طلاق مقلق في الجزائر

07 فبراير 2019
هل ينفصلان؟ (باسكال بارو/ Getty)
+ الخط -

يعبّر متابعون للأوضاع الاجتماعية في الجزائر عن تخوّفهم من تزايد حالات الطلاق في البلاد، إذ يؤدّي إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية ويمثّل تحدياً أمام الأسرة الجزائرية.

كشف تقرير نشرته وزارة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة في الجزائر أنّ عدد حالات الطلاق المسجّلة في خلال عام 2018 المنصرم تخطّى 68 ألف حالة طلاق، وهو ما يعني زيادة بنحو ثلاثة آلاف حالة، بالمقارنة مع عام 2017 الماضي. واستندت الوزارة في تقريرها إلى بيانات المحاكم المعنيّة. وفي حين لا ترى الحكومة في تلك الأرقام ما يستدعي القلق، فإنّ الأمر دفع عدداً من الأطراف الفاعلة في المجال الاجتماعي إلى دقّ ناقوس الخطر، علماً أنّ المعدّل السنوي للطلاق لم يقلّ عن 60 ألف حالة ما بين عامي 2012 و2017.

في عام 2017، بعد ثلاثة أعوام من الزواج، انفصلت حسيبة، التي تعمل في مركز بريد في العاصمة الجزائرية، عن زوجها أحمد، وهو أستاذ في التعليم الثانوي. تقول حسيبة، التي تشير إلى أنّها نجحت في الحصول على طلاق بالتراضي مع زوجها، إنّ "تفاقم المشكلات الأسرية مع مرور الوقت، لا سيّما مع عدم تحمّل أحمد مسؤولياته، هو ما دفعني إلى طلب الطلاق. يُضاف إلى ذلك عدم توفيره مسكناً لي، بعيداً عن عائلته التي تعيش هي الأخرى في ضيق كبير. بالتالي، لم أستطع أن أصبر أكثر على كلّ ذلك، ناهيك عن المعاملة السيئة".

وتبدو حالة حسيبة أفضل من حالات أخريات دفعتهنّ الضغوط والمشاكل الأسرية إلى اللجوء إلى أبغض الحلال. وتكثر الأسباب، منها العنف الأسري الذي يقف وراء عدد غير قليل من حالات الطلاق في الجزائر. وفي أحدث تقرير في هذا السياق نشره المجلس الوطني لحقوق الإنسان، فإنّ أكثر من سبعة آلاف و500 امرأة تعرّضنَ للعنف في الجزائر، خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2018، بينما كثيرات لا يبلّغنَ عن العنف في حقّهنّ ولا يلجأنَ إلى العدالة، نظراً إلى عوامل عدّة اجتماعية وثقافية. بالتالي، تطلب النساء الطلاق، هرباً من الواقع الأليم. كذلك، تسجّل حالات طلاق عدّة في البلاد على خلفية الإنجاب وعقم أحد الشريكَين، وفي معظم الحالات الرجل هو من يطلب الطلاق بسبب رغبته في الإنجاب، بحسب ما تبيّن لـ"العربي الجديد" من خلال بيانات حصلت عليها من مكاتب محاماة.




في مداخلة أخيرة لها في مجلس الأمة بالبرلمان الجزائري، قلّلت وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة، غنية إيداليا، من أهميّة الأرقام الخاصة بالطلاق في الجزائر، علماً أنّ أكثر من 68 ألف حالة سُجّلت في عام 2018 في مقابل 349 ألف زيجة، أي 19.54 في المائة. وصرّحت بأنّ رقم 68 ألفاً متدنٍّ بالمقارنة مع ما يُسجَّل في الدول العربية والدول الأوروبية على حدّ سواء، لافتة إلى أنّ الجزائر تحلّ عاشرة في ترتيب الدول العربية في هذا الإطار.

يتحدّث معنيّون عن أنّ تراجع دور الأسر في إقامة الصلح، وتفكك الروابط والعلاقات المجتمعية بفعل التحولات الاجتماعية والاقتصادية الحاصلة في الجزائر، وضعف دور المساجد والمؤسسة الدينية في إقامة الصلح، كلّها عوامل زادت من عدد حالات الطلاق. وتمتدّ آثار ذلك لتؤدّي إلى تفكك أسري وتشرّد الأطفال ومشكلات النفقة، على الرغم من أنّ الحكومة الجزائية أنشأت قبل أعوام "صندوق النفقة" كحلّ من شأنه أن يضمن وصول نفقة الأم الحاضنة إليها في الوقت المحدد في حال واجهت مشكلات ولم يسدد الطرف الآخر ما يتوجّب عليه. وقد سمح الصندوق منذ إنشائه بدفع المبالغ المالية المستحقة لـ 913 امرأة حاضنة ولمصلحة 1867 طفلاً محضوناً، بقيمة تقدّر بـ 250 مليون يورو.

من جهته، كان رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، بوعبد الله غلام الله، وهو أكبر مرجعية دينية في الجزائر، قد حذّر في جلسة نقاش عقدها المجلس قبل نحو ثلاثة أسابيع من التزايد المستمر في حالات الطلاق والخلع في الجزائر، قائلاً إنّ هذا "التزايد المستمر صار مقلقاً بالنظر إلى مخاطر ذلك على الأسرة والمجتمع في الجزائر"، وطالب بـ"البحث عن أنجع السبل التي من شأنها جعل الرابطة الزوجية تستمر". وطالب غلام الله بتقييد أكبر للطلاق والخلع، مشيراً إلى أنّ "المسؤولية نتقاسمها جميعاً، وينبغي على الجميع إيجاد حلول (...) فالمسألة تتطلب عقد جلسات صلح بين الزوجَين على مستوى المحكمة لإعادة الأمور إلى طبيعتها".




يرى المتخصص في علوم الشريعة والقانون، الدكتور سعيد بويزري، أنّه "يتعيّن إعداد دراسة معمّقة لمسألة تزايد حالات الطلاق والخلع من الجوانب التشريعية والاجتماعية"، لافتاً إلى أنّ "الفتاوى الخاطئة والتطبيق السيّئ للنص القرآني، أدّيا إلى زيادة حالات الطلاق والخلع". أمّا الباحث في علم الاجتماع، فضيل بومالة، فيقول إنّ "أرقام الطلاق ومظاهره، وكذلك أشكال التفكك الأسري، تتضخّم وتزداد حدّة وتعقيداً عاماً بعد عام في الجزائر"، موضحاً أنّ "المعدّل اليومي للطلاق بلغ 187 حالة في اليوم الواحد وسبع حالات في الساعة الواحدة". يضيف بومالة أنّ "الأخطر في الأمر أنّ المحاكم الجزائرية تسجّل معدلاً سنوياً يقدّر بنحو 14 ألف حالة طلاق في العام للزيجات التي لم تدم أكثر من ثلاثة أشهر. وهذا من المؤشّرات الخطيرة التي تكشف تفككاً عميقاً وأمراضاً اجتماعية قاتلة أصيبت بها الجزائر في الأعوام الخمسة عشر الأخيرة". ويشير بومالة إلى "غياب البحوث الجادة حول المشكلة المتفاقمة لجهة أسبابها العميقة وأشكالها المجتمعية وانعكاساتها على العلاقات الاجتماعية ومصائر الأطفال والنساء، وكذلك إلى غياب فضاءات النقاش الاجتماعي من دون محرّمات حول القيم والمال والتراتبية الاجتماعية والطبقية والمستوى التعليمي والتديّن والجنس وارتفاع نسب الطلاق بين المتزوجين الجدد والعزوف (عن الارتباط) وتراجع نسب الخصوبة وعشرات المواضيع الحساسة الأخرى، زادا من خطورة الوضع".