طهران ترفض معاقبة "داعش" وأنقرة تؤيد

04 أكتوبر 2014

محاربون من مليشيا حزب الله العراقي المدعومة إيرانياً (9يوليو/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

أبدت أنقرة، في الأسابيع القليلة الماضية، قدراً كبيراً من المواقف المدروسة والمتريثة حيال المشاركة في الحملة الإقليمية والدولية على تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". فقد أيدت الحملة، لكنها لم تشارك فيها. وشاركت في اجتماعات تمهيدية للحملة في ويلز وجدة، وأيدت القرارات الصادرة من دون أن توقع عليها. وخلافاً للحملات التي تعرضت لها، والتي صورت أن أنقرة ترفض الحرب على "داعش" لأنها "أسهمت في إنشائها"، فإن واقع الحال يفيد بأن التريث كان مصدره بالفعل وجود رهائن أتراك بأيدي "داعش". وقد نجحت أنقرة في تسويق موقفها من الحملة على أنه ينطوي على تحفظ لضمان إطلاق الرهائن، وهكذا كان، فقد نجحت الحكومة التركية بجهد استخباري، في تحرير مواطنيها الـ45 من أيدي التنظيم، من دون مقابل يذكر. فلما تحرر هؤلاء، وعادوا إلى ديارهم وذويهم سالمين، فقد تحررت أنقرة من هذه الورقة الضاغطة، وأخذت تصريحات كبار مسؤوليها تترى، وتفيد بالاستعداد للمشاركة في الحرب، وكان أوضحها تصريحات الرئيس أردوغان، الأربعاء الأول من أكتوبر/تشرين أول الجاري، بأن أنقرة ستقاتل تنظيم الدولة الاسلامية بفعالية، وكذا الجماعات الإرهابية كافة في المنطقة.

ثمة عوامل أخرى جيواستراتيجية دفعت أنقرة إلى اتخاذ مسافة من الحملة، منها الخشية من تعاظم دور الكتلة الكردية في سورية، من دون أن يمنع ذلك أنقرة من استقبال آلاف اللاجئين من أكراد سورية. ومنها التحرز من استغلال المحور الإيراني ومليشياته في العراق ولبنان واليمن للحملة على "داعش"، من أجل تعظيم نفوذ طهران والقوى التابعة لها. وهناك، بعدئذٍ، العامل الأهم، وهو التخوف من أن يلعب النظام في دمشق بورقة هذه الحملة من أجل ترجيح كفته في الحرب التي ما فتئ يشنها على شعبه، منذ أزيد من 42 شهراً. ويرتبط بذلك ما بدا من تحفظ تركي على اقتصار الحملة على "داعش"، وهذا تنظيم إرهابي بامتياز، يستحق تجريد حملة إقليمية ودولية عليه، كما هو واقع حاليا، غير أنه يصعب فصل نشوء "داعش" وصعوده عن البيئة التي وفرت له ذلك كله، في سورية والعراق. فقد كان التنظيم يوالي فتوحاته في سورية، ويسيطر على الرقة ودير الزور، منذ مطلع عام 2013، ولم ترغب واشنطن في ملاحظة خطره سوى بعد استيلائه على الموصل، وهو ما اعترف به أوباما لاحقاً، من دون أن يلاحظ الودّ الميداني الذي طبع علاقات "داعش" بالنظام في دمشق، نحو عشرين شهراً، وأن حروب "داعش" في سورية كانت، في غالبيتها، ضد الجيش السوري الحر.

وكان واضحا أن واشنطن التي تقود الحملة العسكرية بدت من أكثر الأطراف تفهما للموقف التركي، ولم تبدر عن واشنطن تصريحاتٌ تفيد بانزعاج أميركي من الموقف التركي، علما أن الاتصالات ظلت متواصلة بين واشنطن وأنقرة التي زارها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في الأسابيع القليلة الماضية، وبدا على درجة من الارتياح في مباحثاته مع المسؤولين الأتراك.

خلافاً لتركيا التي يقودها حزب ذو جذور إسلامية (العدالة والتنمية)، فإن الطرف الإقليمي الآخر في منطقتنا، وهو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، اتخذ موقفاً مناهضاً للحملة على "داعش" في العراق وسورية، وفيما "سمحت" طهران لبغداد باتخاذ موقف مغايرٍ بعض الشيء يسمح بأن تشارك مليشيات شيعية، إلى جانب الجيش، في الحملة على المناطق التي سيطر عليها التنظيم،  فقد اتخذت طهران موقفاً ناقماً حيال ما أبداه النظام في دمشق من ترحيب بالحملة، على أمل أن يفك النظام عزلته الشديدة، ولو بعض انفكاك، وأن يحظى بقناة اتصال مع الأميركيين، وهذا ما لم يحدث. وقد لوحظ أن وزارة خارجية النظام دعت إلى تنسيق معها قبل الشروع في الحملة، فلما أخذت الطائرات تغير على مواقع "داعش" في سورية، لم يجد النظام ما يقوله سوى أن الحملة الدولية تسير في الاتجاه الصحيح!، وهو ما أثار حفيظة الرئيس حسن روحاني الذي خاطب النظام الحليف بنبرة توبيخية قائلاً: كيف تسمحون بالاعتداء على سيادة بلدكم؟ ما حمل النظام على التراجع مجدداً عن موقف تأييد الحملة إلى الاعتراض عليها، إثر زيارة مسؤول الأمن الإيراني، علي شمخاني، دمشق واجتماعه مع بشار الأسد، الأربعاء الماضي.

تعترض طهران على الحملة، لأنها تمس سيادة الدول، ولأنها تأتي من خارج الأمم المتحدة، حسب تصريحات مسؤوليها. علما أن طهران تكاد لا تفعل شيئاً في منطقتنا، سوى المساس بسيادة الدول من لبنان إلى سورية إلى العراق إلى اليمن إلى البحرين والسودان، وما تيسّر من دول ومجتمعات أخرى. علما أن العراق قد طالب واشنطن بالتدخل لاستعادة الموصل وحماية العاصمة بغداد. أما في سورية، فقد انتقل التنظيم من العراق إلى سورية، مع غض طرف نظام دمشق عليه، من أجل تشويه صورة المعارضة السورية، والإجهاز على كتائبها المقاتلة. وفيما يخص الأمم المتحدة، صدر أكثر من بيان عن مجلس الأمن يُجرّم "داعش"، ومد يد العون له، وأبدت الأمانة العامة للأمم المتحدة تأييدها للحملة العسكرية، بما وفّر بيئة دولية منسجمة ومتكاتفة في الموقف من وجوب مكافحة هذا التنظيم بشتّى السبل.

في واقع الأمر، مبعث اعتراض طهران وملحقاتها على الحملة الدولية ضد التنظيم أن هذا التطور الذي سيضعف "داعش"، على أقل تقدير، سوف يحرم طهران من الاستثمار السياسي والطائفي في هذا التنظيم، لتسويغ وجود مليشيات وأحزاب وقوى طائفية، تدين بالولاء والانتماء للنظام الإيراني، وإدامة وجود هذه التنظيمات، بذريعة الخوف من التطرف السني والتكفيريين وضرورة التصدي له، فلما قامت حملة عسكرية دولية ضد هذا التطرف إذا بحزب الله وطهران يعترضان. أما مصدر القلق الأكبر لدى طهران فهو أن تؤدي الحملة على إرهابٍ ينتحل صفة إسلامية إلى فتح العيون والمدارك على بقية جماعات الغلو والتطرف الإسلامية، المرعية إيرانياً، كحال حوثيي اليمن وعصائب وكتائب عديدة في العراق وسواها، وأن يتكرس منطق التدخل الدولي في سورية، وواقع هذا التدخل، وأن يتسع بما يجعل النظام في دمشق تحت تهديد عسكري أممي مباشر.

وفي المقارنة بين الموقفين التركي والإيراني من المسألة، يتضح حقاً من يناهض الإرهاب، ومن يعمد إلى الاستثمار السياسي فيه.