طهران ــ واشنطن: توتر متصاعد وتهديدات مطعّمة باستعدادات عسكرية

11 فبراير 2017
خلال تظاهرات ذكرى "الثورة" في طهران أمس (أصاحي شيمبون/Getty)
+ الخط -

لطالما ارتبط إحياء ذكرى الثورة الإسلامية في إيران بشعارات العداء لأميركا، وبالتأكيد على استمرار سياسات الجمهورية الإسلامية الداخلية والإقليمية والدولية على حدّ سواء. لكن الذكرى الثامنة والثلاثين حملت طابعاً أكثر حدة، أمس الجمعة، خصوصاً أنها تأتي بعد ذكرى سابقة، جرّبت إيران خلالها أجواء التهدئة إبان التوصل للاتفاق النووي مع الغرب. وانعكس هذا التصعيد في تصريحات المسؤولين، وفي شعارات المتظاهرين ممن خرجوا هاتفين ضد الولايات المتحدة ورئيسها دونالد ترامب. وجاءت أجواء الشارع مشابهة لقرع الطبول العسكرية مجدداً بين واشنطن وطهران، أيام ما كان عليه الحال في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، ونظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد.

وأظهر الإيرانيون، شعبياً ورسمياً، امتعاضاً حادّ اللهجة من التصريحات الصادرة أخيراً عن الإدارة الأميركية، ومن قرار ترامب الذي أدى لفرض عقوبات جديدة على شخصيات وكيانات إيرانية، أو مرتبطة بإيران، على خلفية تجربة صاروخية باليستية، قالت عنها واشنطن في البداية إنها تنتهك قرار مجلس الأمن الدولي 2231، والذي يمنع البلاد من امتلاك أسلحة من هذا النوع. وهو ما رفضته إيران جملة وتفصيلاً، كون الصواريخ غير قابلة لحمل رؤوس نووية، ما يعني عدم ارتباط الملف التسليحي بالملف النووي، بحسب مسؤوليها.

وقبل أيام قليلة، علّق المرشد الإيراني علي خامنئي على تهديدات ترامب كذلك، وعلى تصريحاته التي أفاد خلالها بأنه على إيران أن تكون ممتنة للرئيس السابق باراك أوباما، متهماً إياها بدعم الإرهاب، ومؤكداً أن كل الخيارات ستكون متاحة على الطاولة للتعامل مع هذا البلد مستقبلاً، فذكر خامنئي بالمقابل أن الإيرانيين سيردّون على ترامب في ذكرى انتصار الثورة.

تساءل المرشد حينها عن الأسباب التي تستدعي أن تقدم طهران شكرها لأوباما، "ففي زمنه فرضت العقوبات، ودعمت واشنطن الحرب في سورية والعراق، ووقفت مع تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومدّت يد العون لفتنة عام 2009"، حسب وصفه، في إشارة منه لاحتجاجات الحركة الخضراء، والتي أثارها مناصرو المرشح الإصلاحي مير حسين موسوي تشكيكاً بنتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها أحمدي نجاد بدورة رئاسية ثانية، وكبرت دائرتها بعد ذلك.



وتقدّم خامنئي بالشكر لترامب، معتبراً أن سياسات هذا الأخير كشفت الوجه الحقيقي لأميركا، وهي المهمة التي كانت تقع على عاتق إيران، فسهّل عليها الأمر. فتحولت جملته هذه لشعار انتشر في كل مكان في ذكرى انتصار الثورة، وهو ما جعل كثراً يعلقون على العقوبات الأميركية الجديدة، مبدين عدم ثقتهم بواشنطن التي لطالما استعدت إيران، سواء بوجود الاتفاق النووي، أو بعدمه. وحتى إن وجد على الأرض من شارك في تظاهرات إحياء ذكرى الثورة ممن يدعون للتقارب مع الغرب، والاستفادة من مكتسبات الاتفاق النووي، وهم ذاتهم من أيدوا خطاب الانفتاح والدبلوماسية، إلا أن قرار ترامب المعلّق، والمرتبط بحظر سفر مواطنين من سبع دول على رأسها إيران إلى الأراضي الأميركية، جعل كثراً في الداخل ومنهم هؤلاء، ممتعضين من السياسة الأميركية الجديدة.

وتوجّه ملايين الإيرانيين، بحسب الإحصاءات الرسمية، وبينهم مئات من أفراد الجيش والشرطة، إلى ميدان أزادي (الحرية) في طهران لإحياء ذكرى الثورة. وحملوا لافتات كُتب عليها "الموت لأميركا" وحملوا دمى لترامب، بينما عزفت الشرطة العسكرية الأغاني الثورية الإيرانية تلبية لدعوة خامنئي يوم الثلاثاء، للمشاركة في الاحتجاجات، لتأكيد أن إيران لا تخشى "التهديدات" الأميركية.

وعرض التلفزيون الرسمي لقطات لأشخاص يدوسون صورة لترامب في المسيرات، بمشاركة أغلب القيادات السياسية والعسكرية في البلاد، وبرز من بينهم قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني. كذلك حمل بعضهم صوراً لترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي كُتب تحتها "الموت لثلاثي الشيطان".

بدوره، أبدى الرئيس الإيراني حسن روحاني تحفّظاً على كل ما يجري من قبل الطرف الأميركي، وهو ما فتح ناراً تؤشر على أن مستوى العداء مع أميركا بعد وصول ترامب للبيت الأبيض بات أكثر حدة. وقال روحاني خلال كلمته بمناسبة ذكرى الثورة، إنه "يجب مخاطبة الشعب الإيراني باحترام وبأن الولايات المتحدة ستندم على استخدام هذا الخطاب". وأكد أن "بلاده لن تسكت على الخيانة الأميركية للإيرانيين، وأخذ أموالهم وحقوقهم عنوة"، في إشارة منه للأموال الإيرانية المجمّدة في المصارف الأميركية، والتي قررت واشنطن مصادرتها قبل فترة لدفعها كتعويضات لأقارب ضحايا الإرهاب، متهمة إيران بتمويل التنظيمات الإرهابية. وأشار الرئيس الإيراني إلى أن "شكوى بلاده الرسمية ضد واشنطن باتت مسجلة في محكمة العدل الدولية في لاهاي، وما زالت تنتظر الإجراءات القانونية، في محاولة لمحاسبة أميركا".

واعتبر روحاني أيضاً أن "المجتمع الدولي بات معترفاً بحقوق إيران النووية"، مؤكداً أن "نشاط بلاده النووي مستمر". ومن ناحية أخرى أشار إلى أن "طهران لا تشكل تهديداً على الدول الجارة، وعلى أمن المنطقة، لكنها تقف بوجه ظلم وطمع قوى الاستكبار". وهو ما يؤشر إلى محاولة تحقيق التوازن في الرد السياسي الإيراني الحالي، على الرغم من كل التصعيد، فروحاني ذكر أن بلاده ستواجه ما يحصل بالحكمة والمنطق والصمود.



هذا الخطاب قد لا يكون حديثاً بالنسبة للإيرانيين، لكنه أيضاً يأتي بعد تصعيد أميركي واضح، قررت إيران مقابلته بالمثل نوعاً ما، فضلاً عن هذا، نشرت السلطات "بيان ذكرى الثورة"، والذي جاء فيه أن "الصواريخ الإيرانية تشكل قوة الردع في البلاد، وبأن المؤسسات العسكرية المعنية بتطويرها لن تتوانى عن مهمتها هذه، كما ستركز كل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية على رصد تهديدات أميركا، عدو إيران الأول"، بحسب وصف البيان.

وفي البيان أيضاً، تمّ التأكيد على "ضرورة حفظ وحدة أراضي المنطقة، ورفض إيران تقسيم سورية والعراق". وهو أمر يعني أن طهران تدرك أن التصعيد الأميركي لا يتعلق بالاتفاق النووي وحسب، على الرغم من عدم رضا ترامب الواضح للغاية عنه، إذ يدور الحديث عن أن ما يجري في الوقت الراهن يتعلق بمحاولة محاصرة الدور الإيراني في كل من سورية والعراق بالدرجة الأولى.

ميدانياً، بدأ الحرس الثوري الإيراني مناورات انطلقت، يوم السبت الماضي، في سمنان شمال إيران، اختبر خلالها صواريخ من طراز "خرداد 3"، و"طبس"، و"صياد 2"، بالإضافة إلى اختبار منظومة رادارات محلية الصنع. وأجرت قواته الجوفضائية تدريباً على صدّ القذائف واعتراض صواريخ أرض ـ أرض، عبر استخدام منظومة رصد محلية، ورفعت شعار "اليقظة والإرادة وازدراء العقوبات والتهديدات"، وجاءت بعد أيام قليلة من إجراء قيادة الدفاع الجوي المرحلة الأولى لمناورات مماثلة.

وكشفت وزارة الدفاع الإيرانية عن خمسة أسلحة خفيفة، مصنّعة محلياً، أتت ضمن الإنجازات التي يتم الإعلان عنها بمناسبة انتصار الثورة في كل عام، وقرأت هذه الأمور على أنها تحمل رسائل عسكرية تحاول مضاهاة ما تفعله واشنطن.

ويعود ملف المنظومة الصاروخية بتعقيداته لأكثر من عام، إذ عطّل هذا العنوان المفاوضات النووية مع الغرب مرات عدة. ونقلت مصادر إيرانية أن واشنطن أصرت على وضع هذا العنوان على الطاولة، وهو ما قابله رفض قطعي، خصوصاً أن الحرس الثوري هو من يتسلم زمام هذا الأمر، لا الخارجية التي أدارت دفة المفاوضات حينها.

وبعد توقيع البرلمان الإيراني الاتفاق، صوّت نوابه على قرار يلزم الحكومة باستمرار تطوير المنظومة العسكرية الدفاعية ومنها تلك الصاروخية، وبالتزامن مع دخول الاتفاق حيز التنفيذ العملي في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، فرضت واشنطن عقوبات على شركات وأشخاص على ارتباط بمنظومة إيران الصاروخية أيضاً.

كل هذا، يجعل ملف الصواريخ الإيرانية ملفاً خلافياً منذ فترة سبقت ترامب، لكنه قد يوصل الأمور بعده إلى مكان أكثر حساسية، وهو ما يرفع بالضرورة من حدة لهجة التصعيد من قبل الطرف الإيراني في الوقت الراهن تحسباً من الآتي، لا سيما أن الولايات المتحدة بقيادتها الجديدة مصرة كذلك على اتخاذ هذا المنحى.

ومع أن طهران تريد الحفاظ على اتفاقها النووي الذي وصلت إليه بشق الأنفس، إلا أنها تدرك أن القواعد الأميركية وتهديدها يجاوران حدودها الجنوبية من جهة مياه الخليج، وهو ما يجعل الجميع، من سياسيين وعسكر، على دراية بالتصريحات الصادرة في المرحلة الراهنة، على الرغم من أن البلاد تتحدث عن ضرورة فصل الملفين الصاروخي عن النووي، لكنها تعلم أن الإصرار على تجهيز القدرة العسكرية قد يشكّل قوة ردع لها، وهو ما اتبعته البلاد خلال سنوات سابقة.