17 مارس 2022
طار و لم يعد... (قصة قصيرة)
جالس على مقعد في الحديقة وحيدا، هناك أخذ سعيد يفكر..
غرفة مظلمة، تلفاز قديم من شركة فيليبس، وسرير صغير لا يكفي حتى لطفل بعمر عشر سنوات، هذه مكونات غرفته، مكانه الذي يقضي فيه معظم أوقاته وهو جالس على حافة سريره النتن. أخذ ينظر الى نافذته المربعة حيث حط طائر سنونو هناك.
نهض سعيد وتوجه بخطوات متثاقلة نحو الطائر وهو يحملق فيه، اقترب من النافذة وأخرج كسرة خبز من كيس بلاستيكي موجود على الأرض، اقتطع قطعة صغيرة ووضعها بجانب السنونو، هذا الأخير لم يخف أو حاول الطيران بعيدا، بل بدأ يأكل ببطء و يحرك رأسه بسعادة.
- من أين جئت أيها الصغير؟ ردد سعيد.
- أنا لست صغيرا أيها الأحمق.
رجع سعيد إلى الوراء بخفة متعثرا بسريره ليسقط على الأرض.
- هل تستطيع الكلام؟
- بالطبع أستطيع الكلام، أنا الوحيد بين جميع طيور السنونو الذي يستطيع ذلك.
- من علمك ذلك؟
- صديقي البشري.
- ما اسمه ؟
- اسمه سعيد وهو يشبهك تماما.
- يشبهني؟ حتى في الاسم؟ هذا غريب حقا!
- غريب! أكثر من استطاعتي التحدث؟
- نعم! أنت الآن تخبرني بأن رجلا يشبهني حتى في الاسم علمك بعض الكلمات.
- لم أقل بعضا، بل في الحقيقة الكثير من الكلمات، ربما أنا أتحدث أفضل منك حتى.
نهض سعيد من مكانه، واتجه نحو الباب مطأطئ الرأس، وهو يهمس بهدوء لنفسه "أنا أحلم، أنا أحلم"، أدار رأسه إلى النافذة لكنه لم يجد الطائر هناك.
وهو ينزل السلالم بسرعة، فكر سعيد في ابنته التي لم يرها منذ ثلاث سنوات. اعتمد الخوف كوسيلة لمواجهة هذه الوساوس الذي تأتيه من حين لآخر، الخوف من أن ابنته لن تحبه، لأنه بئيس، لم يجد عملا منذ شهور، فقط يتجول ويتسكع في خيالاته العديدة غير المتجانسة أبدا مع الواقع، فهو لا يستطيع أن يعرف الحب إلا إذا فكر بابنته، فهو يحبها كثيرا رغم أنه ينكر ذلك دائما عندما يتحدث مع نفسه في أواخر الليل ويقول لها إن الحب ما هو إلا وسيلة لنخلص أنفسنا من الشرور، هو لا يريد التخلص من الشر الذي يحس به دائما، بل يعشق أن يحب شره، لذا فهو يبقي الحب متعلقا بالشر وبابنته فقط، هكذا تجول الأفكار اللا منطقية في عقله المنطقي، فيقول له المنطق "اذهب إلى ابنتك يا أبله!".
أفكار ليس لها معنى، أفكار بدائية بدأت تستعمر عقله. هناك من باب المبنى، تخرج جثة هامدة على قيد الحياة تسمى سعيد، يحاول أن يمشي في هذا الشارع البئيس لكن كل محاولات المشي باءت بالفشل، ليجلس على الدرج المؤدي إلى داخل المبنى ليسترجع إحساسه قليلا بالحياة، كان يحدق بعينين نصف مغمضتين إلى الحديقة التي كانت تبعد بمسافة ليست بالبعيدة، نهض من جديد وتوجه إلى هناك.
في الحديقة، كان هناك مجموعة من الناس متجمهرين حول شخص ما ساقط على الأرض، شده الفضول وتوجه للحدث. انحنى سعيد على الأرض ليحاول مشاهدة الشخص، كان الرجل يشبهه تماما، ارتعب سعيد وتجمد في مكانه لكنه في اللحظة التالية رجع بقوة إلى الوراء وبدأ بالجري إلى الناحية المقابلة. في طريقه، رأى السنونو الذي كان في نافذة منزله، كان الطائر على كرسي خشبي مهترئ، وصل سعيد وجلس بجانبه.
قال سعيد كأنه يهمس:
- هل كان صديقك ذلك الرجل هناك؟
لم يجب السنونو لفترة، ثم ردّ قائلا:
- كان إنسانا صادقا، على الرغم من أنه دائما ما كان يكذب على نفسه، كان يحب ابنته الصغيرة لكنه لم يرها منذ فترة طويلة، لا أعرف لماذا، لكنه كان يقول لي إنه يخاف أن يراها بكل بساطة.
حدق الطائر في سعيد، ثم طار بعيدا حتى لم يعد يُرى. جلس الرجل البئيس هناك في حالة من الارتباك المتميز من النوع الذي لا ترى ولا تسمع فيه شيئا ولا تستطيع أن تفكر حتى في فكرة واحدة، لكن في الحقيقة، كانت فكرة استثنائية تدور في رأسه، لكنها غير موجودة بداخل عقله بل لأول مرة أحس بشيء يثقل قلبه.
لم يكن يعرف أن هذه الفكرة ستغير حياته للأبد، وتجعله اسما على مسمى من جديد. بدأ سعيد مفتونا ومُفاجئا برؤية السنونو مرة أخرى في السماء، وقف على الكرسي وقفز وطار بعيدا وبجانبه الطائر الصغير، طار إلى حيث يجب أن يطير بدون جناحين، فقط بيدين تلوحان بسرعة فائقة.
سأل سعيد السنونو:
- ما هي وجهتي؟
رد الطائر بهدوء:
- أنت تعرف ذلك مسبقا صديقي العزيز.
طار الصديقان الجديدان القديمان بعيدا، بعيدا جدا..
غرفة مظلمة، تلفاز قديم من شركة فيليبس، وسرير صغير لا يكفي حتى لطفل بعمر عشر سنوات، هذه مكونات غرفته، مكانه الذي يقضي فيه معظم أوقاته وهو جالس على حافة سريره النتن. أخذ ينظر الى نافذته المربعة حيث حط طائر سنونو هناك.
نهض سعيد وتوجه بخطوات متثاقلة نحو الطائر وهو يحملق فيه، اقترب من النافذة وأخرج كسرة خبز من كيس بلاستيكي موجود على الأرض، اقتطع قطعة صغيرة ووضعها بجانب السنونو، هذا الأخير لم يخف أو حاول الطيران بعيدا، بل بدأ يأكل ببطء و يحرك رأسه بسعادة.
- من أين جئت أيها الصغير؟ ردد سعيد.
- أنا لست صغيرا أيها الأحمق.
رجع سعيد إلى الوراء بخفة متعثرا بسريره ليسقط على الأرض.
- هل تستطيع الكلام؟
- بالطبع أستطيع الكلام، أنا الوحيد بين جميع طيور السنونو الذي يستطيع ذلك.
- من علمك ذلك؟
- صديقي البشري.
- ما اسمه ؟
- اسمه سعيد وهو يشبهك تماما.
- يشبهني؟ حتى في الاسم؟ هذا غريب حقا!
- غريب! أكثر من استطاعتي التحدث؟
- نعم! أنت الآن تخبرني بأن رجلا يشبهني حتى في الاسم علمك بعض الكلمات.
- لم أقل بعضا، بل في الحقيقة الكثير من الكلمات، ربما أنا أتحدث أفضل منك حتى.
نهض سعيد من مكانه، واتجه نحو الباب مطأطئ الرأس، وهو يهمس بهدوء لنفسه "أنا أحلم، أنا أحلم"، أدار رأسه إلى النافذة لكنه لم يجد الطائر هناك.
وهو ينزل السلالم بسرعة، فكر سعيد في ابنته التي لم يرها منذ ثلاث سنوات. اعتمد الخوف كوسيلة لمواجهة هذه الوساوس الذي تأتيه من حين لآخر، الخوف من أن ابنته لن تحبه، لأنه بئيس، لم يجد عملا منذ شهور، فقط يتجول ويتسكع في خيالاته العديدة غير المتجانسة أبدا مع الواقع، فهو لا يستطيع أن يعرف الحب إلا إذا فكر بابنته، فهو يحبها كثيرا رغم أنه ينكر ذلك دائما عندما يتحدث مع نفسه في أواخر الليل ويقول لها إن الحب ما هو إلا وسيلة لنخلص أنفسنا من الشرور، هو لا يريد التخلص من الشر الذي يحس به دائما، بل يعشق أن يحب شره، لذا فهو يبقي الحب متعلقا بالشر وبابنته فقط، هكذا تجول الأفكار اللا منطقية في عقله المنطقي، فيقول له المنطق "اذهب إلى ابنتك يا أبله!".
أفكار ليس لها معنى، أفكار بدائية بدأت تستعمر عقله. هناك من باب المبنى، تخرج جثة هامدة على قيد الحياة تسمى سعيد، يحاول أن يمشي في هذا الشارع البئيس لكن كل محاولات المشي باءت بالفشل، ليجلس على الدرج المؤدي إلى داخل المبنى ليسترجع إحساسه قليلا بالحياة، كان يحدق بعينين نصف مغمضتين إلى الحديقة التي كانت تبعد بمسافة ليست بالبعيدة، نهض من جديد وتوجه إلى هناك.
في الحديقة، كان هناك مجموعة من الناس متجمهرين حول شخص ما ساقط على الأرض، شده الفضول وتوجه للحدث. انحنى سعيد على الأرض ليحاول مشاهدة الشخص، كان الرجل يشبهه تماما، ارتعب سعيد وتجمد في مكانه لكنه في اللحظة التالية رجع بقوة إلى الوراء وبدأ بالجري إلى الناحية المقابلة. في طريقه، رأى السنونو الذي كان في نافذة منزله، كان الطائر على كرسي خشبي مهترئ، وصل سعيد وجلس بجانبه.
قال سعيد كأنه يهمس:
- هل كان صديقك ذلك الرجل هناك؟
لم يجب السنونو لفترة، ثم ردّ قائلا:
- كان إنسانا صادقا، على الرغم من أنه دائما ما كان يكذب على نفسه، كان يحب ابنته الصغيرة لكنه لم يرها منذ فترة طويلة، لا أعرف لماذا، لكنه كان يقول لي إنه يخاف أن يراها بكل بساطة.
حدق الطائر في سعيد، ثم طار بعيدا حتى لم يعد يُرى. جلس الرجل البئيس هناك في حالة من الارتباك المتميز من النوع الذي لا ترى ولا تسمع فيه شيئا ولا تستطيع أن تفكر حتى في فكرة واحدة، لكن في الحقيقة، كانت فكرة استثنائية تدور في رأسه، لكنها غير موجودة بداخل عقله بل لأول مرة أحس بشيء يثقل قلبه.
لم يكن يعرف أن هذه الفكرة ستغير حياته للأبد، وتجعله اسما على مسمى من جديد. بدأ سعيد مفتونا ومُفاجئا برؤية السنونو مرة أخرى في السماء، وقف على الكرسي وقفز وطار بعيدا وبجانبه الطائر الصغير، طار إلى حيث يجب أن يطير بدون جناحين، فقط بيدين تلوحان بسرعة فائقة.
سأل سعيد السنونو:
- ما هي وجهتي؟
رد الطائر بهدوء:
- أنت تعرف ذلك مسبقا صديقي العزيز.
طار الصديقان الجديدان القديمان بعيدا، بعيدا جدا..