طابور

28 يناير 2016
الله وحده يعلم بأوجاعنا (Getty)
+ الخط -
هل ترى هذا الطابور الطويل؟
أقصد، تخيَّل حجم الذلِّ الهائل وأنت تعدُّ الواقفين، ثيابنا الملوَّنة، الوجوه الشاحبة، عدد الأرغفة التي تشبه انتظارنا المرير تحت المطر!


رغيفٌ واحد لايكفي
سبعة أرغفة لاتكفي
عشرة أرغفة لاتكفي
يحوقل أحدهم
يتنهّد آخر

البارحة انتظرت أربع ساعات كي يحين دوري، كنت أدعو الله ألا ينتهي الخبز كما حدث معي أمسِ.
هل تعرف ما معنى أن تقضي الوقت تكرِّر الدعاء ذاته؟!
يغافلك شجارٌ وراءك، تلتفتُ دون أن تتوقف عن الدعاء كأنك "تشاهد" أغنيّة تافهة، أقصد كما كنت تفعل أنت. أذكر جيداً كراهيتك للشجار وللمسلسلات الطويلة ولأغنيات عصمت رشيد الوطنية، تطفئ التلفاز وتشهر في وجهي كتابًا.

لم نكن في يومٍ ما أغنياء؛ لذلك كان اختيارك يقع دوماً على الكتاب وكان عليّ أن أشتري لك بنطالاً وقميصاً لتكون أنيقاً وأنت تحمل كتابك!

مازالت كوّة المخبز مغلقة!

لاعليك نحن بخير! لكنَّني اليوم تذكّرت آراءكَ عن العبيد والحرية والاستبداد...
لا أعرف كيف أشرح لك ما يحدث، لكنه يشبه إلى حدٍّ كبير آراءك تلك!
بالمناسبة، سمعتُ من أحدهم أنّك أصبحت كاتبًا معروفًا وأنّ مقالاتك تحظى باهتمام كبير،أنا سعيدٌ لأجلك يا أخي!

أحدهم يتأفف وهو يفرك يديه

يجلس على تنكةِ زيت فارغة أحضرها معه..

للأسف، الانتظار أمرٌ لايمكن اعتياده!
وفي كلِّ يومٍ أنهض سريعاً بما لايتفق مع مرارة الإحساس بثقل الوقت، أرتدي ثيابي على عجل، أصلي الفجر وأمضي إلى مكاني.

تصدّق؟!
لولا الله الذي يمدنا بالصبر لفقدنا قدرتنا على الانتظار، وربّما سأكون أنا أحد المتشاجرين ورائي
الله وحده يعلم بأوجاعنا، وفي كلّ صلاةٍ أدعو أن يمدني بالقوة كي يعيش أطفالي، وأدعو أن يحفظك من كلّ شر.

امرأة تشتم الحريّة،
الرجال ينظرون إليها
يسود الصمت..
ثم ينفجر سيلٌ من الأحاديث الجانبية

نحن أرقام في هذا الطابور، وأرقام في سبعة الأرغفة، وأرقام في نشرة الأخبار، وأرقام في هذه الحرب!
سمعت مرّة أننا نستطيع تخيّل سرب حمامٍ يطير إذا أغمضنا أعيننا، لكنّنا لا نستطيع إحصاء العدد المُتخيَّل!

تُفتح الكوَّة
يتحرّك الطابور الطويل!

الآن كم عددنا؟
تخيّل حجم الذلّ الهائل وأنت ترسم الطابور في مخيلتك، تحصينا رقمًا...
لاتغمض عينيك..
نحن أكثر من ذلك!

(سورية)
دلالات