عائلة موصلية تروي لـ"العربي الجديد" معجزة نجاتها

09 مارس 2017
أطفال ناجون من الموت في الموصل (العربي الجديد)
+ الخط -

"وُلدنا من جديد"... بهذه العبارة استهل أبو محمد (41 سنة) رواية حكاية خروجه مع زوجته وأطفاله من منطقة المعارك في ساحل الموصل الغربي؛ من بين القذائف والصواريخ ونيران القناصة، إلى خارج المدينة مع آلاف النازحين.

لم تكن أحوال العائلة الموصلية على ما يرام، علامات الجوع بادية على الجميع، والدهشة لا تفارق الوجوه. يرتجف الابن الأصغر، سالم، وهو يسمع والده يعيد على "العربي الجديد"، ما مروا به خلال رحلة النجاة بحياتهم.

يقول أبو محمد، "كتب الله لنا الحياة. نحن محظوظون والحمد لله. كان الرصاص يمر من فوق رؤوسنا، والشظايا في كل مكان. تنقّلنا زحفا وركضا وهرولة ومشيا. تسعة كيلومترات ونحن على هذه الحال، بدت وكأنها مسيرة تسعة آلاف عام".

ويضيف "الطائرات تقصف أي شيء يتحرك. كنا نمر بين الجثث. جثث جنود ودواعش. أطفال ونساء ورجال. وكان هناك جرحى، لكن التوقف عندهم ولو لنصف دقيقة أو محاولة مساعدتهم يعني الموت. زوجتي كانت تبكي على حالهم، وأنا أقول لها ابكي على حالك. ربطت أطفالي بحبل لففته على بطني، وكانت زوجتي تمسك بحزامي، كنا جميعا نركض، ولما تعثر أصغرهم أرخيت الحبل وحملته أمه وركضنا مجددا، كنا نسمع صرخات تطلب منا التوقف لكننا لم نتوقف، ولا أدري لماذا لم يطلقوا النار علينا. أعتقد أنها دعوات أمي".

ويتابع أبو محمد "الطائرات قصفت الأحياء السكنية بعنف، وفي منطقتي انهار عدد كبير من المنازل على رؤوس ساكنيها، وكنت أسمع صراخهم من تحت الأنقاض. لم أقرر الخروج إلا بعد سقوط صاروخ في حديقة منزلي، فخرجنا من تحت الركام نركض في الشارع لا نعرف أين نتجه".

ويضيف "شاهدت عشرات الأسر تهرول إلى الشوارع، لكن لم يتمكن كثير منهم من النجاة. نحن وبضع عوائل فقط كتب لها الخلاص".


ولا يفارق مخيلة أبو محمد ما شاهده في شوارع الموصل خلال خروجه بأسرته، يوضح "أضاع كثيرون أسرهم في زحام الهرب من الموت، وأغلب الأسر فقدت أطفالها. لكن أكثر ما أثار رعبي كان مشاهدة عائلات تهرع بدون توقف رغم سقوط عدد من أفرادها بسبب القصف. الكل قرر النجاة بنفسه بسبب هول ما يجري، وبعض الأطفال خرجوا من تحت الركام إلى الشوارع يصرخون بعد أن قتلت عائلاتهم بالكامل".

ويبين "لا فارق بين داعش والقوات العراقية والتحالف الدولي، كلهم لا يراعون أي حرمة لدماء الأبرياء. الجميع يقصف بالصواريخ والمدافع والطائرات التي تسقط على السكان وتقتلهم".

بات أبو محمد وأسرته، وعشرات الأسر الأخرى، ليالي عدة في العراء من دون طعام أو أغطية، وحينما وصلوا إلى مناطق سيطرة القوات العراقية وجدوا أنفسهم في مأساة أخرى، فلا يوجد مكان لإيوائهم.

حال أبو محمد وأسرته كانت أفضل من أسر أخرى قضت في القصف أو تحت الأنقاض. يقول "كان هناك أطفال صغار يركضون وحدهم، وفتيات صغيرات يلتفتن يميناً وشمالاً بحثاً عن أسرهن. كانت جثث المدنيين في كل مكان على الأرصفة ووسط الشوارع".

وأطلق العراق، بدعم دولي واسع، حملة عسكرية لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل، في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016، في واحدة من أكبر العمليات العسكرية التي تشهدها البلاد منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، وتمكنت من السيطرة على الساحل الشرقي للمدينة، لتنتقل المعارك، منتصف الشهر الماضي، إلى الساحل الغربي من نهر دجلة.

ناجون من الموت في الموصل (العربي الجديد)