طارق بطيحي: المرأة حجّة لرسم القلق

10 ابريل 2016
جزء من لوحة "القارئة" (من المعرض)
+ الخط -

يظهر الشّغف بالمرأة، المرسومة عن موديل حيّ، جلياً في تجربة التشكيلي طارق بطيحي عموماً وفي مجموعة معرضه الأحدث بالتحديد، الذي اختتم أمس في غاليري "بوشهري" في الكويت. إنه شغف بتجاوز الحالة الرومانسية والاهتمام الشكلاني بالجسد الأنثوي، ليغوص في عمق الحالة النفسية لكل امرأة.

يشكّل هذا المعرض، الذي يضم 32 لوحة، إضافة إلى مجموعة بورتريهات، امتداداً لتجربة الفنان (1982) في معارضه السابقة، والتي تتمحور بشكلٍ أساسي حول موضوعة المرأة، إذ يحتل الجسد المؤنث المرسوم عن موديل حيّ متن اللوحات، ليبدو في المستوى الأول للتلقّي، موضوعاً عادياً يحاكي تجارب سابقة اشتغلت على هذه الثيمة.

لكن الاستغراق في مشاهدة اللوحات يتيح لنا اكتشاف عوالم تلك الموديلات؛ الرغبة والانتظار والوحدة، ضمن بيئة حميمة عناصرها متقشفة تقتصر على مفردتين، حيث السرير والكرسي يتكرّران في أغلب اللوحات ذات الأحجام الكبيرة.

تظهر في اللوحات حالة من الانتماء للمكان المقترح، انتماء تعزّزه تفاصيل من الحياة اليومية العادية لأية امرأة؛ فنرى إحداهن تستلقي على السرير تمسك بيدها سيجارة وباليد الأخرى تتصفّح كتاباً، أخرى تقف بشكل جانبي عارية تهمّ بارتداء قميص، ثمة امرأة قلقة تجلس على كرسي، تنظر نحونا أو نحو الفنان، تحمل بيدها، أيضاً، سيجارة وباليد الأخرى منفضة سجائر بينما تستقر قدماها داخل حوض ماء.

استحداث تلك الحميمية في اللوحة وملامسة الحالة النفسية لكل شخصية فيها، يتطلّب من الفنان تحضيراً مختلفاً عن العمل في لوحة عادية، يبدأ من التعرّف بشكل معمّق إلى الموديل.

"إن تجسيد الحالات النفسية المختلفة للمرأة يتطلب مني معرفة الموديل الحيّ الذي أنوي تجسيده في اللوحة" يعلّق بطيحي على هذه الفكرة. "أقوم بجلسات تحضيرية، تسبق عملية الرسم، أتبادل فيها النقاش مع ضيفتي كما أطرح عليها أسئلة تحريضية. العملية تشبه إلى حدٍ ما جلسات التحليل النفسي" يضيف الفنان في حديث إلى "العربي الجديد".

رغم حضور المرأة الطاغي في تجربة بطيحي، إلاّ أنه غير متعصّب بالمعنى الحرفي لها؛ فلقد رسم سابقاً مجموعة محورها الكلاب ومجموعة أخرى تضمّ الرجل والمرأة، غير أنّ الفنان لم يعرضها، فوجود الرجل والمرأة على سطح اللوحة في آنٍ معاً "يفقدها تلك الحالة اللّغزية التي يفرضها حضورها الوحيد" بحسب تعبيره.

يستخدم بطيحي المرأة كحجّة لينقل لنا قلقه الداخلي، وتصوّراته عن فكرة الإغواء والجنس بعيداً عن كل التمثيلات النمطية لهذين الموضوعين. ورغم اعتماده الأساسي على الموديل الواقعي، تحمل لوحاته حيّزاً من المتخيّل يُترجم من خلال أسلوب الفنان التعبيري وطريقة تلوينه؛ إذ يستخدم ألوان الأكريليك الزاهية والفاقعة والداكنة في آن، ما يجعلها تتفاعل بحرية على سطح اللوحة مع سيطرة تقنية عالية.

ورغم الحضور المميّز لألوان كالزهري والأحمر الأرجواني والأزرق الفاتح والبرتقالي المضيء والأصفر الذهبي، لا يوجد لون مفضّل في مزّاجة الفنان. "أشعر وكأنّي في مختبر حيث أنني في بحثٍ دائم عن درجات ألوانٍ جديدة. ما يدفعني للتجريب هو الرغبة الدائمة في التجديد" يعلّق واصفاً علاقته مع اللون.

"لا يجب أن يضيّع علينا الموضوع، وفيه من الجرأة الكثير، ما هو أساسي. الأساس هو لغة اللوحة، علاقة الخط باللمسة، علاقة اللمسة العريضة الحارة باللمسة المتوسطة الحيادية، صراع اللون وتوهّجاته مع الكلّ القلق. ما نراه على سطح اللوحة ليس سوى انعكاس لانفعالات الداخل، قلقها، توترها وسعيها للانفلات"، هذا ما يقوله التشكيلي السوري يوسف عبدلكي وهو يصف تجربة بطيحي.

"نساء مررن في بيروت" هو العنوان الذي اختاره الفنان لهذه المجموعة، هي دعوة للتعرّف إلى عوالم الفنان المسكونة ظاهرياً بالمرأة المغوية وباطنياً بالعزلة والوحدة والحضور المؤقت في المكان.

المساهمون