عادل إمام وشركاه
قصة الأب البخيل التي يؤديها في مسلسله "مأمون وشركاه" مستهلكة، سبق أن تناولها أكثر من عمل درامي على الشاشة، وقد أجاد الدور قبله الراحل فريد شوقي، عندما قدّم عملاً رائعاً كتبه بنفسه، وهو مسلسل "البخيل وأنا"، استطاع وحش الشاشة أن يجذب الأسرة العربية نحو متابعة معاناة الأسرة من الأب البخيل، وسقوط الابنة الوحيدة بين براثن رجلٍ في سن أبيها، هرباً من بخل الأخير. ولكن، ما يُحسب لهذا السيناريو المحبوك بمهارة موقف الأم التي أدت دورها كريمة مختار، فهي لم تقلل من شأن الأب، ولم توغل صدور أولاده عليه بسبب بخله، مع علمها أنه يمتلك المال الذي في وسعه أن يجعلهم يعيشون حياة هانئة. وجلّ ما قامت به هو حثهم على تناول طبق "البصارة" الذي نهاهم عن تناوله، حتى يكملوا الطبق الذي وضعوا أيديهم مجتمعة فيه. إذن، كنا أمام نموذج أصبح نادراً للأم الصابرة والحريصة على تماسك أسرتها، لأنها تراه طيباً، على الرغم من بخله، وعلى الرغم من أن صفة البخل من الخصال التي ذمها العرب منذ القدم، وضربت بها الأمثال، ونظمت فيها الأشعار.
والأم البخيلة قطب مهم في الأسرة، قدمتها باقتدار الفنانة ماجدة زكي في مسلسلها الذي عرض في رمضان قبل سنوات، وحمل اسم" كريمة ....كريمة"، وقد بدت زوجة مخلصة، على الرغم من بخلها، وظلت وفيةً لزوجها حتى وفاته، لكنها انقلبت للضد بعد أن علمت أنه كان متزوجاً بأخرى. إذن، ترفض المرأة بطبعها الرجل، لأسبابٍ لا تتعلق بالمال أولاً، لكنها تتعلق بوفائه وحبه وعواطفه. وكان الأجدر لكي نصل إلى درجة إقناع المشاهد في عام 2016 أن نتحدّث عن ظاهرة الطلاق العاطفي بين الأزواج، والتي تعتبر أكبر مشكلةٍ تواجه الأزواج، المصريين خصوصاً والعرب عموماً. وعند دراسة صفة الزوج البخيل، نجد أنه نموذج نادر في حال الزوج والأب الذي يعيش في أوضاع مصر الحالية مثلاً، وحيث أصبح الوصول إلى الثراء بطرقٍ مشبوهةٍ سهلاً، وأصبحت المسافة بين طبقتين لا ثالث لهما مهولة، كالمسافة بين السماء والأرض، فالوضع السياسي في مصر أتاح الفرصة لظهور الأثرياء الجدد، لو أحسنا التعبير، والذين هادنوا النظام الحاكم، مثل الممثلين والكتاب والمذيعين، أمثلة قريبة أمام ما نسمعه عن مبالغ كبيرة يتلقونها عن أعمالهم ومهنهم، وعن ظهورهم الإعلامي مطبلين ومزمرين ومصفقين لنظام عبد الفتاح السيسي.
ليست الأسرة المصرية خصوصاً، والعربية عموماً، بحاجة للأب الكريم، والأب الثري من أمثال أثرياء هذا الزمان، فعلى العكس تماماً مما ظهر عليه "مأمون" في المسلسل الجديد لعادل إمام، فهم يبعثرون المال على زوجاتهم وأولادهم، ليشغلوهم عما يقومون به من نزواتٍ ومغامراتٍ نسائية، ويقع الطلاق العاطفي بين الأزواج والزوجات الذين يبدون في غاية السعادة أمام الآخرين، لكنهم، في الحقيقة، يعانون من بخل المشاعر والعواطف، حين يجمعهم سقف واحد، وتنعكس آثار هذا الطلاق على الأبناء الذين يدفعون ثمناً باهظاً له. ولذلك، كان الأحرى بكاتب كبير، مثل يوسف معاطي، أن يتناول قضية خطيرة مسكوتاً عنها، وأن يدقّ ناقوس الخطر، وأن يتوقف عن تصوير المال حلاً وحيداً لكل مشكلات الأسر العربية.