عام دراسي جديد.. تحديات في مناطق المعارضة السورية

17 سبتمبر 2016
في إحدى مدارس حلب (ج. م./ فرانس برس)
+ الخط -

ينطلق التلاميذ السوريون يوم غد في عامهم الدراسي الجديد، على الرغم من كلّ العقبات التي تقف في وجه عمليّة تعليمية منتظمة، لا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية.

خلال الأيام الماضية، كانت حركة نشطة في المدارس الواقعة في مناطق سيطرة المعارضة السورية في محافظات ريف دمشق ودرعا وإدلب وحماة وحمص وحلب واللاذقية، استعداداً لبدء عام دراسيّ جديد يوم غد الأحد الموافق فيه 18 سبتمبر/ أيلول 2016.

تنتهي عطلة عيد الأضحى في سورية اليوم السبت، لينطلق العام الدراسي الجديد في ظلّ صعوبات كثيرة يواجهها التلاميذ وكذلك الكوادر التعليمية والإدارية في تلك المدارس، نتيجة ظروف الحرب في البلاد التي تتسبب بحسب تقرير للأمم المتحدة - صدر منتصف هذا العام - بتوقّف نحو أربعة ملايين طفل عن الدراسة في كلّ أنحاء البلاد.

تخوّف وغياب الأمان

فقدان الأمان هو أبرز ما يواجهه الأطفال في المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة السورية، إذ إنّ مئات المدارس تعرّضت لقصف جوي خلال السنوات الأخيرة، ما دفع بكثيرين إلى الامتناع عن إرسال أولادهم إلى المدرسة. محمود الرضائي واحد من هؤلاء، وهو ربّ أسرة تقيم في ريف إدلب. في العام الماضي، لم يرسل أبناءه إلى أيّ من المدارس القريبة من قريته الواقعة في جبل الأربعين، معللاً الأمر بأنّ "الطريق إلى المدرسة كان غير آمن. الطيران الحربي يكاد لا يغادر الأجواء، ومن الممكن أن ينفّذ غارة في أيّ لحظة وفي أيّ مكان".

والرضائي رجل أربعيني له ثلاثة أولاد تتراوح أعمارهم ما بين أربعة أعوام وثلاثة عشر عاماً، يذكر أسباباً أخرى جعلته يُحجم عن إرسال أبنائه إلى المدرسة. ويكشف كلامه مأساة مئات الأسر - ربما تكون بالآلاف - التي تعيش حالات مشابهة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية. فيشكو لـ "العربي الجديد" ضعف أحواله المادية، في ظل تراجع حاد في مدخوله خلال السنوات الخمس الماضية، بعدما توقّف العمل بالبناء الذي كان يؤمّن له عيشه كاملاً. ويقول: "بصراحة، لست قادراً على تأمين مصاريف الدراسة. فإرسال ولدَيّ الصغيرَين إلى المدرسة الابتدائية، يعني أنّني سوف أحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة لكي أؤمّن لهما مستلزمات الدراسة من قرطاسية وغيرها". يضيف: "جيراني، بعضهم، يرسلون أبناءهم إلى المدرسة، إذ إنّ أقارب لهم يقيمون خارج البلاد، تكفّلوا بتلك المصاريف. أمّا أنا، فلا قدرة لديّ على تأمين ذلك".

هجرة الكوادر

إلى ذلك، تقدّر وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة التي تقول إنّها تُشرف على نحو 800 ألف طفل يتابعون دراستهم في المؤسسات التعليمية من ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية، نسبة التسرّب من المدارس بنحو 50 في المائة. وتعيد ذلك (إلى جانب الأسباب المذكورة آنفاً) بحسب تصريحات سابقة لوزير التربية في "الحكومة المؤقتة" عماد برق، إلى غياب الدعم المادي. فقد تسبّب ذلك في هجرة كوادر تعليمية، دفعتها الحاجة المادية إلى ترك التدريس لصالح أعمال أخرى، أو للهجرة إلى خارج البلاد بحثاً عن مورد رزق.
وتغيب الإحصاءات الرسمية التي تتناول المدرّسين الذين تخلّوا عن التعليم في المدارس خلال الأزمة التي تمرّ بها البلاد منذ خمسة أعوام، هرباً من المعارك وبحثاً عن فرص أفضل للحياة. هذا واقع تؤكدّه الأعداد الكبيرة للسوريين الذين هرعوا إلى خارج البلاد بحثاً عن الأمان، سواء إلى الدول المجاورة كتركيا والأردن ولبنان، أو إلى القارتين الأوروبية والأميركية. بالتالي، ازداد واقع التعليم سوءاً.

أحمد عبد الجواد مدرّس لغة إنكليزية، لجأ إلى تركيا. يقول لـ "العربي الجديد": "بقيت ثلاث سنوات تحت نيران الحرب، أحاول الاستمرار في أداء وظيفتي التعليمية من داخل أحياء المعارضة في مدينة حلب، لكنّني وصلت إلى مرحلة لم أعد أتمكّن خلالها من إعالة أسرتي المؤلّفة من خمسة أفراد، على خلفيّة نقص في الرواتب نتيجة النقص في التمويل". يضيف عبد الجواد أنّه ترك البلاد باحثاً عن فرصة عمل أفضل له ولعائلته، مشيراً إلى أنّ "الواقع التعليمي في مناطق المعارضة في حلب وإدلب يشبه تماماً الواقع الطبي. الأطباء هناك يئسوا تماماً كما هي حال المدرّسين". وانتقد أداء وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة، بسبب ما رآه من ضعف في التواصل بينها وبين المؤسسات التي تعمل على الأرض، بالإضافة إلى عدم إيلاء عناية مناسبة لتوحيد المناهج الدراسية".

صعود غير المختصين

لا تتسبّب الهجرة الكبيرة في صفوف المدرّسين في نقص الكادر التعليمي فحسب، لا بل تساهم في تسلّم مواطنين لا يملكون الخبرة الكافية زمام أمور التدريس. ولعلّ أخذ هؤلاء دور المدرّسين، هو أمر من شأنه أن ينعكس سلباً على نوعية المعلومات التي يتلقّاها التلميذ في المدرسة. فغياب المنهاج الموحّد بالإضافة إلى تلقّي معلومات غير نوعية وربما غير دقيقة، من شأنهما أن يعودا سلباً على التنشئة التعليمية لعشرات آلاف التلاميذ في هذه المناطق.

يوسف ظاهر، مواطن أربعيني حاصل على شهادة ثانوية، يعلم جيّداً أنّه لن يتمكّن من "سدّ الهوّة التي تركها المدرّسون المتخصّصون، إلّا أنّ هذا هو الحلّ الأفضل لعدم ترك الأطفال من دون مدرّسين". يقول لـ "العربي الجديد": "كثيرون هم أصدقائي الذين توجهوا إلى التدريس، على الرغم من عدم درايتهم الكافية بهذا المجال. لكنّ تدخّلنا في هذه المهنة لم يكن تعدّياً على حقوق المدرّسين، إذ إنّ النسبة الأكبر منهم هاجرت إلى خارج البلاد وتركت أجيالاً خلفها بلا تعليم. لذلك، لا ألوم نفسي، وأنا مقتنع تماماً بما أفعل".

ويطالب ظاهر المنظّمات غير الحكومية التي تعمل في مجال دعم العملية التدريسية، بأن "تخصّص دورات مكثّفة على مدى ثلاثة أسابيع على أقل تقدير، بهدف تأهيل أصحاب الثقافة والشهادات المتوسطة وتدريبهم على التعليم. بذلك، يستطيعون أن يحلّوا محلّ المدرّسين الأصليّين ويسدّون الفراغ قدر الإمكان".

وتقف هجرة الكوادر التدريسية وضعف بعضها في مناطق عديدة، عائقاً بالغ الأهمية في وجه تقدّم العملية التعليمية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية. كوادر عدّة هناك تُشرف على التدريس، ليست متخصصة، في حين أنّ أهل الاختصاص بمعظمهم غادروا البلاد. وعلى خلفيّة الفراغ الكبير الذي استجدّ، تصدّرت المشهد كوادر أقلّ كفاءة.




غياب المنهاج الموحّد

ولعلّ عوامل أخرى لا تقل أهميّة عن المالية والأمنية، تتسبّب كذلك في عدم انتظام العملية التعليمية في المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة السورية، وتعرقل سيرها نحو الأفضل الذي ترجوه بعض المؤسسات والمنظمات الداعمة للتعليم في تلك المناطق. ولعلّ أبرزها هو المناهج المختلفة التي تدرّس للتلاميذ، إذ لا نجد مناهج موحدة في مدارس المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في درعا، ولا في ريفَي دمشق الشرقي والغربي أو في ريفَي حمص وحماه الشماليين أو محافظة إدلب أو شرقي مدينة حلب مع ريفَيها الشمالي والجنوبي، بالإضافة إلى مناطق محدودة في ريف اللاذقية الشمالي.

مدارس ومراكز الأطفال التعليمية في المرحلة الابتدائية أو الإعدادية، كثيراً ما تعمد إلى تدريس المنهاج نفسه الصادر عن وزارة التربية في حكومة النظام السوري بعد تنقيحه وحذف مادة "التربية القومية" منه بالإضافة إلى فصول دراسية أخرى تتعلق خصوصاً بالسياسية والتاريخ. لكنّ بعض المدارس، خصوصاً في محافظة درعا ومناطق أخرى، ما زالت تُدرّس المنهاج نفسه، إذ إنّ كادرها التدريسي وكذلك الإداري يتقاضيان حتى اليوم المرتبات من حكومة النظام السوري في دمشق.

رائد الحلبي يحمل شهادة جامعية من كلية التربية، وقد عمل في مجال التدريس في مناطق سيطرة المعارضة شمال سورية. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ "المنهاج السوري الأساسي جيّد إلى حدّ كبير، من جهة المادة العلمية. لذلك، فإن وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة وبسبب غياب البديل وعدم تمكّنها من تفريغ لجان علمية خاصة لوضع مناهج دراسية جديدة، اعتمدته قبل نحو ثلاث سنوات بعد تنقيحه على مدى أشهر طويلة. فحذفت مادة القومية وبعض المناسبات التي يحتفل بها البعثيون، وكذلك صور الرموز السياسية في النظام السوري، بالإضافة إلى بعض المواد التاريخية التي زوّر حقيقتها واضعو تلك المناهج".

ويوضح الحلبي أنّ "مدارس عدّة في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في درعا خصوصاً وبعض مناطق إدلب وريف اللاذقية، ما زالت تدرّس المنهاج نفسه الصادر عن حكومة النظام السوري. وهو كما قلنا جيّد، إذ إنّ اللجان التي وضعته أكاديمية ومخضرمة وقد عملت عليه لسنوات طويلة". ويلفت إلى أنّ "التلاميذ الذين يُضطر أهاليهم إلى النزوح بسبب المعارك التي تشتعل في مناطقهم، إلى مناطق أخرى أكثر أماناً، يبدّلون مدارسهم. فيجدون فروقاً كبيرة في المواد التي يتلقونها، إذ إنّهم يدرسون أحياناً المنهاجَين في العام الدراسي نفسه، أو في عامَين دراسيّين متتاليين. وهو ما يخلّف تناقضاً في أذهانهم بسبب الاختلافات الموجودة".

في سياق متصل، يشير الحلبي إلى أنّ "بعض الفصائل العسكرية المقاتلة تعترض أحياناً على بعض المواد التي تدرّس للأطفال لأسباب أيديولوجية". ويقول إنّ ذلك "يضع عند حصوله الكادر التدريسي والإداري أمام خياريَن، إمّا توقيف العملية التدريسية في المنطقة حيث هذه الحالات، أو مسايرة المعترضين والنزول عند رغبتهم بهدف المضيّ قدماً في العملية التدريسية".

إدارة ثلاثية

قبل تشكيل الحكومة المؤقتة في سورية، كانت العملية التعليمية تُدار من قبل منظمات أهلية تتلقّى تمويلها لإدارة المدارس بطرق منفصلة، إلى جانب المجالس المحلية في البلدات والمدن التي شكّلتها المؤسسات التي طردت قوات النظام من هذه المناطق.

أمّا بعد تشكيل الحكومة المؤقتة ودخول وزارة التربية والتعليم على الخطّ، فباتت الإدارة ثلاثية. فالوزارة تحدد المناهج وتنسّق هيكل العملية التعليمية من جهة، فيما تتولى المجالس المحلّية تجهيز المدارس وتأهيلها لاستقبال التلاميذ في العام الدراسي الجديد، فيما تتولّى المنظمات توزيع القرطاسية والملابس على التلاميذ ومساعدتهم في التخلّص من المعوقات التي تحول دون قدرتهم على الدراسة.

تجدر الإشارة إلى أنّه وحتى نهاية العام الدراسي الماضي، نجحت هذه المؤسّسات ولو جزئياً في إدارة المدارس وإتمام امتحاناتها. لكنّها تواجه مصاعب أكبر هذا الموسم، خصوصاً مع تصاعد العنف في مدن الشمال، الأمر الذي يتطلّب منها البحث عن حلول بديلة وفي مقدّمتها تأمين مبان آمنة من القصف لاستقبال التلاميذ.

دلالات