"عائلة عاطف هي الأسوأ حالاً". واقع يُجمع عليه سكّان مخيّم برج البراجنة للاجئين الفلسطينيين في بيروت. وضعها مأساويّ من دون أدنى شكّ، فهي "تعيش في ثلاّجة لتخزين الفواكه".
بصعوبة، يتحدّث عاطف عن حاله وحال عائلته. هو يعاني من مرض عصبّي بحسب ما يقول، لا يسمح له بالتركيز على الكلام والتعبير ووصف ما يمرّون به من ظروف قاسية. ملامح وجهه توحي بأنّه في السبعينيات من عمره، فيما هو لم يتخطّ الستّين. لا يخفي الرجل كيف أنّ الأسى والغضب إزاء الفقر الذي يعيشونه، يدفعان به "لا إرادياً" إلى ضرب زوجته وأطفاله الستة، بحسب ما يقول. تجدر الإشارة إلى أنّ أكبرهم مراهق يبلغ من العمر 16 عاماً، أمّا أصغرهم فلم يتجاوز العامَين.
يطلب عاطف السجائر، فهي "الوحيدة القادرة على مواساتي وتخفيف العبء عن قلبي". ويخبر كيف يقضي نهاراته، باحثاً بين القمامة عن علبة تصلح كطاولة أو قطعة خشب يمكن استعمالها ككرسيّ أو طعام يسدّ به جوعه وجوع أطفاله. وعندما يعثر على لعبة ما، يسعد ويحملها إلى طفله الصغير.
يخبر علي، وهو من جيران عاطف وعائلته، أنّ أهل المخيّم يطلقون على هذه العائلة تسمية "عائلة البرّاد". ويقول: "أنقذناهم من التشرّد والنوم على الأرصفة، تحت جسر الكولا في العاصمة بيروت. لم نجد لهم مكاناً للعيش إلا في هذه المنطقة الضيّقة. هي لا تصلح للبهائم، فكيف للبشر!". يضيف: "هذا البرّاد غير صحيّ وقد أقفل منذ أكثر من عشر سنوات. هو كان مخصصاً للفواكه، وبالتالي خالياً من أيّ فتحات للتهوية. كذلك، فإنّ الرطوبة تأكل الجدران ومن الصعب فتح نوافذ، لأنّ المبنى حيث البرّاد محاصر بجدران المباني العشوائية الملاصقة".
ويتابع: "صحيح أنّ الوضع مأساوي، إلا أنّ ليس في اليد حيلة. كلفة استئجار منزل مرتفعة (أكثر من 200 دولار أميركي شهرياً) ولا قدرة لأحد على مساعدتهم مادياً".
تبلغ مساحة برّاد عائلة عاطف 12 متراً مربعاً. حبل الغسيل المحمّل بثياب رثّة، يحجب رؤية مدخل "منزلها". وعند الدخول إليه، تخنقك رائحة العفن. هنا غرفة النوم، وهي في الوقت نفسه المطبخ وكذلك الحمام. أمّا مشهد الجرذان والقطط والحشرات، فهو طبيعي وقد اعتاد عليه محمد، الابن الأكبر، بحسب ما يقول. يضيف: "تعايشنا مع الواقع، وبتنا لا نطلب أكثر من الطعام لنصمد ونبقى أحياء".
يتنقل محمد بين منازل المخيّم، باحثاً عن أيّ عمل بسيط يقوم به في مقابل ولو حتى ألف ليرة لبنانية (أقلّ من دولار واحد)، من أجل شراء الخبز. ويسمح المراهق لنفسه بشراء نوع من الحلوى يحبّه، مرّة واحدة في الأسبوع أو الأسبوعَين. ويخبر أنّه ينظّف المحلات التجارية والحمامات لقاء ألف أو ألفَي ليرة لبنانيّة (0.66 - 1.33 دولار)، "فأنا لا أستطيع أن أطلب أكثر. ردّهم قد يكون: بإمكاننا جلب عامل سوري يعمل من دون مقابل". يضيف: "تقهرني عبارة: ما عجبك فلّ. كأنّني حيوان، يتحدّثون معي بنبرة متكبّرة. الفقر ليس عيباً، لكنّ الناس يتصرّفون معنا على أساس أنّ من لا يملك المال ليس بشيء".
اقــرأ أيضاً
يسأل المراهق الذي جعلته قساوة الحياة يكبر سريعاً، "هل سمحت لي الفرصة لأتعلم وأغيّر حياتي، ورفضت؟ لم أتعاطَ المخدرات ولم أسرق. لن أقول مثل باقي الأطفال إنّني أرغب في أن أصبح مهندسا أو طبيباً. في الأساس، لا أعلم إذا كنت بارعاً في الحسابات مثلاً. أنا لم أحمل قلماً من قبل". لكنّه يشدّد على أنّه كان وما زال يتمنّى أن يتعلّم "أيّ شيء يمنحني قيمة ويشعرني بأنّني شخص منتج في هذا العالم. لا أريد أن تكون حدودي حدود المخيّم. أشعر بأنّني أختنق ولا أحد يشعر بي".
من جهتها، تبكي أم محمد من دون توقّف وتسأل: "لماذا نحن متروكون"؟ هي مستاءة جداً من الوجود السوري في المخيّم، ولا تأبه التعبير عن استيائها. وتقول إنّ "اللاجئ السوري سلبنا مساعداتنا واهتمام العالم بمأساتنا. المؤن والفرش والأغطية كلها تذهب إلى العائلات السورية، على الرغم من أنّ بعضهم لا يحتاج إليها. لكن للأسف، الطمع بات مستشرياً. كلّ واحد يرغب في الحصول على حصّة غيره، من دون رحمة ولا رأفة". أم محمد، ببساطة، غاضبة من الفقر، غاضبة من فقر عائلتها. هي في حاجة إلى من ينتشلها وعائلتها وأطفالها من هذا البرّاد الذي أدخل الأمراض إلى أجسادهم. تخبر أنّ "طفلي الذي لم يتعدَّ سنواته السبع، بات يعاني من مرض الربو بسبب الرطوبة وهو يحتاج إلى الأدوية بصورة يومية".
وبأسى، تحكي أم محمد أيضاً كيف تتعرّض "للضرب والإهانات اليومية من زوجي الذي يعاني من أمراض تفقده صوابه". رأسها والجروح المتعددة فيه، دليل على المأساة التي تعيشها هذه المرأة التي لا يهتمّ أحد يها. وتمضي يومها متنقلة بين أحياء المخيّم لجمع قليل من المال والطعام لسدّ جوع أطفالها. تشكو: "مللت من طلب المال والتوسّل للناس إطعامي. سئمت لامبالاة العالم بأوضاع اللاجئ الفلسطيني في المخيّمات. كنّا نعيش في الشوارع ونحتمي بأوراق الشجر من الشمس والمطر. نحن نعيش على القمامة ومنها. هذا هو وضعنا باختصار".
اقــرأ أيضاً
بصعوبة، يتحدّث عاطف عن حاله وحال عائلته. هو يعاني من مرض عصبّي بحسب ما يقول، لا يسمح له بالتركيز على الكلام والتعبير ووصف ما يمرّون به من ظروف قاسية. ملامح وجهه توحي بأنّه في السبعينيات من عمره، فيما هو لم يتخطّ الستّين. لا يخفي الرجل كيف أنّ الأسى والغضب إزاء الفقر الذي يعيشونه، يدفعان به "لا إرادياً" إلى ضرب زوجته وأطفاله الستة، بحسب ما يقول. تجدر الإشارة إلى أنّ أكبرهم مراهق يبلغ من العمر 16 عاماً، أمّا أصغرهم فلم يتجاوز العامَين.
يطلب عاطف السجائر، فهي "الوحيدة القادرة على مواساتي وتخفيف العبء عن قلبي". ويخبر كيف يقضي نهاراته، باحثاً بين القمامة عن علبة تصلح كطاولة أو قطعة خشب يمكن استعمالها ككرسيّ أو طعام يسدّ به جوعه وجوع أطفاله. وعندما يعثر على لعبة ما، يسعد ويحملها إلى طفله الصغير.
يخبر علي، وهو من جيران عاطف وعائلته، أنّ أهل المخيّم يطلقون على هذه العائلة تسمية "عائلة البرّاد". ويقول: "أنقذناهم من التشرّد والنوم على الأرصفة، تحت جسر الكولا في العاصمة بيروت. لم نجد لهم مكاناً للعيش إلا في هذه المنطقة الضيّقة. هي لا تصلح للبهائم، فكيف للبشر!". يضيف: "هذا البرّاد غير صحيّ وقد أقفل منذ أكثر من عشر سنوات. هو كان مخصصاً للفواكه، وبالتالي خالياً من أيّ فتحات للتهوية. كذلك، فإنّ الرطوبة تأكل الجدران ومن الصعب فتح نوافذ، لأنّ المبنى حيث البرّاد محاصر بجدران المباني العشوائية الملاصقة".
ويتابع: "صحيح أنّ الوضع مأساوي، إلا أنّ ليس في اليد حيلة. كلفة استئجار منزل مرتفعة (أكثر من 200 دولار أميركي شهرياً) ولا قدرة لأحد على مساعدتهم مادياً".
تبلغ مساحة برّاد عائلة عاطف 12 متراً مربعاً. حبل الغسيل المحمّل بثياب رثّة، يحجب رؤية مدخل "منزلها". وعند الدخول إليه، تخنقك رائحة العفن. هنا غرفة النوم، وهي في الوقت نفسه المطبخ وكذلك الحمام. أمّا مشهد الجرذان والقطط والحشرات، فهو طبيعي وقد اعتاد عليه محمد، الابن الأكبر، بحسب ما يقول. يضيف: "تعايشنا مع الواقع، وبتنا لا نطلب أكثر من الطعام لنصمد ونبقى أحياء".
يتنقل محمد بين منازل المخيّم، باحثاً عن أيّ عمل بسيط يقوم به في مقابل ولو حتى ألف ليرة لبنانية (أقلّ من دولار واحد)، من أجل شراء الخبز. ويسمح المراهق لنفسه بشراء نوع من الحلوى يحبّه، مرّة واحدة في الأسبوع أو الأسبوعَين. ويخبر أنّه ينظّف المحلات التجارية والحمامات لقاء ألف أو ألفَي ليرة لبنانيّة (0.66 - 1.33 دولار)، "فأنا لا أستطيع أن أطلب أكثر. ردّهم قد يكون: بإمكاننا جلب عامل سوري يعمل من دون مقابل". يضيف: "تقهرني عبارة: ما عجبك فلّ. كأنّني حيوان، يتحدّثون معي بنبرة متكبّرة. الفقر ليس عيباً، لكنّ الناس يتصرّفون معنا على أساس أنّ من لا يملك المال ليس بشيء".
يسأل المراهق الذي جعلته قساوة الحياة يكبر سريعاً، "هل سمحت لي الفرصة لأتعلم وأغيّر حياتي، ورفضت؟ لم أتعاطَ المخدرات ولم أسرق. لن أقول مثل باقي الأطفال إنّني أرغب في أن أصبح مهندسا أو طبيباً. في الأساس، لا أعلم إذا كنت بارعاً في الحسابات مثلاً. أنا لم أحمل قلماً من قبل". لكنّه يشدّد على أنّه كان وما زال يتمنّى أن يتعلّم "أيّ شيء يمنحني قيمة ويشعرني بأنّني شخص منتج في هذا العالم. لا أريد أن تكون حدودي حدود المخيّم. أشعر بأنّني أختنق ولا أحد يشعر بي".
من جهتها، تبكي أم محمد من دون توقّف وتسأل: "لماذا نحن متروكون"؟ هي مستاءة جداً من الوجود السوري في المخيّم، ولا تأبه التعبير عن استيائها. وتقول إنّ "اللاجئ السوري سلبنا مساعداتنا واهتمام العالم بمأساتنا. المؤن والفرش والأغطية كلها تذهب إلى العائلات السورية، على الرغم من أنّ بعضهم لا يحتاج إليها. لكن للأسف، الطمع بات مستشرياً. كلّ واحد يرغب في الحصول على حصّة غيره، من دون رحمة ولا رأفة". أم محمد، ببساطة، غاضبة من الفقر، غاضبة من فقر عائلتها. هي في حاجة إلى من ينتشلها وعائلتها وأطفالها من هذا البرّاد الذي أدخل الأمراض إلى أجسادهم. تخبر أنّ "طفلي الذي لم يتعدَّ سنواته السبع، بات يعاني من مرض الربو بسبب الرطوبة وهو يحتاج إلى الأدوية بصورة يومية".
وبأسى، تحكي أم محمد أيضاً كيف تتعرّض "للضرب والإهانات اليومية من زوجي الذي يعاني من أمراض تفقده صوابه". رأسها والجروح المتعددة فيه، دليل على المأساة التي تعيشها هذه المرأة التي لا يهتمّ أحد يها. وتمضي يومها متنقلة بين أحياء المخيّم لجمع قليل من المال والطعام لسدّ جوع أطفالها. تشكو: "مللت من طلب المال والتوسّل للناس إطعامي. سئمت لامبالاة العالم بأوضاع اللاجئ الفلسطيني في المخيّمات. كنّا نعيش في الشوارع ونحتمي بأوراق الشجر من الشمس والمطر. نحن نعيش على القمامة ومنها. هذا هو وضعنا باختصار".