طُعم مسلسل فيينا

01 نوفمبر 2015

كيري ولافروف يدردشان قبل بدء اجتماعات فيينا (30اكتوبر/2015/Getty)

+ الخط -
كما كان متوقعاً، لم يخرج اجتماع فيينا السوري بأكثر من موعد لاجتماع آخر، لا يزال وقته غامضاً، بعدما اتفق الجميع على ترحيل الخلافات إلى أجل غير مسمى. بالتأكيد لن يكون الاجتماع المقبل فرصة لحل هذه الخلافات أو الوصول إلى قواسم مشتركة بين الأطراف المشاركة، والتي يمكن القول إنها بمثابة خطين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا، حتى لو حاول الأميركيون الوقوف في الوسط للجمع بينهما، وهو ما يقوم به وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، والذي أصبح يلعب دور الوسيط المحايد في القضية السورية، بل ربما يميل أكثر إلى ناحية الطرف الروسي ومن لف لفيفه من المشاركين.
هذا ما توضح في المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقد في نهاية اجتماع أول من أمس، وإشارة كيري إلى أن الاتفاق تم مع الروس على "محاربة الإرهاب"، وكأن الطرفين كانا في الأساس مختلفين على هذا الأمر، حتى يخرج علينا الوزير بمثل هذا التصريح. لكنه لم يقل لنا وفق أي تصور ستتم محاربة الإرهاب في سورية، هل هو وفق التصور الروسي، القائم على اعتبار أن كل من هو عدو لنظام بشار الأسد إرهابي يستحق القصف بطائرات السوخوي، وهي نظرية النظام نفسه منذ البداية، أم وفق الرؤية الأميركية السابقة التي كانت ترى في إزاحة الأسد ركناً أساسياً من محاربة "داعش"، وغيره من الأطراف التي تدور في فلكه.
ربما لا يهم الآن توضيح هذا التصور، لكن الأفضل الإعلان عن أي اتفاق بعد هذه اللقاءات الماراتونية، والتي لم تترك أحداً لم تستوعبه، باستثناء السوريين طبعاً. اتفاق مرحلي على عنوان عريض، ولتترك تفاصيله لاحقاً. تماماً كما هو الاتفاق على بحث مرحلة انتقالية للوضع السوري. وكأن هذا الأمر كان عليه خلاف منذ البداية، فالجميع، ومنذ اليوم الأول لبدء البحث عن حل سياسي للوضع السوري، أي قبل نحو ثلاثة أعوام، كان يتحدث عن مرحلة انتقالية يذهب في نهايتها النظام. لكن الخلاف حول كيفية ذهابه ودوره ومصيره ما بعد هذه المرحلة الانتقالية، وما إذا كان له حق المشاركة في الحياة السياسية لاحقاً، بقيت موضع خلاف لا حل له. وهذا ما يظهر أيضاً في لقاءات فيينا التي لم تقدم جديداً، بل أعلنت الاتفاق على ما هو متفق عليه أساساً، وتركت الخلافات إلى موعد لاحق، من دون أي إشارة إلى إمكان تجسير الفجوات، حتى إن الأمور بعد الاجتماع ذهبت إلى عكس ذلك، مع الكلام مجدداً عن "الحسم في أرض المعركة" الذي قاله وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير.
ما الغاية إذاً من الاجتماع الحالي والسابق والتالي، إذا كانت ذروة الاتفاق هي على عناوين عريضة غير مختلف عليها في الأساس؟ من المؤكد أن هناك من فهم الغاية الروسية تحديداً من هذا الاجتماع، والتي كانت بمبادرة من فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف، وعلى أساس هذا الفهم يمكن تفسير تصريحات الجبير. فمن الواضح أنه ليس للروس أي مبادرة جديدة يقدمونها في الاجتماعات، وكل ما روّج سابقاً عن مبادرات لحل الأزمة بخروج الأسد من السلطة، ليس له أي نصيب من الحقيقة، وكان ترويجها جزءاً من الاستراتيجية الروسية لتقطيع الوقت وإلهاء الأطراف بمتاهة من الاجتماعات، في وقت ينشغل فيه الروس بتعديل موازين القوى على أرض المعارك، سواء عبر الغارات الجوية أو عبر الدخول العسكري المباشر على الأرض. تغيير موازين سيكون له وزنه في المسلسل الحواري هذا، الطويل الأمد، فمع كل تأجيل أو ترحيل للخلاف، يكون الروس، ومعهم النظام السوري وإيران وحلفاؤهما، قد حققوا مكاسب جديدة يمكن المساومة عليها على طاولة المفاوضات.
بناء عليه، تبدو فيينا، بأجزائها المختلفة، طعماً روسياً تحاول إبلاعه للأطراف الفاعلة في الساحة السورية، تمهيداً لاصطياد مزيد من الإنجازات الخاصة لها وللنظام، على حساب المعارضة السورية باسم "محاربة الإرهاب".
حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".