تتجه الحكومة الإيرانية التي تعيش ظروفاً قاسية تحت الحظر الأميركي وجائحة كورونا تهددها بانهيار اقتصادي ومالي ونقدي شامل إلى توقيع اتفاق استراتيجي مع بكين ربما سيرهن مستقبلها الاقتصادي والعسكري للتنين الصيني لمدة 25 عاماً المقبلة بحسب محليين.
ورغم أن الاتفاق الذي يجرى التفاوض عليه يحظى بموافقة المرشد علي خامنئي وموافقة الحرس الثوري الجمهوري، إلا أنه يواجه معارضة من شخصيات مهمة في البرلمان الإيراني ومسؤولين كبار سابقين في الحكومة الإيرانية من بينهم الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد.
في هذا الشأن، أبلغ وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف البرلمان الإيراني، يوم الأحد الماضي، أن حكومة بلاده تتفاوض مع الحكومة الصينية حول اتفاق مدته 25 عاماً وستعلن عن بنوده متى ما تم الاتفاق عليه.
وقال ظريف في جلسة صاخبة بالبرلمان في طهران "نناقش بثقة واعتقاد اتفاقاً استراتيجياً مع الصين مدته 25 عاماً". وبحسب ما نقلت وكالة فرانس برس في نسختها الإنكليزية، فإن وزير الخارجية ظريف واجه انتقادات لاذعة من بعض أعضاء البرلمان بشأن إخفاق الاتفاق النووي الذي وقعه مع القوى العالمية "5+1" وروج لتسويقه للشعب الإيراني ثم فشل الاتفاق بعدما نقضته الولايات المتحدة حينما تم انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وفي ذات الشأن قالت مصادر إيرانية مقربة من وزارة النفط الإيرانية إن المرشد خامنئي وافق على الاتفاقية الاستراتيجية مع الصين التي تشمل اتفاقات نفطية وعسكرية.
ونقلت نشرة "أويل برايس" الأميركية عن مسؤول إيراني كبير قريب من وزارة النفط الإيرانية قوله إن اجتماعاً بين وفد صيني وآخر إيراني حول تفاصيل الاتفاق سيعقد في أغسطس/ آب المقبل وربما ينتهي هذا الاجتماع إلى الموافقة على التفاصيل المقترحة في الاتفاقية الاستراتيجية التي جرت دراسة شقها النفطي في لقاء سري بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الصيني في بكين العام الماضي.
وتشمل تفاصيل الصفقة السرية التي لم يكشف بعد إلا عن خطوطها العريضة استثمارات صينية ضخمة في قطاع الطاقة الإيراني مقابل مزايا اقتصادية وعسكرية للصين، من بينها مزايا تجارية تعطي الشركات الصينية حق الحصول على عقود مشاريع النفط والغاز والبتروكيماويات وأسعار تصديرها، كما تشتمل الاتفاقية كذلك منح قواعد عسكرية لكل من الصين وروسيا في إيران.
وتشير نصوص الاتفاقية الخاصة بالطاقة، وفقاً للتقرير الذي نشره موقع " أويل برايس"، إلى أن الصين ستقوم باستثمار 280 مليار دولار في مشاريع النفط والغاز والبتروكيماويات الصينية خلال الخمس سنوات الأولى من الاتفاقية التي تمتد لفترة 25 عاماً.
كما ستضخ الصين كذلك استثمارات تقدر بحوالى 120 مليار دولار في البنية التحتية الصينية. وتشمل هذه الاستثمارات تحديث المواصلات والمشاريع الصناعية.
وفي مقابل هذه الاستثمارات في إيران ستحصل الصين على أولوية لشركاتها في الحصول على عقود مشاريع النفط والغاز والبتروكيماويات التي تطرحها شركات الطاقة الإيرانية. كما تمنح الاتفاقية كذلك شركات الطاقة الصينية الحق في شراء النفط والغاز ومنتجات البتروكيماويات بأسعار مخفضة وبخصم يصل إلى 12% من أسعار مؤشراتها في الأسواق العالمية خلال فترة الستة شهور الأولى من الاتفاقية، كما ستحصل الشركات الصينية كذلك على خصم سعري آخر يراوح بين 6 إلى 8% من الأسعار لتغطية المخاطر المترتبة على المنتجات الإيرانية.
ويضاف إلى ذلك أن بنود الاتفاقية تعطي الشركات الصينية مزايا تجارية، من بينها تسديد جزء من أثمان الصفقات المشتراة بعملات أفريقية وروسية. وتستفيد الصين من هذه المزايا في التخلص من العملات غير الحرة التي راكمتها من فائضها التجاري مع روسيا والدول الأفريقية. كما تمنح الاتفاقية الشركات الصينية الحق في تأجيل تسديد صفقات الطاقة لمدة عامين.
وحسب مصدر إيراني، فإن الخصومات السعرية التي من المتوقع أن تحصل عليها الشركات الصينية في مشتريات الطاقة ربما ستصل إلى 32% من سعرها العالمي. ولكن الاتفاقية التي تحظى بدعم واسع من الحرس الثوري الإيراني وهو الذي اقترح شقها العسكري على المرشد الأعلى علي خامنئي، تواجه معارضة من بعض القيادات الإيرانية.
ويرى معارضون للاتفاقية أنها ترهن موارد البلاد ومستقبل الشعب الإيراني بكامله لقوى خارجية. ولكن في المقابل فإن المدافعين عن الاتفاقية يرون أن البلاد تواجه مرحلة انهيار اقتصادي ومالي كامل وتحتاج إلى إنقاذ سريع وهي تئن تحت العزلة الدولية والحظر الأميركي.
وكان الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد قد كشف عن بعض البنود السرية للاتفاقية في اجتماع تم الأسبوع الماضي بمقاطعة جيلان، وذكر أنها ضد مصلحة البلاد وشعبها.
وحسب مصادر إيرانية، قال الرئيس الأسبق أحمدي نجاد، "لا يصح الدخول في اتفاقية سرية مع قوى أجنبية من دون الأخذ في الاعتبار رأي الشعب الإيراني ومصالحه". كما ذكر أن "الشعب الإيراني لن يعترف بها لأنها ضد مصلحة الأمة الإيرانية".
وينظر بعض الساسة في إيران للاتفاقية بعين الريبة وعلى أساس أن التنين الصيني يبتز إيران ويحصل منها على تنازلات استراتيجية في موارد الطاقة كما يستغل موقعها الاستراتيجي في صراعه مع واشنطن.
وبينما تتزايد حدة الصراع والمنافسة بين واشنطن وبكين على تشكيل "النظام العالمي" لفترة ما بعد جائحة كورونا، ترتفع مخاوف بكين من استخدام أميركا لسلاح الطاقة ضدها في المستقبل حينما يحمى الصراع أكثر ويصل لمستويات العزل التام من النظام العالمي الذي تخطط له إدارة الرئيس دونالد ترامب.
ووسط هذه المخاوف تتحوط الحكومة الصينية لاحتمالات منعها من إمدادات الطاقة من منطقة الشرق الأوسط عبر تعزيز علاقات الطاقة مع إيران وحماية هذه المصالح عسكرياً عبر وجودها العسكري المباشر جواً وبحرا وبراً في إيران والمضائق المائية.
وبالتالي يرى خبراء في مجال الطاقة واستراتيجياتها، أن هذا الاتفاق الاستراتيجي بين بكين وطهران يأتي في إطار الصراع الجيوسياسي على منابع النفط بمنطقة الشرق الأوسط.
كما لاحظ خبراء أنه منذ بدء العقوبات الاقتصادية والتجارية والمالية التي طبقتها أميركا على إيران تطورت علاقات طهران مع التنين الصيني، خاصة في المجالات النفطية والدفاعية والجيوستراتيجية.
وينظر خبراء استراتيجيات إلى أن مخاوف الصين على أمن الطاقة، وسط حاجتها المتزايدة للنفط من منطقة الشرق الأوسط، تقف وراء توقيع هذا الاتفاق الذي سيغضب الولايات المتحدة، وفي المقابل فإن الظروف القاسية التي تواجهها تعزز رضوخها لشروطه الابتزازية.
وتتخوف بكين تحديداً من احتمال تطور التوتر بين واشنطن وطهران وإغلاق الأسطول الأميركي لخليج هرمز وحرمان الصين من التدفقات النفطية. وبالتالي يلاحظ أن الاتفاقية المزمع توقيعها في أغسطس المقبل تضمن تعاوناً عسكرياً يتيح لكل من الأسطول العسكري الصيني والروسي بالدخول في خليج هرمز.
وكانت بكين، وحسب مصادر أميركية، قد سعت في الصيف الماضي لإحداث تقارب بين إيران وكل من أبوظبي والسعودية ضمن استراتيجية ضمان أمن الطاقة وتدفقها الحر من منطقة الخليج الغنية بالنفط.
وحسب تقرير أميركي رتبت الصين في 26 يوليو/ تموز الماضي لقاء سرياً بين وفد إماراتي ضم ممثلاً خاصاً لولي العهد بحكومة أبوظبي محمد بن زايد ومسؤولين كبار من الحكومة الإيرانية. وتم اللقاء تحت غطاء مهمات حرس الحدود. وأكد الوفد الأماراتي للصينيين في هذا اللقاء أن حكومة الإمارات على استعداد لإجراء تغيير جذري في علاقاتها والتقارب مع إيران.