كذلك شملت الحملة أيضاً مجموعة من الأشخاص غير المنتمين لـ"تيار الصحوة"، لكنهم قاموا بالتعليق العرضي على حملات الاعتقال، أو التعليق على حصار قطر، ومنهم الشاعر زياد بن حجاب بن نحيت الذي وضع في زنزانة انفرادية نتيجة مطالبته بوقف الحملات الإعلامية ضد قطر والمعتقلين من "الصحوة"، قبل أن تفرج عنه السلطات بوساطة إماراتية وتشترط عليه كتابة قصيدة هجائية في قطر، وهو ما فعله على الفور.
ولم تهدأ وتيرة الاعتقالات التي وصفت بأنها الكبرى في تاريخ المملكة سياسياً، إذ استمرت طوال شهري سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين، حتى بلغ عدد المعتقلين، وفق تقديرات منظمات حقوقية خارج السعودية، أكثر من 250 معتقلاً من تيار "الصحوة"، بعد أن قامت السلطات باعتقال الصف الثاني والثالث من المنتمين للتيار، وملاحقة أئمة المساجد ومدرسي حلقات تحفيظ القرآن، التي تراها السلطات بؤرة لهذا التيار.
كذلك رافق هذه الحملة اعتقال الأمير عبد العزيز بن فهد، نجل العاهل السعودي الراحل فهد بن عبد العزيز، بسبب قيامه بشتم ولي عهد أبوظبي وحليف بن سلمان، محمد بن زايد، ووصفه بالشيطان على حسابه في موقع "تويتر".
وفي مطلع شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فوجئ السعوديون بحملة اعتقالات من نوع آخر تحدث للمرة الأولى في تاريخ البلاد، استهدفت أعضاء كباراً في الأسرة الحاكمة وكبار رجال الأعمال في البلاد، بتهمة الفساد المالي والإداري، وأودعتهم في فندق "ريتز كارلتون" في العاصمة الرياض، الذي تحوّل، وفق إجراءات أمنية مشددة، إلى سجن خاص للأمراء.
وبدأ الأمر عندما أعلنت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن مرسوم ملكي لتشكيل لجنة لمكافحة الفساد برئاسة بن سلمان، ثمّ أعلنت القنوات الإخبارية المملوكة للسعودية عن حملة الاعتقالات الضخمة. وكان من أبرز الشخصيات التي اعتقلها جهاز أمن الدولة المستحدث من قبل بن سلمان والتابع له بشكل مباشر، في حملة "ريتز كارلتون"، هم الأمير متعب بن عبدالله الذي عزل من وزارة الحرس الوطني بعد أن كان مرشحاً لتولي ولاية العهد في عهد الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وشقيقه أمير منطقة الرياض السابق تركي بن عبدالله، والأمير الوليد بن طلال أحد أثرياء العالم ورئيس مجلس إدارة المملكة القابضة، والأمير فهد بن عبد الله بن محمد آل سعود مساعد وزير الدفاع السابق، والأمير تركي بن ناصر أحد المتورطين في صفقة اليمامة للأسلحة في الثمانينيات.
واعتقلت السلطات كذلك الوزير خالد التويجري، مستشار الملك عبد الله السابق، الذي كان يخطط لتنصيب ابنه متعب ولياً للعهد، ورئيس المراسم الملكية السابق محمد الطبيشي، ووزير الاقتصاد عادل فقيه، ووزير المالية الأسبق إبراهيم العساف، ورئيس الهيئة العامة للاستثمار (منظمة حكومية) عمرو الدباغ. كذلك جرى اعتقال عشرات رجال الأعمال، ومنهم سعود الدويش أحد شيوخ قبيلة مطير ورئيس شركة الاتصالات السعودية، وبكر بن لادن رئيس مجموعة بن لادن للمقاولات، والوليد الإبراهيم رئيس مجموعة "أم بي سي" وخال الأمير المعتقل عبد العزيز بن فهد، بالإضافة إلى رجال الأعمال صالح كامل، ومحمد العمودي وخالد الملحم.
واستهدفت هذه الاعتقالات كسر شوكة ما تبقى من الأمراء الذين اعترضوا على طريقة سير الأمور، وقفز بن سلمان نحو كرسي ولاية العهد. كما استهدفت الحصول على تسويات مالية من ثرواتهم المخبأة في الخارج، التي جمعوها طوال سنوات عبر مشاريع وهمية أو منقوصة دُفعت تكاليفها من أموال الدولة.
وبحسب المنظمات الحقوقية، فإن الأمراء ورجال الأعمال تعرّضوا للضرب والتعذيب داخل الفندق الذي حُوّل إلى معتقل، حيث توفي هناك المساعد الشخصي للأمير تركي بن عبد الله، اللواء علي القحطاني، نتيجة للصعق الكهربائي، وهو أمر أكدته صحيفة "نيويورك تايمز" في تقرير لها قالت فيه "إن 17 أميراً ورجل أعمال طلبوا العلاج بسبب الإيذاء الجسدي، وأن أحدهم توفي فيما كان عنقه ملتوياً وجسمه متورّماً وعليه علامات لسوء المعاملة"، في إشارة إلى اللواء القحطاني. ودعا هذا الأمر منظمة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الإنسان، للتصريح على لسان مديرتها التنفيذية للشرق الأوسط وأفريقيا، سارة ليا واتسن، بأن "سوء المعاملة المزعوم في فندق ريتز كارلتون يشكّل ضربة خطيرة لمزاعم محمد بن سلمان بأنه إصلاحي عصري. ففي الوقت الذي يعمل فيه ولي العهد على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية، على المستثمرين أن يفكروا مرتين في تجاهل السعوديين لسيادة القانون والحقوق الأساسية".
وأفرجت السلطات فيما بعد عن كافة المعتقلين والمستدعين إلى الفندق، الذين بلغ عددهم، بحسب النائب العام، 381 شخصاً، بعد أن قاموا بالتوقيع على تسويات مالية بلغ مجموعها 100 مليار دولار، ضمن تنازلهم عن ثروتهم. لكن مصير عدد آخر من المعتقلين، ومن بينهم أمير الرياض السابق الذي قتل مساعده، الأمير تركي بن عبد الله، لا يزال مجهولاً، مع فضّ المعتقل وإعادة افتتاح الفندق من جديد أمام الزوار.
طي ملف "ريتز كارتون" لم يحمل معه بشارة طي ملف المعتقلين، إذ عادت السلطات لممارسة هوايتها من جديد عبر اعتقال ما تبقى من أفراد "تيار الصحوة"، مع عدم تقديمهم للمحاكمة، وإخفائهم في أماكن تابعة لأمن الدولة، أو في سجون رسمية مثل سجن ذهبان سيّئ الصيت. وفي منتصف شهر مايو/ أيار الماضي، فاجأت السلطات السعودية المراقبين كافة، مع تغييرها بوصلة الاعتقالات الموجهة للإسلاميين نحو النشطاء والناشطات النسويات الليبراليات اللاتي ساهمن في حملات الاعتراض على منع قيادة المرأة للسيارة قبل سماح السلطات بها، وفق أمر ملكي.
واعتقلت السلطات كلاً من الناشطة النسوية الشهيرة لجين الهذلول، والأكاديمية عزيزة اليوسف والأكاديمية إيمان النفجان والمحامي إبراهيم المديميغ والناشطين محمد الربيعة وعبد العزيز المشعل، بالإضافة إلى معتقل لم يتم الكشف عن اسمه لحين استكمال التحقيقات. ووجهت السلطات إلى المعتقلين والمعتقلات تهمة التواصل مع جهاتٍ خارجية وإفشاء أسرار الدولة وتقديم دعم مالي لعناصر معارضة في الخارج، وهي اتهامات قد يصل الحكم فيها إلى السجن لسنوات طويلة في بلد مثل السعودية. وشنّ الإعلام الحكومي هجوماً على أعضاء هذه "الخلية"، واصفاً إياهم بـ"عملاء السفارات".
واعتقلت السلطات أيضاً الأكاديمية النسوية عائشة المانع التي تبلغ من العمر 70 عاماً، والناشطات ولاء آل شبر وحصة آل شيخ ومديحة العجروش، لكنها اكتفت بأخذ تعهدات منهن وأفرجت عنهن فوراً، لتعود من جديد وتعتقل ناشطتين أخريين، هما نوف عبد العزيز التويجري ومياء الزهراني. كما اعتقلت أيضاً الناشط محمد البجادي.
وتقول منظمة "القسط" التي تهتم بالجانب الحقوقي في السعودية، إن عدد المعتقلين والمعتقلات من الحقوقيين بلغ 17 فرداً، بعضهم لم تعرف أسماؤهم بعد، بسبب تكتم عائلاتهم خوفاً من التعرض للأذى.
ووسط حملات الاعتقالات المتنوعة التي شملت الإسلاميين أولاً، ثمّ الأمراء ورجال الأعمال ثانياً، ثمّ الناشطات النسويات ثالثاً، كانت الاعتقالات العنيفة في المنطقة الشرقية التي تنشط فيها المعارضة المنتمية للطائفة الشيعية منذ إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر مطلع عام 2016 مستمرة في مسقط رأسه العوامية، إذ اعتقلت السلطات العشرات من شباب القرية بتهمة جمع الأسلحة والتخابر مع إيران.