فجأةً، أقالت حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني محافظ البنك المركزي، ولي الله سيف، من منصبه بعدما حملته أطراف محسوبة على السلطة المسؤولية عن التدهور المتواصل في سعر صرف العملة المحلية التي هوى سعرها من 88 ألف ريال للدولار الواحد في بداية الشهر الجاري إلى 95 ألف ريال يوم الثلاثاء، كما حملته أزمة غلاء أسعار سلع رئيسية، وهروب الأموال للخارج، بل والتسبب في ارتباك المشهد الاقتصادي برمته.
وعينت حكومة روحاني، في اجتماع عقدته أمس الأربعاء، عبد الناصر همتي محافظاً جديداً للبنك المركزي الإيراني خلفاً لولي الله سيف، كما عينت رئيساً لمنظمة الإدارة والتخطيط بدلاً من الرئيس الحالي.
وذكرت وكالة تسنيم للأنباء أنه جرى تعيين علي طيب نيا رئيساً لمنظمة الإدارة والتخطيط الإيرانية التي تعد الميزانية السنوية للبلاد، وعمل طيب نيا وزيراً للشؤون الاقتصادية والمالية خلال فترة الرئاسة الأولى لروحاني.
وقالت مصادر رفضت ذكر اسمها إن روحاني يجري حزمة تعديلات ستطال المناصب الكبرى في حكومته، بسبب الوضع الاقتصادي المرتبك وبهدف إجراء إصلاحات اقتصادية خاصة مع قرب تطبيق العقوبات الأميركية على بلاده، وأضافت المصادر أن التغييرات جاءت في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من تداع اقتصادي وتهاوي قيمة العملة المحلية تسبب في خروج احتجاجات عامة في العاصمة طهران.
ويتعرض روحاني لضغوط متزايدة لإجراء تغييرات في فريقه الاقتصادي بسبب الإخفاقات المتواصلة خاصة عقب إعلان أميركا عن انسحابها من الاتفاق النووي، ووفقاً لما نقلته وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء، قال روحاني أمس "الوضع اليوم يتطلب جلب قوة جديدة بروح جديدة... آمل أن نري تطورات جيدة في القضايا النقدية والاقتصادية والمصرفية بفضل اختيارنا التكتيكات والأساليب الملائمة".
في ذات الوقت، ذكرت مواقع إيرانية أن المتحدث باسم الحكومة ورئيس مؤسسة التخطيط والموازنة محمد باقر نوبخت قد تقدم باستقالته من كل مناصبه.
وكان نوبخت قد ذكر في تصريحات أمس الأربعاء، أنه جاهز للاستقالة من هذه الحكومة، مؤكداً أنه تقدم بها للرئيس روحاني الذي لم يوافق عليها بعد، داعياً لوضع تصفية الحسابات السياسية جانباً لأجل تحقيق مصالح الإيرانيين حسب تعبيره.
ويبدو أن السلطات الإيرانية تراهن على المحافظ الجديد في إعادة الاستقرار لسوق الصرف المضطرب، حيث قال روحاني خلال الاجتماع الحكومي أمس، إن لدى همتي تجارب واسعة في القطاع المصرفي والمالي.
واعتبر أن من أبرز المسؤوليات التي تقع على عاتقه تلك المرتبطة بتحسين العلاقات المصرفية مع الأطراف الثانية، وضرورة الحفاظ على الاحتياطي من العملة الصعبة، مشيداً بجهود المحافظ المقال الذي اعتبر أنه طبق كل السياسات الحكومية بشكل جاد، كما وقف بوجه المؤسسات المالية غير الشرعية.
وأكد روحاني أن من أولويات محافظ البنك المركزي الجديد اصلاح النظام المصرفي والسياسات المالية والنقدية وتحسين الروابط المصرفية مع العالم وتنمية الاتفاقيات النقدية الثنائية وصون ومراقبة احتياطي النقد الأجنبي للبلاد.
وقال رئيس اللجنة الاقتصادية البرلمانية محمد رضا بور إبراهيمي، إن تعيين همتي محافظاً جديداً للبنك المركزي والحديث عن التغييرات الحكومية انعكسا بشكل إيجابي في سوق المال والعملة الصعبة، ونقلت عنه وكالة إيسنا قوله إن الشارع الإيراني والبرلمان وخبراء الاقتصاد ينتظرون من هذه التغييرات في المناصب أن تترك تبعات إيجابية على الاقتصاد.
وقبل تعيين همتي البالغ من العمر 61 عاماً محافظا جديداً للبنك المركزي، كان سفيراً لإيران في الصين، كما تولى سابقاً عدة مناصب اقتصادية، أبرزها في قطاعي التأمين والمصارف، ويحمل شهادة الدكتوراه في علم الاقتصاد وهو أستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة طهران، كما أن لديه مؤلفات عديدة من بينها الاقتصاد النفطي، التنمية الاقتصادية، والمشكلات الاقتصادية في العالم الثالث.
وظل همتي رئيساً لمؤسسة التأمين في إيران لثلاث دورات متتالية تجاوزت العشر سنوات، كما كان رئيساً للمجلس الأعلى للتأمين، ولعب دوراً في وضع خطط للخصخصة في القطاع ذاته، ونال لقب "أب شركات التأمين الخاصة"، كما كان يشغل منصب مدير عام شركة التأمين المركزية.
وسبق أن تولى رئاسة بنك "ملي" الحكومي، كان كذلك مديراً لبنك سينا الإيراني لسبع سنوات، وحاول إخراج هذا المصرف من لائحة العقوبات الغربية ونجح بذلك بموافقة المحكمة الأوروبية العليا.
وحين كان روحاني أميناً لمجلس الأمن القومي، كان همتي عضواً في اللجنة الاقتصادية التابعة لذات المجلس، وخلال رئاسة الإصلاحي محمد خاتمي اقترح المحافظ الجديد للبنك المركزي تأسيس صندوق مخزون العملة الصعبة.
ويحسب على محافظ المركزي الإيراني المقال ولي الله سيف، قرار تثبيت سعر صرف الريال قبل شهرين عند 42 ألف ريال. حيث واجه قرار التثبيت انتقادات شديدة داخل البرلمان.
واعترفت الحكومة الإيرانية في مناقشات برلمانية بخطأ قرار التثبيت عند 42000 ريال مقابل الدولار.
وقال أكبر تركان مستشار الرئيس الإيراني، في بداية الشهر الجاري، إن بعض المواطنين قاموا ببيع ممتلكاتهم، وحولوا أموالهم إلى الدولار في تركيا وجورجيا وأذربيجان. ووصف أكبر تركان التثبيت بـ"الخطوة المتأخرة".
واعتبر ابراهيمي أن الخطأ الأكبر الذي ارتكبه المحافظ المقال للبنك المركزي هو إصراره على مسألة تثبيت سعر الصرف، إذ أن تدهور العملة المحلية أمام الدولار استدعى أن يتخذ المصرف المركزي هذا القرار فثبت القيمة على سعر 42 ألف ريال للدولار الواحد.
ووصف ذلك بأنه كان أكبر خطأ وأكثر سياسة غير عقلانية، مطالباً همتي بالتعامل مع الأزمة بشكل جاد وعدم تكرار ذات الأخطاء، وأكد ابراهيمي أن البرلمان سيدعم همتي، لكن ذلك سيكون مشروطاً ومعتمداً على سلوكه.