طقوس رمضان حاضرة في ليبيا

15 مايو 2018
يجلبون ما يحتاجونه من خضار (محمود تركيا/ فرانس برس)
+ الخط -
يصرّ المواطن الليبي على الحفاظ على طقوسه وتقاليده في شهر رمضان، على الرغم من الظروف الأمنية والمعيشية الصعبة. وحتّى في مخيمات النزوح، ما زالت العائلات تحرص على تبادل طعام إفطار أول يوم من رمضان، إضافة إلى الاجتماع حول مائدة الإفطار.

استعداد ربات البيوت للشهر، وشراؤهن الأطعمة والحلويات، يعدّ تقليداً جديداً في المجتمع الليبي، لكنه يظهر جلياً خلال الأسبوع الأخير من شهر شعبان. ويقصد الناس المحال التجارية، على الرغم من غلاء الأسعار وشح السيولة. وتقول ذكية، وهي أم لثلاثة أطفال: "اشتريت بعض الصحون، على الرغم من عدم توفّر ما يكفي من المال. لكنني حرصت على إدخال شيء جديد إلى البيت من أجل أطفالي في هذا الشهر، لنشر البهجة بينهم". في وقت تؤكّد نعيمة أنها تنوي إعداد أصناف من الطعام بحسب قدرتها، لتبادلها مع جاراتها"، وذلك بحسب التقليد القديم المعروف محلياً باسم "الذوقة". تضيف: "لا أخجل من كون ذوقة هذا العام قليلة. ظروف الناس تساوت حالياً، لكن تبادل الأطعمة ضروري".

وخلال الأسبوع الأخير من شعبان، تكثر برامج الطهي على الفضائيات الليبية وإذاعاتها، وتتنافس في تقديم الجديد والمبتكر. وتقول ذكية: "تبقى الشربة (الحساء) الليبية طبق المائدة الرئيسي، إضافة إلى الأطباق الأخرى كالبوريك والبراك والمبطن"، لافتة إلى أنها أطباق ما زالت حاضرة بقوة على المائدة الليبية الرمضانية، على الرغم من دخول أطعمة جديدة المطبخ الليبي. تضيف أن أكثر الحلويات التي يتناولها الليبيون، خلال هذا الشهر، هي البسبوسة والقرينات والزلابية والغريّبة، إضافة إلى السفنز، مع احتساء الشاي ليلاً. وبعد الإعلان عن رؤية هلال رمضان، يتوجه كثيرون إلى المساجد لأداء أول صلاة تراويح، ومن بعدها الذكر والتهليل والتكبير، وهي عادة خاصة بالليلة الأولى.



وخلال ليالي الشهر المتتالية، تحافظ بعض المناطق، لا سيما في الجنوب الليبي أو في المدينة القديمة في طرابلس وغيرها، على حلقات المديح الصوفية بعد صلاة التراويح، أو خلال الليالي الفاضلة احتفالاً بذكرى غزوة بدر وأحد وفتح مكة وصولاً إلى ليلة القدر. ومن خلال الحلقات الصوفية، يستعد الليبيون للاحتفال بهذه الليالي. إلا أن هذه العادات انحسرت في مدن ومناطق أخرى، إما بسبب الفكر السلفي المقاوم للصوفية، أو بسبب الحروب والظروف الأمنية التي أخلت أحياء ومناطق من سكانها.

كثيرة هي المظاهر الاحتفالية أو الطقوس والعادات التي يشترك فيها الليبيون مع غيرهم من المجتمعات، منها اللقاء لصلاة التراويح، والإقبال على التسوق، وارتياد المقاهي ليلاً. لكن الحروب والأزمات المتصاعدة في البلاد أثرت بشكل كبير على فرحة الليبيين بهذا الشهر.

وما زالت مناطق وادي الربيع والنجيلة وضواحٍ أخرى في طرابلس تؤوي مئات الأسر المهجرة من مناطقها، لا سيما من الجنوب الليبي المشتعل، ومثلها المناطق المجاورة لبنغازي، بسبب عدم قدرتهم على العودة إلى منازلهم التي دمرتها الحرب. هذا ما يقوله فاضل حديدان المهجر من الجنوب الليبي، والمقيم ضمن تجمع نازحين من أوباري ومرزق وغيرها، في منطقة وادي الربيع. يضيف: "عسى أن يعوضنا الله باللذة الروحية لهذا الشهر، نحن الذين فقدنا الاستمتاع بالطعام والتسوق"، مؤكداً أن "تشتت العائلات في مجمعات النازحين أفقدها الفرحة بشهر الصيام". يضيف: "نحن خليط من مدن عدة، ولكل منا عاداته الرمضانية. لذلك، نتشارك فقط شعائر الصوم كالتراويح". ويشير إلى أن عبء تكاليف الحياة قلل من المظاهر الاحتفالية بهذا الشهر، في ظل ارتفاع الأسعار وشح السيولة النقدية.

وخلال هذا الشهر، يحرص الليبيون على قيم التكافل والإحسان. وحتى المواطنين المقيمين في مناطق شبه مستقرة، يقبلون على دعم الجمعيات الخيرية وإقامة موائد الرحمن.



وتستعد جمعية خيرات بلادي لتسيير قافلة فيها معونات وأغذية لنازحي مدينة تاورغاء الذين ما زالوا يقيمون منذ ثلاثة أشهر في عراء صحراء قرارة القطف، على بعد 40 كم جنوب مدينتهم التي هجروها منذ سبع سنوات. ويقول حامد البركي، أحد أعضاء الجمعية، إن "القافلة باتت جاهزة من خلال أموال عدد من الليبيين المتبرعين، وقد شاهدنا إقبالاً كبيراً إثر إعلاننا عن تجهيز القافلة". ويبين أن التبرع تنوع بين ما هو عيني ومادي. على سبيل المثال، تبرعت امرأة ببعض المواد الأساسية من بيتها.

ويلفت البركي إلى أن نشاط الجمعية يتجاوز تسيير القافلة إلى الاستجابة لدعوات أطلقت في طرابلس من قبل شخصيات أهلية، رأت أهمية أن يبادر المتبرعون إلى إيصال دعم غذائي للنازحين في بيوتهم، بعد عدم نجاح إقامة موائد الرحمن. يضيف: "الليبي بطبيعته يخجل بشكل كبير من قبول المساعدة على الملأ، فما بالك بأن يصطحب أطفاله ليجلس على مائدة إحسان على قارعة الطريق أو أمام مسجد؟". يتابع: "تقرر الاستمرار في إقامة موائد الرحمن على مقربة من المساجد لمن يريد. ونستعد لتوزيع سلال غذائية تكفي أسرة متوسطة عدد أفرادها خمسة لأسبوع، وذلك لكل نازح أو محتاج".