تحت عنوان "التفكير في أزمة كورونا وأبعادها"، أطلق "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة، أوّل أمس الإثنين، سلسلة محاضرات تُبثّ عبر منصّاته المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي، وفيها يُقدّم عددٌ من الخبراء والأكاديميّين محاضرات حول وباء كورونا من زوايا اجتماعية وسياسية واقتصادية.
أولى تلك المحاضرات ألقاها الطبيب والكاتب السوري ورئيس تحرير موقع "صحّتك"، عامر شيخوني، بعنوان "الفيروسات وجائحة كورونا الجديدة"، وقدّم فيها لمحةً تاريخية حول اكتشاف الفيروسات والجدل العلمي حول طبيعتها البيولوجية؛ حيث أشار إلى أنّها اكتُشفت أواخر القرن التاسع عشر، ولم يُحسَم إلى اليوم ما إذا كانت كائناتٍ حيّة أو غير حيّة أو تقف بين النوعَين.
مردُّ هذا الجدل، بحسب شيخوني، هو أنَّ الفيروسات تحتوي سوى على خاصيةٍ واحدة من خصائص الكائنات الحية، هي التكاثر، بينما لا تملك خاصيتَي أداء الوظائف الحيوية كالغذاء، كما أنَّ تكاثرها مشروطٌ بوجود خلايا حيّة تلتصق بها.
وبالعودة إلى اكتشاف الفيروسات، يُشير المحاضر إلى أنّ ذلك حدث عن طريق تأثيراتها على الجسم، وخصوصاً الحمّى، ما يجعل المقابل الصحيح للكلمة في العربية، حسب قوله، هو "الحمّات الراشحة"، في حين تعني كلمة فيروس "السمّ" في اللغة اللاتينية.
في هذا السياق، أشار شيخوني إلى أنّ العلماء تمكّنوا من تصوير الفيروس لأوّل مرّةٍ بعد اختراع المجهر الإلكتروني في الثلاثينيات، وكانت البداية بالفيروسات التي تعيش على الخلايا النباتية، لأنها أكبر حجماً، مع العلم أنَّ الفيروسات تُقاس بالنانومتر، ما يعني أنها أصغر من الكائنات الحية بمئة مرّة.
أمّا بالنسبة إلى بنية الفيروس، يضيف شيخوني، فهو يتكوّن من حمض نووي مغطّىً بغلاف بروتيني دهني، في حين تجري عملية التكاثر من خلال تطفّل الفيروس بشكلٍ إجباري على الكائنات الحية، والتصاقه بجدار الخلية، ثمّ اختراقها، ليتمكّن في مرحلةٍ لاحقة من استخدام أجهزتها لتقوم بنشاطاته الطبيعية مثل التكاثر والانتشار.
أمّا عن الفرق بين الفيروس وبين الجراثيم والطفيليات والبكتيريا، يوضّح أنّ الأخيرة تختلف عن الفيروسات بقدرتها على أداء وظائف حيوية دون الحاجة إلى التطفّل على الخلايا الحيّة.
وبالوصول إلى فيروس كورونا الذي يشغل العالَم حالياً، يُوضّح شيخوني أنَّ تسميته العلمية هي "سارس كوف -2"، وهي تسمية استُمدّت من تشابه حمضه النووي مع فيروس "سارس" الذي اجتاح الصين والعالم عام 2002، مضيفاً أنّ كليهما ينتميان إلى عائلة فيروسات كورونا، التي تعني الفيروسات التاجية، حيث إنّ سطح الفيروس يكون على شكل نتوءات بروتينية تشبه الشكل الهندسي للتاج، تساعد على الالتصاق بجدار الخليّة الحيّة، كما أوضح أنّ الخلايا الحيّة التي تناسبه هي خلايا الجهاز التنفّسي.
وعلى عكس الاعتقاد السائد مِن أنَّ "كوفيد -19" هي اسمٌ للفيروس، يوضحّ شيخوني أنّ هذه التسمية تعني المرض الذي يسبّبه "سارس كوف-2" الذي ظهر في مدينة ووهان الصينية أواخر عام 2019.
وفي تحليله لهذا الفيروس، أشار المحاضِر إلى أنّه يتألّف من الداخل من شريط حمض نووي يتكوّن من ثلاثين ألف حرف، تُحيط به من الخارج بروتينات على شكل نتوءات، ويغطّيه غلاف بروتيني دهني، موضّحاً أنّ قوّة هذا الفيروس تكمن في حجمه متناهي الصغر، ما يجعل احتمالية استهدافه وإصابته بالضرر ضئيلة جدّاً.
وبالنسبة إلى طُرق انتقاله، يوضّح شيخوني أنّ فيروس كورنا ينتقل غالباً عبر الرذاذ الذي يتساقط على أسطح الأجسام المحيطة به، ومن ثمّ ينتقل عبر التلامس.
وبخصوص أصل الفيروس، استعان شيخوني، من دون جزمٍ علمي، بفرضية التقاء فيروس يعيش في أحد أنواع الخفّاش الموجودة في مدينة ووهان الصينية مع فيروس موجود لدى حيوان آكل النمل الحرشفي، وقد انتقل في البدء من الحيوان إلى الإنسان، ثمّ وجد طريقه إلى الصين وباقي العالم.
يورِد شيخوني، في محاضرته، النظريتين السائدتين حول انتشار الفيروس وتحوّله إلى جائحة اجتاحت العالم بأسره: الأولى، النظرية العلمية التي تفسّر الانتشار بغياب المناعة ضد هذا الفيروس لدى البشر، حيث إنّ أجهزة المناعة البشرية لم تتعرّف إليه، وتحتاج إلى فترة زمنية لتُطوّر آليات طبيعية لذلك. أمّا النظرية الثانية، فسمّاها نظرية المؤامرة التي تفيد بأن الفيروس تمّ تطويره في مختبر في الصين أو الولايات المتّحدة أو روسيا.
ويحسم شيخوني هذا النقاش بالاستعانة بالدراسات العلمية الرصينة التي أشارت إلى أنّ تركيبة الحمض النووي للفيروس تفيد بأنه نشأ نتيجة تطوّر طبيعي وليس من خلال هندسة مخبرية.
ويعدّد شيخوني الطرق المعتمدة في الكشف عن فيروس كورونا؛ الأولى، هي فحص الحمض النووي عبر أخذ لطاخة من الأنف أو الفم وتضخميها عبر الاستعانة بالإنزيمات، وهي الطريقة التي اكتُشفت عام 1983، والطريقة الثانية هي فحص الدم المناعي بالاستعانة بعيّنة من الدّم وتحليلها مخبرياً، والأخيرة تتعلّق بالتشخيص السريري، مشيراً إلى أنّ الطريقة الأولى تحتاج إلى أجهزة متطوّرة، ومن محاذيرها تعرُّض الحمض النووي للتلف وفساد العيّنات المأخوذة، وأمّا الطريقة الثانية فتُعتَبر أطول زمنيًا، فهي تحتاج إلى فترة 10-30 يومًا لتظهر النتيجة. وكنتيجة لتقييم طرق التشخيص، أشار إلى أنّها مجتمعةً ليست صحيحة تماماً.
وفي ما يخصّ مسألة الوقاية، ميّز شيخوني بين الوقاية الشخصية التي تتعلّق بغسل اليدين بالماء والصابون، والوقاية المجتمعية التي تتعلّق بـ "مناعة القطيع" والتباعد الاجتماعِي. يُضاف إليهما ما سمّاه الغلق الدولي، أي منع انتقال الناس عبر الحدود الدولية.
أمّا بالنسبة إلى علاجه، فيوضّح أنّ علاجات عديدة تستعمل في العالم حالياً تتعلّق بالأدوية والمصل، إضافة إلى علاجات طبيعية تتعلّق بالمكمّلات الغذائية والفيتامينات إضافة إلى الرياضة، مشيراً إلى أنّ جميع العلاجات المتوافرة لم تُثبت نجاعتها بسبب صغر حجم الفيروس من جهة، وبساطته من جهة أخرى.
ويخلص المحاضِر إلى أنّ الفيروس سينتشر عبر موجات تتحكّم فيها عوامل مناخية وبيولوجية، وستكون مسألة القضاء عليه إمّا طبيعياً وإمّا عبر اكتشاف لقاح مضادّ.
يُذكَر أن عامر شيخوني من مواليد سورية عام 1950، درس الطبّ في جامعة حلب، قبل أن يتخصّص في الجراحة العامّة وجراحة القلب والصدر في الولايات المتّحدة، ويُعدّ أحد روّاد جراحة القلب والصدر والأوعية الدموية وزراعة الكلى في سورية وقطر.
من مؤلّفاته: "قصّة القلب كيف كشفه رجاله" (2016)، و"قصة الوراثة كيف كشفها رجالها" و"قصّة المناعة كيف كشفها رجالها" (2017)، كما ترجم أعمالاً من بينها "جسور إلى اللانهاية" (2011) لـ ميخائيل غيلن، و"دائرة الخوف" (2015) لـ ليون غولدسميث.