تُنجز أي خطوة بهذا الاتجاه، وهو ما دفع منظمة "العفو الدولية"، إلى توجيه انتقادات لاذعة لها، واتهمتها بالبطء في تحقيق العدالة ومحاكمة المتهمين بقتل المتظاهرين.

ورصدت المنظمة في تقرير لها حالات تخويف وسط أُسَر الضحايا الذين سقطوا أو أُصيبوا في التظاهرات للحدّ من لجوئهم للقضاء. وذكرت أن من بين 185 حالة قتل، اشتكى فقط 85 من ذويهم، بينما لم ينظر القضاء طيلة الفترة الماضية سوى في حالة واحدة.

وأكّدت أنّه تبيّن لها أنّ فض أربع تظاهرات خلال العام الماضي جاء من خلال استخدام العنف من قبل السلطات الأمنية وضرب المتظاهرين بالهراوات والرصاص المطاطي والذخيرة الحية، الأمر الذي خلّف إصابات.

تغيير المشهد السياسي

 وكانت التظاهرات اندلعت في سبتمبر/أيلول الماضي على خلفية القرارات التي أصدرتها الحكومة برفع الدعم عن المحروقات، الأمر الذي انسحب على ارتفاع تعريفة المواصلات وأسعار السلع. وتُعدّ تلك الاحتجاجات الأولى من نوعها التي تخرج ضدّ النظام الحاكم في الخرطوم بهذا الزخم.

وأسهمت في إيجاد واقع جديد في المشهد السياسي السوداني، ودفعت النظام نحو الحوار الوطني، وإشراك كافة الفصائل السياسية بما فيها المسلّحة. كما كشفت عن انقسام حاد في الحزب الحاكم للمرة الأولى، بحيث انبثق عنه حزب جديد بقيادة مستشار رئيس الجمهورية السابق ورئيس كتلة نواب "المؤتمر الوطني" بالبرلمان السابق غازي صلاح.

وباتت الحكومة بعدها تتحسب بشكل أكبر للشارع وهذا ما يفسر إعلان جهاز الأمن نشر ثلاثة آلاف من عنصراً من قوات الدعم السريع في مناطق متفرقة بالعاصمة، ومشاركة مدير الأمن محمد عطا في تخريج دفعة من قوات الأمن قيل إنّ جزء منها أُخضع لتدريب عالي لمكافحة الشغب.

 أما الأحزاب المعارضة، فقد شهدت بدورها، انقساماً كبيراً داخل تحالفاتها بسبب التظاهرات، نتج عنه تجميد نشاط حزب "المؤتمر الشعبي"، الذي اتجه بعدها للحوار، واتهم التحالف بالخيانة، في إشارة لإبعاده من إحدى اجتماعات "التحالف" التنسيقية بشأن تلك التظاهرات.

ورأى مراقبون أن الشرخ الذي وقع داخل أحزاب "التحالف"، والخطأ في قراءة النتائج، إلى جانب غياب جمهور فصيل رئيسي عن التظاهرة، متمثل بحزب "الأمة القومي" بزعامة الصادق المهدي، قاد إلى فشل الاحتجاجات في تحقيق غايتها في إسقاط النظام، إلى جانب الضربة الأمنية التي وجهتها السلطات للاحتجاجات.

وأسفر قمع الاحتجاجات في حينه عن مقتل 222 شخصاً في ثلاثة أيام، فضلاً عن إصابة العشرات، واعتقال نحو ألفين آخرين، بحسب تقارير مختلفة. كما صدرت أحكام بحق بعض المتظاهرين تتراوح فتراتها ما بين شهر الى سته أشهر، إلى جانب الجَلَد، فيما لا تزال محاكمات ناشطين مستمرة حتى تاريخ اليوم.

في المقابل، لم تصدر عن الأجهزة الحكومية الرسمية أي تقارير بشأن نتائج التحقيق في قتل المتظاهرين، بالرغم من المطالبات الدولية والإقليمية والمحلية. وظلّ الخبير المستقلّ في مجلس حقوق الإنسان مسعود بدرين يلحّ على الحكومة في زياراته للبلاد من أجل تسليمه نتائج التحقيق في تلك القضية، دون جدوى. كما ظلّت الحكومة السودانية تعلن عن إعداد نفسها لمعركة داخل اجتماعات مجلس حقوق الإنسان التي ستُعقد في سبتمبر/أيلول الجاري لمنع إعادتها للبند الرابع والخاص بالمراقبة، وذلك بعدما تخطته للبند العاشر "المساعدات الفنية" بعد التحسّن النسبي في مجال حقوق الإنسان.

وخلال الاحتجاجات، انبثقت حركة "التغيير الآن"، وهي حركة شبابية لا ينتسب 80 في المئة من أفرادها إلى أي حزب سياسي، ولكنها أصبحت تشكل قوة حقيقة في الفعل السياسي بالبلاد، وهو ما يفسر إصرار رئيس الآلية الافريقية ثامبو مبيكي، على الالتقاء بها إبان زيارته الأخيرة للخرطوم.

وفي تقييمه لتظاهرات سبتمبر/أيلول، رأى الخبير السياسي الطيب زين العابدين، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنّ "العامل الرئيسي الذي أدّى لفشل التظاهرات في تحقيق أهدافها بإسقاط النظام، هو العنف المفرط الذي تعرّضت له من قبل السلطات الأمنية، والاعتقالات التي طالت شبابها، إضافة إلى خذلان الأحزاب السياسية للمتظاهرين، إذ كان يتوقع منها أن تدعم التظاهرة عبر تحريك جماهيرها وتنظيم العملية بشكل أكبر". وأضاف "يبدو أن الأحزاب الرافضة للحوار على علم بقدرة هؤلاء الشباب، لذلك تراهن عليهم أكثر من الحوار".

وأكد أن "الاحتجاجات أحدثت تغييراً جذرياً في الحياة السياسية السودانية، وأثرت بشكل كبير على الحزب الحاكم".

وفي ظل انسداد أفق الحلول السياسية وتفاقم الأزمة الاقتصادية وتلويح الحكومة بإجراء إصلاحات جديدة، فانّ الشارع السوداني بات مهيئاً لما يسمى "بثورة الجياع "، وهو ما ظلت تحذّر منه عدد من الأحزاب السياسية.