ورث محمد عادل (33 عاماً)، دكاناً لبيع الفحم وأنواع مختلفة من التبغ، كان قد أسسه والده نهاية سبعينيات القرن الماضي ويقع في أحد شوارع مدينة تعز اليمنية، ضمن المربع الخاضع لسيطرة الحكومة الشرعية، الذي تحكم فصائل المقاومة الشعبية سيطرتها عليه.
بعد موت والد محمد قبل نحو عشر سنوات، ظل دكانه وجهة لمدمني التبغ، ومصدر دخل وحيد لأسرة متوسطة. منذ اندلاع الحرب في مدينة تعز، واجه محمد ظروفاً صعبة حاول معها الحفاظ على بقاء دكان والده مشرعاً. لكن قلة الزبائن وارتفاع أسعار المواد التي عجز عن جلبها، تارةً بسبب انعدام المشتقات النفطية وتأثير ذلك على المواصلات والنقل، وتارةً أخرى بسبب الحصار، هما عاملان جعلا معركته تنتهي بإغلاق الدكان تحت تهديد السلاح، وبعدما كانت قد مرت أشهر على خلوّه من كل تلك السلع الصالحة للبيع.
هكذا، أصبحت تنتهي أغلب القصص، بعدما كانت تفاصيلها قد بدأت قبل عقود طويلة. فمحمد عندما بدأ يعي الحياة من حوله، كان دكان والده بمثابة منزله الثاني ومصدراً وحيداً يؤمّن لأسرته المتوسطة حياة كريمة. ولم يتغير الأمر عندما عرف أن الدكان مستأجر، فقد كان والده قادراً على دفع الإيجار نهاية كل شهر، وظل هو يفعل ذلك لوقت طويل.
منذ عامين ومدينة تعز تشهد حرباً وحصاراً متواصلين. ومحمد من أشد المؤيدين للمقاومة الشعبية، ويعي أهمية استعادة الدولة من يد الانقلابيين، غير أن الدولة لم تكن حاضرة عندما شعر أنه بحاجة ملحة إليها وفي مربعات يفترض أنها واقعة تحت سيطرتها. معظم المشاكل التي تنشأ في تعز أصبحت تحل من قبل مكاتب تتبع جماعات مسلحة، وأحياناً تنتهي بإطلاق النار وترك ضحايا على ذمة الحرب وغياب الدولة. عشرات الآلاف من سكان مدينة تعز فقدوا أعمالهم، وتدمرت منازلهم ومحلاتهم التجارية. وكثيرون غادروا المدينة التي اشتهرت بأنها الأكثر اكتظاظاً بالسكان، ومن فضّل البقاء أصبح يحلم بقدر من الأمن. لم تعان تعز من القصف العشوائي وانعدام الخدمات الأساسية وتوقف الأعمال فقط، بل إن غياب الأمن وفّر بيئة ملائمة لازدهار عصابات النهب والقتل، ليعيش من تبقى من سكانها حرباً أخرى موازية.
يقول محمد إن الذي أنقذه من الموت وعدم الذهاب إلى سجن تلك الجماعات التي تثير الفزع، هو أنه كتب ما حدث له على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي، "فيسبوك"، فقرأ منشوره أحد المسؤولين الأمنيين في المدينة، وبادر الأخير بإعطائه مبلغاً من المال دفعه لابن المالك مقابل إيجار ثلاثة أشهر، وتبقى على ذمته ثلاثة أشهر أخرى. لكن الدكان أصبح مغلقاً.
يقول ناشطون في تعز إن هناك من يسعى إلى تصوير المدينة كوكر للمتشددين، مضيفين أن "الإعدام خارج القانون بطريقة بشعة هو أحد الوسائل التي يستخدمها هؤلاء في تثبيت هذه الصورة لتعز في أذهان الآخرين"، وفق تعبيرهم. من جهته، يذكر القيادي السياسي، أحد الوجوه البارزة في تعز، عادل العقيبي، أن "الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وجماعته، والحوثيين ومليشياتهم هم المستفيدون من تصوير تعز بتلك الصورة ليبرروا للعالم هذا الحصار والقتل الظالم لأبنائها بل ولكسب تعاطف العالم معهم في معركتهم ضد التطرف والإرهاب"، على حد تعبيره. ويتابع في حديثه لـ"العربي الجديد"، أنه "قد لا يكون من يقوم بذلك على ارتباط واضح بالانقلابيين، لكنه يدار من قبلهم دون أن يدري، ويحقق مصالحهم". ويؤكد أن "من يحقق مصالحهم، حتى وإنْ ادعى أنه على النقيض منهم، هو في الحقيقة معهم وليس مع تعز"، بحسب وصفه.
وفي إشارة إلى الاختلالات المصاحبة لاستعادة عمل مؤسسات الدولة، وسبب فشل جهود من هذا النوع، على الرغم من مرور عامين على الحرب، يضيف العقيبي أن "الحامي لدولة المواطنين والضامن لاستقرارها هو الجيش والأجهزة الأمنية المبنية على مبادئ وأسس وطنية تعزز وترسخ الولاء الوطني فوق أي ولاء طائفي أو حزبي أو قبلي"، بحسب تعبيره.