عامان على تشكيل حكومة الرزاز: تغيير وجوه لا سياسات

16 يونيو 2020
بقيت اتفاقية الغاز مع الاحتلال تلاحق الحكومة (ليث الجند/الأناضول)
+ الخط -


قبل نحو عامين من اليوم، وتحديداً في 14 يونيو/حزيران 2018، أدى عمر الرزاز اليمين الدستورية رئيساً لحكومة أردنية جديدة، بعد أن استقالت حكومة هاني الملقي على وقع الاحتجاجات الشعبية المناهضة لقانون ضريبة الدخل ورفع أسعار المحروقات، وفي ذلك الوقت استبشر الكثير من الأردنيين خيراً بتعيين الرزاز رئيساً للوزراء.
لكن بعد مضي عامين على تشكيل حكومة الرزاز، الذي قدّم وعوداً بالتغيير ورفع شعار العقد الاجتماعي ومشروع النهضة للأردنيين وإخراج المواطنين من ضيقتهم الاقتصادية، ومنحهم أملاً بإصلاح سياسي يقود إلى انتخاب الشعب للحكومات، لم يَخطُ الأردن أي خطوة حقيقية إلى الأمام، ولم يختلف نهج الرزاز كثيراً عمن سبقوه، فبعدما أغرق الأردنيين بالأحلام والآمال بالتخلص من نهج صندوق النقد الدولي والضرائب، تبدو البطالة اليوم في ارتفاع، والفقر في اتساع، والحريات في تراجع.

وتعليقاً على ذلك، قال النائب الأردني نبيل غيشان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة جاءت على وقع احتجاجات شعبية بعد سقوط حكومة الملقي، وكان الناس يعتقدون أنها ستكون مختلفة، ولكن قانون الضريبة الذي أسقط الملقي، أعادته حكومة الرزاز إلى الحياة مع تغييرات طفيفة. ورأى أن حكومة الرزاز لا تختلف عن سابقاتها، على الرغم من أنها جاءت كنتاج زخم شعبي بعد تظاهرات في الشوارع، ويجب أن تتعظ ممن سبقها، لافتاً إلى أن الحكومة والبرلمان قبل جائحة كورونا كانا في وضع سيئ وشعبية متآكلة، والتوقعات تشير إلى حل المجلس وإقالة الحكومة مع نهاية مايو/أيار الماضي، إلا أن الجائحة أحيت العظام وهي رميم.

وأشار غيشان إلى أن الحكومة أحسنت إدارة أزمة كورونا، مضيفاً أن الدولة العميقة وبيروقراطية القطاع العام تعاملتا بشكل جيد مع الأزمة فيما فشل القطاع الخاص، لينعكس نجاح الدولة على شعبية الحكومة. لكنه استدرك بالقول إن الحكومة بدأت تصطدم مع الناس "مع بدء الاقتطاعات من رواتب الموظفين، ودخلت في أزمة جديدة مع المعلمين، فالمواطنون الذي اقتُطع من رواتبهم يشعرون أن الحكومة عادت إلى عادتها في الجباية واللجوء إلى جيوب المواطنين".

وتوقع غيشان إجراء الانتخابات النيابية المقبلة في شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، لافتاً إلى أن الأمر مرهون بالوضع الوبائي، مضيفاً أنه ما زال لدى الحكومة العديد من الملفات التي يجب أن تنجزها، خصوصاً أن الوضع الاقتصادي الصعب الذي وصل إليه الأردن ينعكس بشكل مباشر على علاقة المواطنين بالحكومة. واعتبر أن شهر أغسطس /آب سيكون حاسماً، مشيراً إلى أن الحكومة ارتكبت العديد من الأخطاء خلال أزمة كورونا، وآثار هذه الأخطاء ستكون أكثر وضوحاً خلال الأشهر المقبلة، وهناك ملفات غير شعبية يجب أن تحلها الحكومة قبل رحيلها.

من جهته، قال المحلل السياسي الأردني زيد النوايسة، لـ"العربي الجديد"، إن حكومة الرزاز جاءت على أثر احتجاجات "الدوار الرابع" التي تبيّن أن هناك كلاماً كثيراً حول أسبابها ومفجّريها، مضيفاً "كانت الاحتجاجات لرفض السياسات الضريبية التي لجأت إليها حكومة هاني الملقي، والمشاكل الاقتصادية المتفاقمة، في ظل طموحات شعبية كبيرة، لكن حكومة الرزاز استخدمت الأدوات التي استخدمتها الحكومات السابقة، كالاستدانة من المؤسسات الدولية، ومررت ذات القوانين الجبائية مع مسحة تجميلية فقط".


ولفت النوايسة إلى أن الحكومة ذهبت لطرح مشاريع كبيرة جداً كفكرة العقد الاجتماعي الذي جوبه بالرفض، لا سيما أن هناك دستوراً يُنظّم العلاقة بين المواطنين والسلطة، وبعد ذلك جرى الحديث عن الانتقال من دولة الريع إلى دولة الإنتاج وهذا حديث عن مشروع مبكر لدولة ديونها تتجاوز 43 مليار دولار، ثم الانتقال إلى ما يسمى بحكومة النهضة، وكذلك محاولتها الاستجابة لاشتراطات مؤسسات دولية لهيكلة القطاع العام، وهو أمر ليس سيئاً وفق قوله، مضيفاً "لكن مشكلة الحكومة أنها ألقت العبء على مؤسسة الضمان الاجتماعي التي يراهن عليها الأردنيون للحفاظ على مستقبلهم".

وأشار النوايسة إلى أن أزمة كورونا فاقمت مشاكل الأردن الاقتصادية، خصوصاً بسبب تعرّض بعض القطاعات لضربات قوية كالسياحة، واصفاً أداء الحكومة بالجيد خلال أزمة كورونا كإحدى أذرع الدولة الأردنية، في الحفاظ على صحة الناس. ولكنه لفت إلى أنه في الجانب السياسي "الحكومة إحدى أذرع الدولة والأجهزة صاحبة القرار كالديوان الملكي والأجهزة الأمنية، وخلال الفترة الماضية عادت الباقورة والغمر إلى وضعهما الطبيعي، كما تم الحفاظ على حقوق الأردن في إدارة المقدسات في القدس".

من جهتها، رأت الأمينة العامة لحزب الشعب الديمقراطي الأردني، "حشد"، النائبة السابقة عبلة أبو علبة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الأهم هو تقييم الأداء الحكومي بعد صدمة جائحة كورونا وما خلّفته من أزمات معيشية واقتصادية مأساوية، وهو ما يتطلّب مراجعة النهج السياسي والاقتصادي السائد منذ أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات وحتى اليوم، مؤكدة أن هذا الأمر ليس تهرّباً من إدانة السياسة الرسمية في المرحلة الراهنة، بل توخّ للضرورات التي تفرضها التطورات الخطيرة على المستويين السياسي والاقتصادي.
وأضافت: "من المؤلم حقاً أن السياسات الرسمية قد أدّت إلى تآكل تدريجي لمقوّمات الأردن الاقتصادية وكذلك السياسية، وتخفيض مناعته الوطنية إلى الحدود الدنيا بسبب تعميق وتشريع التبعية للمنظمات الدولية المرتبطة بالاحتكارات العالمية الكبرى: صندوق النقد ومنظمة التجارة الحرة"، موضحة أن هذه السياسة "أدت إلى تدهور قطاعي الزراعة والصناعة، تحديداً بعد أن فرضت عضوية الأردن في منظمة التجارة الحرة شروطاً مجحفة ومنحازة لصالح الشركات العالمية الكبرى، وعلى حساب الثروات المحلية، والنتيجة أن مئات المنشآت والشركات الصناعية المحلية والزراعية أغلقت لتحل محلها البضائع الأجنبية المنافسة جودةً وسعراً".

ولفتت أبو علبة إلى أنه بعد وباء كورونا، "بدأت الأصوات تتجه نحو إعادة الاعتبار للقطاعين الصناعي والزراعي، على الرغم من صعوبة تحقيق هذا الهدف، فالمدخل الجدّي للنهوض بالزراعة والصناعة هو مراجعة عضوية الأردن في منظمة التجارة العالمية للتخلص من القيود على مدخلات الإنتاج أولاً وإعادة النظر في كل القوانين الضريبية لصالح إنعاش الإنتاج الوطني، وفك الارتباط تدريجياً بصندوق النقد الدولي".

في المجال السياسي، رأت أبو علبة أن مشروع "صفقة القرن" (الخطة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية) وإجراءات ضم معظم أراضي الضفة الغربية فرضا تحديات استراتيجية كبرى على الأردن، بكل ما يعنيه ذلك من إضرار بالمصالح القومية والوطنية الأردنية، مشيرة إلى أن "مثل هذا الهجوم من جانب الحلف الأميركي الصهيوني على القضية الوطنية الفلسطينية والأردن ومنطقتنا العربية يتطلب مواجهة من نوع جديد، فالمطلوب من الأردن أن يحمي نفسه من هذا الهجوم بأوراق ثمينة يمتلكها، ليس أقلها إلغاء اتفاقية الغاز مع العدو واستثمار قانون الدفاع، الذي ما زال معمولاً به حتى يومنا، من أجل التخلص من هذا العبء السياسي والاقتصادي الذي سيكلف الأردن كثيراً من اقتصاده وسياسته".
من جهة أخرى، فإن مواجهة مشروع استعماري بهذه الخطورة، وفق أبو علبة، "تتطلب تفعيل الطاقات الشعبية وإطلاق الحريات العامة، ولدينا من وقائع التاريخ الوطني الأردني دلالات كبيرة تشير إلى أن الشعب الأردني الواحد الموحدّ ينتصر دائماً لاستقلال الوطن وحمايته من شرور الاستعمار والتوسع الصهيوني".