طبيب إدلب
ميخائيل سعد
كان الحي المسيحي في إدلب مجاوراً لحينا، وكان بيت الطبيب المسيحي فيه، الأقرب إلى بيت جدي، رحمه الله. كان هذا الطبيب مشهوراً في كل إدلب، لمهارته الطبية أولاً، ولإنسانيته ثانياً؛ فلم يكن يتقاضى أجور معاينته من المرضى الفقراء، بل كان أحياناً يعطيهم الأدوية مجاناً، حتى أصبح ذكر اسمه، في أوساط المسلمين الأدالبة، مقروناً بالتأسف، لأن حسناته الكثيرة لن تُسجل له في الآخرة، كونه غير مسلم، ولأن مصيره سيكون في جهنم، كجميع البشر غير المسلمين، كما يعتقد بعضهم، وكانوا في حلقاتهم يقولون عنه: لا ينقصه كي يدخل الجنة إلا أن يصبح مسلماً.
أحد الأيام مرض جارٌ عجوزٌ لجدي مرضاً كاد يودي بحياته، فحمله الجدّ إلى عيادة جاره الطبيب، وطلب منه الاهتمام به. بعد عدة أسابيع، استعاد العجوز صحته، وأصبح في أحسن حال. وبدأ الرجل يفكر بطريقة يردّ فيها على خدمات الطبيب، وعندما عجز عن ذلك، ذهب إلى جدي وسأله عن أفضل طريقة لشكر الطبيب، ولما كان تين إدلب مضرب الأمثال في حلاوته، قال له جدي: "خود له قرطل تين"، فقال الرجل: لا، لا، أبحث عن شيء أكبر من ذلك. قال جدي: "طيب خود قرطل تين وقرطل عنب"، قال العجوز لجدي: أنا أفكر بشيء أكبر بكثير مما ذكرت. قال جدي وقد بدأ صوته يرتفع: "قول بشو عم تفكر وخلصنا"! أصلح العجوز جلسته، ثم أخرج من تحت زناره خنجراً، وقبض عليه بقوة، كمن يهم بطعن رجل، وقال: بما أنو المسيحي لا يدخل الجنة، قررت أن أتخلى عن مكاني في الجنة لهذا المسيحي! سأله جدي: كيف؟؟ قال: سأذهب وأطعنه بهذا الخنجر، وهكذا أنا أذهب إلى النار، والطبيب يذهب إلى الجنة.
ولما كان جدي يعرف جيدا أن الرجل يقول ما يعتقده صحيحاً، شرح له أن عمله هذا ليس كافياً لإرسال الطبيب إلى الجنة، ولكنه سيكون كافياً لإرساله هو إلى الجحيم. ثم ذهب الرجلان إلى عيادة الطبيب لشكره على ما فعله من شفاء العجوز، ولم ينسَ جدي أن يقول له بما كان يضمره العجوز لإرساله إلى الجنة.
كان ذلك قبل أن يأتي "داعش" و"جبهة النصرة" إلى إدلب، وكان لي الحظ بلقاء آخر إدلبي مسيحي هو الخوري إبراهيم فرح، ليس في إدلب، وإنّما في أنطاكية، في وسط أصدقائه الأدالبة، دون الخوف من إرساله إلى الجنة.
وصدق من قال: ومن الحب ما يرسل المحبوب إلى الجنة.