توجد في هولندا نحو ألف طاحونة، منها ما بني منذ قرون طويلة. وبناؤها يعد حرفة هولندية تقليدية، وهي بمثابة إرث قومي، يمنع بيعها أو المساعدة على بناء مثيلها خارج المملكة
تصارع الطواحين الهولندية هواء الزمن لئلا تندثر، بعضها تحوّل متاحف، وبعضها ما زال مفضلاً للخبّازين، خاصة القادمين من جهات الأرض المترامية، إلى البلاد المنخفضة. القمح والشعير والذرة والدخن، وحبوب أخرى، للأفارقة والمغاربة والأتراك والآسيويين، طعم الخبز والمعجنات المصنوعة بدقيق طُحن على مهل، ونضج في حرارة مدروسة وفق وصفات مطابخ الشرق أو الغرب. كما أن العديد منها يستخدم في استخراج الزيوت وصناعة الورق وتقطيع الخشب.
نحو ألف طاحونة في هولندا تعمل بشكل طبيعي، منها ما بني منذ قرون طويلة، فصنعة بناء الطواحين حرفة هولندية تقليدية، وتعد إرثاً قومياً واقتصادياً محمياً بقوانين ملزمة، تمنع بيع قطع غيارها أو المساعدة في بنائها خارج المملكة، بعد أن تسابق العالم في ما مضى لبناء نسخ من طواحين هولندا، لأغراض اقتصادية وزراعية وثقافية، وحين تضررت الصنعة بتسرب "شيوخها" خارج البلاد، سن الهولنديون قانونا في القرن السابع عشر يمنع نقل أو المساعدة في بناء وتصدير طواحين الهواء وما لوازم إنشائها.
تدور كثير منها دون أعطاب أو ركاكة في الوظيفة والحركة، تستقبل هواء الشمال البارد القاسي، ولا تتركه هباء، كثير منها يخضع منذ نحو عقد ونصف لترميم برعاية المؤسسات الحكومية والأهلية المدنية. ويساهم دخل تلك التي حولت إلى متاحف في ترميم ودوام عمل الموروث الحضاري للهولنديين، حيث إن طواحين الهواء باتت أكثر من "ثقافة" و"هوية"، باتت استثمارا معاصراً ومجدياً للمواطنين ورأس المال، من خلال توليد الطاقة الكهربائية للمنازل والشركات من خلال الرياح، فالفاتورة الاقتصادية والبيئية باتت أقل كلفة وضررا.
القديم منها حجري أو خشبي، بمتوسط طول يقدر بنحو 25 مترا، تدور باتجاه عقارب الساعة. أما الحديثة فوزن بنائها أخف وأكثر مرونة وضجيج أقل، وتعاكس عقارب الساعة في حركتها، لكنها لا تدق الحبوب وتطحنها، بل تولد الطاقة، وتسهم في إنارة عشرات آلاف المنازل.
أدرجت منظمة الأمم المتحدة للثقافة والفنون "يونيسكو" بعضا من تلك الطواحين على قائمة التراث العالمي، كمعالم يجب الحفاظ عليها وحمايتها، وتقع تلك الطواحين في بلدة "مولن فارد" جنوب هولندا، وتنتصب تسع عشرة طاحونة تعرف باسم طواحين كندرديك على امتداد قناتي ماء تلتقيان لتشكيل أحد الأنهار الذي يصب في روتردام المجاورة، بني بعض من هذه في أواخر القرن الخامس عشر، فيما الباقي بني بين عامي 1738 و 1740. معظم العاملين والمشغلين لتلك الطواحين اليوم هم من المتطوعون، الذين يخضعون لدورات تأهيلية تساعدهم على إدارة وتشغيل طاحونة الهواء، ويحصلون على شهادة تثبت ذلك. كثير من هؤلاء هم فتية وشبان يافعون، يدركون قيمة الطاحونة التي ساهمت في نهوض هولندا زراعياً وصناعياً، أحد عوامل احتلال المملكة لمكانة متقدمة في لائحة الدول الغنية والشعوب التي توصف بأنها "الأكثر رفاهية".
أصوات المسننات الخشبية والنوابض القديمة في متحف "دو فالك" (الصقر) في مدينة لايدن، تعيد الزائر إلى الزمن الأول للمكننة الزراعية، والقدرة العجيبة للعقل الإنساني في ابتداع وسائل تحاول تطويع الطبيعة بما يتوافق مع حاجاته، وإلى البيت الذي تقاسمه مالكو الطاحونة الأوائل، ثم الطحان وعماله. صحيح أن المساحة المخصصة للسكن صغيرة وضيقة، لكنها كانت تكفي لسكن عائلة العامل أو المالك بشكل كامل، المساحة الأرضية قسمت ما بين منطقة مخصصة للنوم عبارة عن سرير للزوجين وسريرين للأبناء، أما المساحة العلوية فالمسننات والعجلات وباقي أجزاء الطاحونة تشغل جلها، النوم فيها صعب بسبب الضجيج، لكنها ليست مشكلة لدى كثيرين استخدموا سابقا تلك المساحات في طواحين موجودة في طول البلاد وعرضها، أما المطبخ فهو عبارة عن مساحة محدودة في الطبقة الأرضية فيما كان السكان حينذاك يستخدمون مرحاضا خارج الطاحونة. بنيت طاحونة "دو فالك" على مرحلتين، الأولى في عام 1667، والثانية في عام 1743، اليوم تولد الطاقة الكهربائية المستخدمة في إنارة المتحف ومرافقه.
تدرجت رحلة الطواحين من كونها آلات سهلت ونهضت بالزراعة والحرف الصغرى، إلى صناعة بحد ذاتها عمل الهولنديون على حماية أسرارها، ثم صارت جزءا من المنظور العام للطبيعة الهولندية نقلها آلاف الفنانين والكتاب، وصولا لمنتج عصري لا يفاخر بمكانته التاريخية فحسب، بل يستخدم يومياً.
اقرأ أيضاً: هولندا تستورد السجناء... ومعتقلاتها فنادق
تصارع الطواحين الهولندية هواء الزمن لئلا تندثر، بعضها تحوّل متاحف، وبعضها ما زال مفضلاً للخبّازين، خاصة القادمين من جهات الأرض المترامية، إلى البلاد المنخفضة. القمح والشعير والذرة والدخن، وحبوب أخرى، للأفارقة والمغاربة والأتراك والآسيويين، طعم الخبز والمعجنات المصنوعة بدقيق طُحن على مهل، ونضج في حرارة مدروسة وفق وصفات مطابخ الشرق أو الغرب. كما أن العديد منها يستخدم في استخراج الزيوت وصناعة الورق وتقطيع الخشب.
نحو ألف طاحونة في هولندا تعمل بشكل طبيعي، منها ما بني منذ قرون طويلة، فصنعة بناء الطواحين حرفة هولندية تقليدية، وتعد إرثاً قومياً واقتصادياً محمياً بقوانين ملزمة، تمنع بيع قطع غيارها أو المساعدة في بنائها خارج المملكة، بعد أن تسابق العالم في ما مضى لبناء نسخ من طواحين هولندا، لأغراض اقتصادية وزراعية وثقافية، وحين تضررت الصنعة بتسرب "شيوخها" خارج البلاد، سن الهولنديون قانونا في القرن السابع عشر يمنع نقل أو المساعدة في بناء وتصدير طواحين الهواء وما لوازم إنشائها.
تدور كثير منها دون أعطاب أو ركاكة في الوظيفة والحركة، تستقبل هواء الشمال البارد القاسي، ولا تتركه هباء، كثير منها يخضع منذ نحو عقد ونصف لترميم برعاية المؤسسات الحكومية والأهلية المدنية. ويساهم دخل تلك التي حولت إلى متاحف في ترميم ودوام عمل الموروث الحضاري للهولنديين، حيث إن طواحين الهواء باتت أكثر من "ثقافة" و"هوية"، باتت استثمارا معاصراً ومجدياً للمواطنين ورأس المال، من خلال توليد الطاقة الكهربائية للمنازل والشركات من خلال الرياح، فالفاتورة الاقتصادية والبيئية باتت أقل كلفة وضررا.
القديم منها حجري أو خشبي، بمتوسط طول يقدر بنحو 25 مترا، تدور باتجاه عقارب الساعة. أما الحديثة فوزن بنائها أخف وأكثر مرونة وضجيج أقل، وتعاكس عقارب الساعة في حركتها، لكنها لا تدق الحبوب وتطحنها، بل تولد الطاقة، وتسهم في إنارة عشرات آلاف المنازل.
أدرجت منظمة الأمم المتحدة للثقافة والفنون "يونيسكو" بعضا من تلك الطواحين على قائمة التراث العالمي، كمعالم يجب الحفاظ عليها وحمايتها، وتقع تلك الطواحين في بلدة "مولن فارد" جنوب هولندا، وتنتصب تسع عشرة طاحونة تعرف باسم طواحين كندرديك على امتداد قناتي ماء تلتقيان لتشكيل أحد الأنهار الذي يصب في روتردام المجاورة، بني بعض من هذه في أواخر القرن الخامس عشر، فيما الباقي بني بين عامي 1738 و 1740. معظم العاملين والمشغلين لتلك الطواحين اليوم هم من المتطوعون، الذين يخضعون لدورات تأهيلية تساعدهم على إدارة وتشغيل طاحونة الهواء، ويحصلون على شهادة تثبت ذلك. كثير من هؤلاء هم فتية وشبان يافعون، يدركون قيمة الطاحونة التي ساهمت في نهوض هولندا زراعياً وصناعياً، أحد عوامل احتلال المملكة لمكانة متقدمة في لائحة الدول الغنية والشعوب التي توصف بأنها "الأكثر رفاهية".
أصوات المسننات الخشبية والنوابض القديمة في متحف "دو فالك" (الصقر) في مدينة لايدن، تعيد الزائر إلى الزمن الأول للمكننة الزراعية، والقدرة العجيبة للعقل الإنساني في ابتداع وسائل تحاول تطويع الطبيعة بما يتوافق مع حاجاته، وإلى البيت الذي تقاسمه مالكو الطاحونة الأوائل، ثم الطحان وعماله. صحيح أن المساحة المخصصة للسكن صغيرة وضيقة، لكنها كانت تكفي لسكن عائلة العامل أو المالك بشكل كامل، المساحة الأرضية قسمت ما بين منطقة مخصصة للنوم عبارة عن سرير للزوجين وسريرين للأبناء، أما المساحة العلوية فالمسننات والعجلات وباقي أجزاء الطاحونة تشغل جلها، النوم فيها صعب بسبب الضجيج، لكنها ليست مشكلة لدى كثيرين استخدموا سابقا تلك المساحات في طواحين موجودة في طول البلاد وعرضها، أما المطبخ فهو عبارة عن مساحة محدودة في الطبقة الأرضية فيما كان السكان حينذاك يستخدمون مرحاضا خارج الطاحونة. بنيت طاحونة "دو فالك" على مرحلتين، الأولى في عام 1667، والثانية في عام 1743، اليوم تولد الطاقة الكهربائية المستخدمة في إنارة المتحف ومرافقه.
تدرجت رحلة الطواحين من كونها آلات سهلت ونهضت بالزراعة والحرف الصغرى، إلى صناعة بحد ذاتها عمل الهولنديون على حماية أسرارها، ثم صارت جزءا من المنظور العام للطبيعة الهولندية نقلها آلاف الفنانين والكتاب، وصولا لمنتج عصري لا يفاخر بمكانته التاريخية فحسب، بل يستخدم يومياً.
اقرأ أيضاً: هولندا تستورد السجناء... ومعتقلاتها فنادق