تتصاعد الأزمة المستجدة بين السعودية وكندا على خلفيّة انتقاد الأخيرة احتجاز ناشطين وناشطات في مجال حقوق الإنسان. فالرياض رفضت "الاتهامات العارية عن الصحة"، في حين أنّ أوتاوا ما زالت متمسّكة بموقفها.
اتخذت الحكومة السعودية قرارها بقطع العلاقات التجارية والاستثمارية مع كندا وطرد السفير الكندي من أراضيها، في ردّ على مطالبة وزارة الخارجية الكندية والسفارة الكندية في السعودية بالإفراج الفوري عن معتقلي الرأي في البلاد. ولم تكتفِ السلطات السعودية بقطع العلاقات مع كندا وطرد سفيرها، بل واصلت التصعيد إلى حدّ أنّها أعلنت سحب كل طلابها المبتعثين الذين يقضون فترات الزمالة والتدريب في المستشفيات والمرافق التعليمية الكندية ونقلهم إلى جامعات أخرى في الولايات المتحدة الأميركية وسنغافورة وبريطانيا وغيرها من الدول وفق بيان بثّه التلفزيون السعودي الرسمي.
ويحتلّ الطلاب السعوديون بحسب بيانات كندية المرتبة الرابعة لجهة عدد الطلاب الأجانب في كندا بعد الصينيين والهنود والكوريين الجنوبيين. وبحسب ما صرّح وكيل وزارة التعليم لشؤون الابتعاث الدكتور جاسر الحربش لقناة "الإخباريّة"، فإنّ عدد المواطنين السعوديين والسعوديات في كندا يتخطى 12 ألفاً، من بينهم سبعة آلاف مبتعث ومبتعثة. من هؤلاء الطلاب، خمسة آلاف في مرحلة البكالوريوس والدبلوم وألفان في مرحلة الدراسات العليا والزمالة في الطب والماجستير والدكتوراه في مختلف التخصصات. إلى ذلك، تستقبل المستشفيات الكندية مئات المرضى الذين يتلقون العلاج على نفقة الحكومة السعودية، وقد قررت السلطات نقلهم كذلك إلى مستشفيات الولايات المتحدة الأميركية للعلاج.
ومثّل القرار السعودي صدمة كبيرة لهؤلاء الطلاب، خصوصاً أنّهم ارتبطوا بعقود إمّا لإيجار مساكن أو شراء سيارات أو إيجارها، إلى جانب استقدام المتزوجين والمتزوجات منهم عائلاتهم وتسجيل أبنائهم في المدارس، الأمر الذي يعني أنّ عمليّة الانتقال سوف تكون شاقة وصعبة ومكلفة من الناحيتَين النفسية والمالية. يُذكر أنّ وزارة التعليم العالي منحت الطلاب المبتعثين وهؤلاء الذين يتابعون دراستهم على حسابهم الخاص مهلة مدّتها شهر واحد فقط لترتيب أمورهم والانتقال إلى دول أخرى للدراسة.
"الطلاب السعوديون مصابون بصدمة كبيرة من جرّاء القرار غير المسؤول". هذا ما تؤكده طبيبة سعودية تتابع في كندا برنامج الزمالة الكندي الخاص بالطب، وقد تحفّظت على الكشف عن هويتها لـ"العربي الجديد". تقول: "بالنسبة إلى الأطباء، فإنّ برامج الزمالة في كندا هو الأصعب على الإطلاق. ويعود ذلك إلى أسباب عدّة، أبرزها عدد المتقدمين الكبير من حول العالم على خلفية سمعة البرنامج وجودته، وكذلك بسبب صعوبة الامتحانات الخاصة. وأنا تقدّمت مرّتَين عندما كنت طالبة في جامعة الملك سعود بالرياض من دون جدوى، لكنني لم أنجح إلا في المرّة الثالثة بالحصول على بعثة للبرنامج. ضحّيت بوظيفتي وابتعدت عن عائلتي لمدّة سنتَين، وها أنا أفاجأ بهذا القرار الذي سوف يحتّم عليّ في الغالب الانتقال إلى الولايات المتحدة لتشابه برنامج الزمالة. لكنّني سوف أدرس كلّ شيء من جديد، لأنّ هذا النوع من الدراسة لا تتمّ معادلته، بخلاف البكالوريوس. الجامعات الأميركية سوف تعادل معظم مواد الطلاب هذه الشهادة". بالتالي، فإنّ كل ما درسته الشابة راح هباءً.
وتتابع الطبيبة بحرقة وغضب أنّه "سوف يتوجّب عليّ تسديد سندات إيجار الشقة المتبقية، لأنّ العقد سنوي في كندا. كذلك سوف يتوجّب عليّ تسديد إيصالات تأمين السيارة التي استخدمها لسنة كاملة، بالإضافة إلى ما تبقى من ضرائب ورسوم معاملات رسمية". وتشير إلى أنّه "عند محاولتنا الاتصال بالمكتب الثقافي للحصول على معلومات حول ما إذا كانت الحكومة تنوي تعويضنا عن الخسائر المالية، لم نتلقّ أيّ رد".
وتحكي الطبيبة التي أنهت سنتَين من الدراسة في برنامج الزمالة التابع لإحدى الجامعات الطبية العريقة في كندا، قصّة "شاب لم يتبقّ له إلا ثلاثة مواد للتخرج في مرحلة البكالوريوس، لكنّه سوف يضطر إلى العودة سنة دراسية واحدة إلى الوراء على أقل تقدير، إذا أراد معادلة مواده في جامعة أميركية أو بريطانية، بسبب فروقات بسيطة في النظام التعليمي. إلى ذلك، فإنّ طلاب الدكتوراه في التخصصات الأدبية لن يتمكنوا من مناقشة رسائلهم، الأمر الذي يجبرهم على كتابة رسائل جديدة في الجامعات الأميركية أو البريطانية".
تجدر الإشارة إلى أنّ السلطات السعودية وبحسب برنامج الابتعاث، تدفع مخصصات للطلاب المبتعثين تتراوح ما بين ألفَين و500 دولار كندي وثلاثة آلاف لكل طالب، واستناداً إلى هذا المبلغ يتدبّر الطالب أموره من سكن ومعيشة وغذاء وتنقلات. وعملية النقل الكبيرة التي تطاول سبعة آلاف طالب سوف تكلّف الحكومة السعودية الأموال والجهد، كذلك سوف تستنزف طاقة وزارة التعليم العالي، خصوصاً أنّها مجبرة على متابعة حالة كل طالب على حدة بسبب تعقيدات عمليات معادلة مواد الجامعات بين الدول.
في السياق، ضجّ حساب الملحقية الثقافية السعودية في كندا على موقع "تويتر" بمئات الاستفسارات من الطلاب الغاضبين والمذهولين من القرار الذي وصفوه بـ"المتهور". ويخبر أحد الطلاب أنّه غرّد قائلاً إنّ خسائره نتيجة بيعه لسيارته التي اشتراها في كندا تصل إلى 20 ألف دولار فقط من دون احتساب بقيّة الخسائر. لكنّه عاد ومسح تغريدته بعد توجيه تهديدات له من قبل الملحقية بمنعه من الابتعاث لأيّ دولة أخرى. إلى ذلك، كتب طالب آخر: "كيف أرجع للسعودية ومناقشة الدكتوراه بعد شهرين فقط؟!". وجاء في تغريدة أخرى: "أنا ذاهب للدراسة على حسابي الخاص فمن يقوم بتعويضي عن مبلغ معهد اللغة والسكن الذي قمت بدفعه؟".
وقد رفضت السلطات السعودية ووزارة التعليم العالي مناشدات الطلاب السعوديين لقصر القرار على المبتعثين الجدد والسماح لمن كان على وشك التخرّج بالاستمرار في الدراسة والعيش في كندا. إلى ذلك، سارع المعارضون السعوديون في كندا إلى تقديم يد العون للطلاب المتضررين، ومنهم المعارض السعودي والمهتم بشؤون اللجوء القانوني بدر الحامد الذي راح يوضح آليات طلب اللجوء لهؤلاء الطلاب، وهذا أمر قد يفتح باباً جديداً للانتقاد على الحكومة السعودية.