عارٌ ومشاعر أخرى

20 سبتمبر 2015
نتفرّج على النوادي الأوروبية تتبرع كل يوم أحد للسوريين(Getty)
+ الخط -
يشعر الإنسان العربي، إذا ما بحث في أعماقه عن بقايا كرامة، بأنه عاجز و"من غير لزمة"، على حد تعبير إخواننا المصريين. يشعر بكثير من الخيبة وهو يتابع ما يحدث لإخوانه السوريين على حدود الأغراب، والأعراب يتفرّجون على المشهد القاسي، تتقاذفهم الحدود، وتهينهم المدن، وتعبث بهم الحكومات، ويزايد على مأساتهم ساسة الشرق والغرب. تطلّ علينا كل يوم قصة وفاجعة، متبوعة بإهانة، ونحن نتابع أخبارهم في الصالونات المكيفة، ونكتفي بترتيب جمل لطيفة تحاول أن تصور المأساة وتمهلنا أياماً أخرى من راحة الضمير.

لقد هالنا ووبّخنا ما شاهدناه في بولندا عندما قررت جماهير أحد الفرق الرياضية أن تعاقب فريقها بسبب دعمه للاجئين، في حين نواصل نحن التصفيق لهدف نجمنا المفضل عشية الأحد. وفي الأثناء، تدعو دول جيش الاحتياط لمواجهة اللاجئين المهجرين، وتبني الجدار العازل تلو الجدار، وتقفل حدودها، وتتعالى الأصوات لإيقاف الزحف: دعوهم يموتون في البحر! 

لا يستطيع الإنسان أن يتمالك نفسه عن السؤال: كيف عجزت كل أوروبا القوية والغنية عن استقبال بضع عشرات الآلاف أو مئاتها؟ ألم تستقبل تونس الفقيرة والمتعبة ملايين اللاجئين بعد الثورتين التونسية والليبية؟ ألا يقيم بيننا إلى اليوم أكثر من مليون ليبي، يأكلون ويشربون معنا، ويدرس أطفالهم في مدارسنا؟ ومع ذلك فكأنهم غير موجودين أصلاً. لم يتغير شيء برغم ارتفاع الأسعار والتهاب العقارات، ولكنّ أحداً لم يعبر عن امتعاضه أو قلقه بسبب إخوانه، ولا فضل لنا عليهم. وما دام الحال كذلك، فلم لا تستقبل تونس أبناءها السوريين، ولم لا تفعل دول عربية أخرى أكبر وأغنى ما قدرت تونس على فعله؟ لو افترضنا أن الأمر صعب ومستحيل، فلم يتفرج العرب على النوادي الأوروبية وهي تتبرع كل يوم أحد للسوريين؟ أفلا تستطيع ملاعبنا ونوادينا أن تفعل الأمر عينه، وهو أضعف الإيمان؟ ما الذي أصابنا وألمّ بِنَا حتى تغيرنا إلى هذا الحدّ؟ لقد مرت مأساة الأقصى هذه المرة وكانّ شيئاً لم يحدث.. مجرد أخبار قصيرة في نشرات الأخبار، وإذا كان الأقصى لم يحركنا، فما الذي سيحركنا بعد الآن؟