عازف اليرموك: ها أنا اليوم محطّ أنظار العالم

01 اغسطس 2016
يحلم بلقاء عائلته (موريزيو غمباريني/ الأناضول)
+ الخط -
يحلم عازف اليرموك أو عازف السلام أيهم أحمد بلقاء زوجته وولديه. وصل إلى ألمانيا وحصل على حق اللجوء، وبات محط اهتمام الإعلام الغربي. كل هذا لا يشعره بالسعادة، هو الذي يعرف أن عائلته في خطر

من مخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيّين في سورية، إلى مخيم اللاجئين في مدينة فيسبادن الألمانية، حمل أيهم أحمد، من خلال موسيقاه والبيانو، معاناة شعب بأكمله. في لجوئه الثاني، لا يجد نفسه معنيّاً بالشهرة التي حقّقها خلال أشهر. هذا الشاب الحاصل على جائزة "بيتهوفن" للموسيقى، والذي بات حديث الإعلام العربي والغربي، لا همّ له اليوم إلا لقاء عائلته التي ترزح تحت القصف في ضواحي دمشق.

البيانو الذي كان سبباً في هجرته من بلده الثاني، بعدما عمد تنظيم "داعش" إلى حرقه مانعاً إيّاه من العزف، بات اليوم ملجأه الوحيد. من خلاله، يفرّغ ما في داخله من مشاعر الحب والغربة والحنين.

بعفوية وكثير من الصدق، يروي "فنان اليرموك" لـ "العربي الجديد" سيرة حياته ما بعد الحرب. يحكي أيضاً عن موهبته التي ساهم والده الكفيف في صقلها، ولاسيما من خلال إصراره على تعلّم المقامات الشرقية التي شكّلت دعماً أساسياً له في مسيرته الفنية. في خضم انشغاله بالتحضير لحفلاته الكثيرة في عدد من المدن الألمانية، يروي أيهم، الذي وصل إلى ألمانيا العام الماضي، تفاصيل حياته في البلد الذي استقبله، وأتاح له فرص العزف مع أشهر الموسيقيين الألمان. وكان آخرها الحفلة التي شارك فيها العام الماضي في مدينة بون، ونظّمتها أكاديمية "بيتهوفن".

يقول صاحب أغنية "يا مهجرين" إنه حصل على حق اللجوء والإقامة لمدة ثلاث سنوات، ما سيمكّن زوجته وولديه من اللحاق به، لافتاً إلى أنهم يعيشون في وضع صعب وخطير في مخيم اليرموك. وفي انتظار مرور ثلاثة أشهر حتى يتمكن من العمل، بحسب القانون، يحيي أيهم حفلات من دون مقابل، ما يجعله عاجزاً عن تحويل المال إلى عائلته. لا تغريه الشهرة التي اكتسبها خلال وجوده في ألمانيا. يقول: "كل هذا لا يعني لي شيئاً. عقلي في دمشق، حيث تركت قبل نحو عشرة أشهر ولدين وزوجة يعيشون في خطر". يضيف: "بالتأكيد، يبقى البيانو رفيقي الدائم الذي يؤنس وحدتي ويخفف عني الكثير من المآسي والحزن، ويساعدني على الصمود".

أحمد وكنان
يسعى أيهم إلى تجاوز جميع المشاكل من خلال الاستفادة من وقته وطاقته بإيجابية. وكثيراً ما يشارك في نشاطات ومبادرات يستفيد اللاجئون منها. وقد شكّل مع عدد من اللاجئين فرقة كورال غنائية، وبدأت الفرقة في إحياء الحفلات والمهرجانات المجانية. يأمل أن يساهم عزفه وأغنياته في نقل صورة إيجابية عن اللاجئين. يقول إنه لا دخل للكفاءات باللّون أو العرق، مضيفاً أن أطباء ومهندسين وعازفين وصلوا إلى ألمانيا من دون أن يلتفت إليهم أحد.

يعزف أيهم، الذي يملك في رصيده 127 أغنية، مع الفرقة في شوارع مدينة فيسبادن حيث يقيم حالياً، بهدف إيصال رسالة، وهي أننا "شعب يحب السلام ويعشق الفن والموسيقى، وليس إرهابياً أو مخرباً". يعرب عن سعادته لاختياره ألمانيا، لأن هذا البلد "يهتم ويقدّر الفن والفنانين"، وإن كان يشعر بالندم لتركه ولديه. "لا بدّ أن نلتقي. قررت المغامرة وسأتحدى وجعي وأستمر في العزف. أحياناً أقول: ليتكم تعلمون ما يدور في رأسي. فكّرت كثيراً بالعودة من حيث أتيت على الرغم من جميع المخاطر للقاء أحمد وكنان. لكن لا خيار غير الانتظار على غرار لاجئين آخرين".

أيهم الذي درس الموسيقى لمدة عشر سنوات في المعهد العالي للموسيقى في سورية، وتخرج في العام 2011 من كلية التربية الموسيقية، وانتسب إلى نقابة الموسيقيّين، طلب منه إحياء العديد من الحفلات (نحو 45) في أوروبا، منها في فرنسا وإسبانيا وبريطانيا وإيطاليا. وتسعى وسائل الإعلام العالمية، منها الروسية واليابانية والإسبانية والإيطالية والأميركية إلى إجراء مقابلات معه. أحياناً، يحصل على عروض لإدارة أعماله وتسجيل أغنياته. لكن كونه لا يملك جواز سفر، لن يتمكن من تلبية إلا المحلية منها، إلى أن يحصل على جواز سفر.

30 بيانو
يقول أيهم إنه يملك اليوم ثلاث آلات بيانو. الأول موجود في مدينة بون، وقد رسم عليه علم فلسطين مع شخصية حنظلة. هذا البيانو يتمتّع بمواصفات "بيانو اليرموك" الذي أحرقه "داعش"، وهو موجود في المتحف الوطني في المدينة ويستخدمه في الحفلات التي تنظّم في المنطقة.

أما الآلتان الثانية والثالثة، فحكاية أخرى. يقول إنه بعد مقابلة مع إحدى الصحف المحلية في مدينة فيسبادن، "اقترحت عليّ إدارة الصحيفة تأمين بيانو آخر، كونه من الصعب نقله من بون إلى فيسبادن دائماً. وَضَعَت إعلاناً على صفحاتها لمن يريد التبرع. وبعد ساعتين، اتصلت بي الصحيفة لتخبرني بالتبرّع بـ 30 بيانو من قبل مواطنين، وكان عليّ الاختيار". يضيف: "ذهبت برفقة عدد من الأصدقاء والقيمين على الحملة، وزرنا معظم المتبرّعين في منازلهم، واخترنا اثنين منها. الأول قدّمته امرأة مسنّة كان زوجها قد أهداها إياه، إلا أنها لم تتعلّم العزف، وبقي مجرد تحفة فنية في المنزل. وبعدما تسلّمته، نقل إلى النادي الموسيقي في المدينة، كوني أقيم في مخيم، إلا أنه يمكنني العزف عليه متى أحتاجه".

أما البيانو الأخير، فكان حجمه أصغر، وعمدت شركة لتصنيع القوالب المعدنية في المدينة إلى صناعة عربة لحمله "وقد اعتمدت مواصفات معينة حتى أتمكن، وبأسهل طريقة ممكنة، من نقله من مكان إلى آخر". هكذا، يغني وهو يعزف: "اليرموك اشتقلك يا خيا"، و"أجراس الكنائس" وغيرهما.

بيتهوفن
يقول أيهم إن جائزة "بيتهوفن" التي حصل عليها شكّلت بالنسبة إليه "محطّة معنوية" أساسية في حياته، ومنحته ثقة أكبر في نفسه، ودفعته إلى العمل بجد. هذه الجائزة التي تمنح منذ القرن التاسع عشر للموسيقيين المدافعين عن حقوق الإنسان، والمناهضين للحروب، دفعته إلى الإيمان أكثر بموهبته، وأعادته إلى الأيام التي كان يرافق فيها والده، عازف الكمان الكفيف، في حفلاته في أحد مطاعم دمشق، منذ كان في السادسة من عمره، ليس حباً في الموسيقى بل لمساعدة والده في الذهاب إلى المطعم والعودة منه. كان يعزف ويغني، إلى أن اكتشف الابن حبّه للفن. يلفت إلى أنه كان لاحتراف والده "دور أساسي في صقل موهبتي". يضيف: "ها أنا اليوم محط أنظار العالم بفضل والدي".

يذكر أيهم اليوم الذي تبلّغ فيه ترشيحه لنيل الجائزة. يقول: "لم أكن أعلم أنني محلّ اهتمام أكاديميّة بيتهوفن إلا عندما تلقيت اتصالاً من أحد القائمين على الأكاديمية، ليخبرني أنني مرشح للجائزة الدولية لحقوق الإنسان والسلام التي تمنحها سنويا". ولأنه استغرب الأمر، أجاب انه لم يفعل شيئاً يضاهي ما فعله كثير من المبدعين في عالم الفن والموسيقى. فكان الرد: "تحمل في فكرك شيئاً من التغيير، وأردنا أن تكون جائزة هذا العام لأحد الذين يستوحون من فكر بيتهوفن، وليس من الضروري أن يكون اسماً ذائع الصيت". يضيف: "ما هي إلا أيام حتى حضر ممثل عن الأكاديمية إلى مخيم اللاجئين، حيث كنت أقيم في مدينة مونستر، وأخبرني عن الآلية المعتمدة لاختيار الفائز، وحدد تاريخ 18 ديسمبر/كانون الثاني عام 2015 لاستلامها، وذلك خلال حفل موسيقي في المتحف الوطني في مدينة بون، وهذا ما حصل".

يقول إن المفاجأة كانت كبيرة، لافتاً إلى أن الحفل كان ضخماً لناحية التنظيم والحضور الرسمي الرفيع. يتابع: "حضرت إلى الحفل بلباس أكثر من عادي. لكنّني لم أعد أفكّر في هذا الأمر لحظة استلامي الجائزة. في هذه اللحظة، رأيت صورة والدي أمامي، والساعات الخمس التي كنت أقضيها يومياً وعلى مدار خمسة أيام في الأسبوع ولمدة ست سنوات إلى جانبه، وهو يغنّي للآخرين ويطربهم. كان التصفيق يعلو بين الحضور تعبيراً عن إعجابهم به، فيما كنت أغفو أحياناً إلى جانب الكرسي الذي يجلس عليه في انتظار انتهاء الحفل والعودة إلى المنزل".

يختم أيهم حديثه لـ"العربي الجديد": "اليوم جاء دوري لأحصل على هذا التقدير. لكن للأسف، حصلت عليه في ظل غياب والدي وبعيداً عن سورية". يؤكد أن "أهمية هذه الجائزة تكمن في قيمتها المعنوية، التي تحملني مسؤولية كبيرة أيضاً، كونها تعطى لمبدعين من عالم الفن والموسيقى".

المساهمون