يبدو سقف الآمال التونسية بشأن القمة العربية المنتظرة في مارس/آذار المقبل بتونس مرتفعاً جداً، بشكل يدفع إلى التساؤل حول واقعية هذه الآمال بالنظر إلى وقائع تطورات المشهد العربي والدولي. وترغب تونس في أن تكون هذه القمة "تاريخية" مقارنة بسابقاتها التي طغت عليها الخلافات والغيابات، ولم ترتقِ إلى أي نتائج مهمة بخصوص الملفات العربية الحارقة. وتعلق تونس آمالها على حضور كبير لرؤساء الدول هذه المرة، بحكم علاقاتها الجيدة مع الجميع تقريباً، ونجاحها إلى حد كبير في البقاء على مسافة واحدة في ملفات كثيرة.
وأكدت عواصم عربية كثيرة أنها ستحضر القمة المنتظرة، وربما تعمل على إنجاحها أيضاً. ويتنقل مبعوثو الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، بين الدول العربية بإيقاع سريع ومتواتر في الأيام الأخيرة، لبحث مختلف وجهات النظر بشأن عدد من الملفات، ونقلها إلى مختلف الفرقاء، في محاولة لتحقيق حد أدنى من التوافق قبل القمة، يضمن نجاحها الإعلامي على الأقل. وتعكس هذه المساعي التونسية رغبة شخصية من الرئيس التونسي في تحقيق إنجاز شخصي تاريخي، على غرار الرئيس الراحل، الحبيب بورقيبة، من دون إسقاط العامل الداخلي المهم قبيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية نهاية العام الحالي.
وتتحدث مصادر دبلوماسية متقاطعة، لـ"العربي الجديد"، عن اصطدام هذه الآمال والحسابات التونسية بالواقع العربي والدولي، وهو ما يعقد الطموحات التونسية بأن تكون هذه المناسبة "قمة مصالحة" بشأن ملفين على الأقل، سورية والخليج. ومع انطلاق عملية الإعداد للقمة، سارعت تونس إلى تبني ملف إعادة سورية إلى الجامعة العربية بقوة، وخرجت عن صمتها الطويل السابق ومواقفها الحيادية إلى الإعلان صراحة عن رغبة كبيرة في حسم هذا الموضوع، وهو ما تبيّن بوضوح في تصريح للوزير والممثل الخاص للرئيس التونسي، لزهر القروي الشابي، الذي قال من بيروت إن تونس "ستكون مسرورة جداً" إذا قررت الجامعة العربية رفع تعليق عضوية سورية. ولفت إلى أن "الجو ملائم حتى تعود سورية إلى مكانها الطبيعي، لا سيما وأن عدداً من الدول العربية أعادت فتح سفاراتها في دمشق" على حد تعبيره.
لكن هذا "الجو الملائم" الذي تتحدث عنه تونس لا تتقاسمه كل الدول العربية، لأن شروط هذه العودة لم تتضح ولم تنضج بما فيه الكفاية، رغم الدفع إلى ذلك ومحاولة لملمة الموضوع من الجهات الداعمة بقوة لعملية التطبيع مع النظام السوري. وعكس تصريح وزير الخارجية المصري، سامح شكري، الثلاثاء الماضي، الشروط التي يجب على نظام بشار الأسد تنفيذها من أجل العودة إلى الجامعة العربية. وقال شكري، في مؤتمر صحافي مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، إن "عودة سورية للجامعة مرتبطة بتطور المسار السياسي لإنهاء أزمتها". وأضاف "هناك حاجة لاتخاذ دمشق إجراءات وفق قرار مجلس الأمن 2254 لتأهيل العودة للجامعة العربية". وأكد أنه "ليس على علم بحضور سورية القمة الاقتصادية (المقررة في بيروت في 19 و20 يناير/كانون الثاني الحالي)، وهذا أمر مرهون بقرار من مجلس الجامعة، ويوافق عليه القادة".
وكانت جهات عديدة حاولت الإيهام بحضور سورية قمة بيروت الاقتصادية، غير أن ذلك يصطدم بإجراءات قانونية على مستوى الجامعة العربية، لأن قرار تعليق الحضور السوري اتخذ من قبل مجلس الجامعة على مستوى الوزراء ولا يمكن إسقاطه إلا باجتماع جديد لوزراء الخارجية. وذكرت المصادر الدبلوماسية أن هناك اجتماعاً دورياً لوزراء الخارجية العرب سيعقد في 6 مارس/آذار المقبل، بالإضافة إلى اجتماع قبيل القمة مباشرة، كما درجت العادة، لكن إذا حصل إجماع عربي فإنه بالإمكان الدعوة إلى اجتماع استثنائي. وفي إطار المحاولات المتواصلة لمشاركة رئيس النظام السوري بشار الأسد في القمة الاقتصادية في بيروت، برز ما نقله النائب اللبناني علي بزي عن رئيس مجلس النواب نبيه بري عن دعوة الأخير إلى تأجيل القمة العربية الاقتصادية، بحجة عدم تأليف حكومة لبنانية، والكباش العربي – العربي حول دعوة سورية. وتأتي دعوة بري وسط ترجيحات وصلت إلى لبنان بإمكانية تأجيل القمة، بقرار عربي، لمدة 4 أشهر، أو دمجها في القمة العربية في تونس. وأكدت المصادر، لـ"العربي الجديد"، أن شرط "المصالحة الشاملة في سورية" الذي جرى الترويج له في تونس جاء فضفاضاً، خصوصاً في ما يتعلق بإمكانية تحقيقه فعلياً في ظرف زمني قياسي، بالإضافة إلى إمكانية تقبل النظام السوري نفسه لهذه الشروط الدولية وتفاصيل تنفيذ ذلك. ونقلت المصادر عن وجود امتنان سوري حكومي للتحركات التونسية، قد تكون له انعكاسات اقتصادية مهمة في العلاقات المستقبلية بين البلدين، بالإضافة إلى الملف الأمني الكبير المتعلق بوجود مقاتلين تونسيين في سورية، وثالثاً ستكون له انعكاسات كذلك سياسياً على المشهد التونسي وتغيير موقف الموالين لبشار الأسد في تونس، حيال السبسي.
ويبدو أن تونس لا تعمل على هذا الملف فقط، فقمة "المصالحة العربية التاريخية" التي تأمل تونس في تحقيقها لا يمكن أن تتحقق من دون إنجاز اختراق حقيقي في ملف الأزمة الخليجية، ورفع حصار قطر. وقالت مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، إن تونس بذلت جهداً حقيقياً في هذا الاتجاه، وقد يكون السبسي طرح هذا الموضوع خلال لقائه مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تونس خلال زيارته الشهر الماضي، وكانت تونس واضحة بعدم الرضوخ للضغوط التي فرضت عليها في بداية الأزمة وحافظت على علاقاتها الطبيعية مع قطر، ودعت إلى الحوار بين الفرقاء سبيلاً وحيداً لحل الأزمة. لكن هذه الآمال تصطدم أيضاً بواقع عدم وجود رغبة حقيقية لدى دول معسكر الحصار بإنهاء هذه الأزمة، وهو ما كشفته بوضوح استقالة مبعوث وزارة الخارجية الأميركية لحل الأزمة الخليجية، أنطوني زيني. وقائع تدفع إلى التساؤل عن قدرة تونس على تحقيق ما عجزت عنه الدولة الكبرى، في ظل اعتقاد أميركي معلوم بأن استمرار الأزمة الخليجية يعمل لصالحها في جوانب صفقات السلاح وتحصيل مكاسب مالية من كل الدول المتصلة بالأزمة الخليجية، وفي ناحية السعي لاسترضاء الإدارة الأميركية، في ظل عدم تبني إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظرية أن الأزمة الخليجية تؤثر على خطة واشنطن في مواجهة طهران. ورغم كل هذه المعطيات الواقعية، فإن تونس تبقي على آمالها كاملة بأن تكون القمة "تاريخية" على الصعيدين السوري والخليجي، وانعكاسات ذلك على الأزمة الليبية التي قد تكون من بين الملفات المطروحة في جدول أعمال القمة، وهو الموضوع الذي يعتبر مصدر الخطر الأبرز على تونس، أمنياً واقتصادياً.