ضم الضفة الغربية

07 مايو 2016
+ الخط -
حينما فشلت سلطة "أوسلو" في انتزاع الحقوق الفلسطينية عبر المفاوضات والحلول الوهمية، اتجهت إلى إقناع نفسها بفكرة الدولة ثنائية القومية، فغضت الطرف عن التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، وفضلت الشجب والاستنكار على مواجهة المخططات الصهيونية، أملاً في دفع الاحتلال نحو التفكير في الدولة ثنائية القومية، واعتقاداً منها بدور العامل الديمغرافي الذي من شأنه أن يفشل كل المخططات الصهيونية.
رُغم الانتقادات الكثيرة التي تتعرّض لها اتفاقية أوسلو، حتى ممن وقعوا عليها، إلا أن فهم بعض تفاصيلها احتاج سنوات طويلة، ليس فقط من الموقعين عليها، بل لدى الغالبية العُظمى من المهتمين والمُثقفين والأكاديميين وسياسيين كثيرين، لأن أحداً منهم لم يتطرّق إلى مسألة تقسيم الضفة الغربية، وتسهيل الأمر على الاحتلال الذي حصل على النصيب الأكبر من أراضي الضفة مُقابل السماح للسلطة الفلسطينية بإدارة بعض المُدن والقرى ذات الغالبية السكانية العربية.
كان تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق"أ، ب، ج" بمثابة اعتراف ضمني من منظمة التحرير الفلسطينية بأحقية إسرائيل في الجزء الأكبر من الضفة الغربية، فالمنطقة "ج" التي تقع تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة، مساحتها نحو 62 % من المساحة الاجمالية للضفة، وصل عدد المستوطنين اليهود فيها إلى أكثر من 400 ألف، وفق تصريحات حديثة لوزراء في حكومة نتنياهو، مع الأخذ بالاعتبار إن هذا العدد يستثني يهود مستوطنات مدينة القدس ومحيطها، وعددهم حوالي 300 ألف يهودي.
مقابل تزايد عدد المستوطنين بهذا الشكل السريع في السنوات العشرة الأخيرة، فإن أعداد السكان العرب في المنطقة نفسها لم تتجاوز70 ألف فلسطيني، وبذلك تكون منطقة "ج" ومساحتها 62% من أرض الضفة الغربية صارت يهودية بسكانها اليهود الذين عددهم ست أضعاف سكانها العرب الذين حرموا من الاستفادة منها أو الاستثمار فيها أو تطويرها.هذا الواقع الذي فرضته "أوسلو"، وما ترتب عليها من تنسيق أمني، دفع الحاخام إيلي بن دهان إلى التصريح لصحيفة "معاريف" بأن ضم يهودا والسامرة (الاسم العبري الذي يطلق على الضفة الغربية) هو أمر الساعة، وإن الظروف الإقليمية والدولية تسمح بذلك، والأمر كذلك بالنسبة لوزير التعليم نفتالي بنت، الذي اقترح ضم الضفة الغربية بالتدريج، حيث يتم في البداية ضم مناطق "ج"، التي تم انتزاعها بموافقة الفلسطينيين، وتم تغيير واقعها الديمغرافي أيضاً بموافقة الفلسطينيين.
مشروع قرار الكنيست المطروح من نواب اليمين لضم الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني، لن يُغير كثيراً في الواقع الذي أشرنا إليه، لأن الخطوة الصهيونية تسير على قدم وساق، من دون أي عراقيل فلسطينية، ما شجع ناشطات يمينيات ينتمين لجمعية "المرأة الخضراء" التي تتزعمها الناشطة اليمينة المتطرفة ناديا مطر، لنشر وتعليق ملصقات تدعو المستوطنين المقيمين في المستوطنات، إلى ضرورة دخول مناطق "أ" الخاضعة للسيادة الأمنية والمدنية من السلطة الفلسطينية، حيث تم تعليق هذه الملصقات على مداخل مستوطنات وفي الشوارع الالتفافية، وعلى مكعبات اسمنتية، وعلى لافتات كبيرة كانت قد وضعتها ما تسمى "الادارة المدنية الإسرائيلية"، تؤكد فيها على عدم جواز دخول المستوطنين هذه المناطق، وكُتب على الملصقات بالعربية: "آن أوان السيادة"، استناداً لفتاوى حاخامات.
في هذه الأثناء، أكد رئيس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية شيلا إلدار أن الكنيست سيمرّر قريباً مشروع قرار لضم الضفة المحتلة لدولة الاحتلال، وقال إن تلك الخطوة جاءت بالتنسيق مع حكومة نتنياهو التي قدمت تعهدات عبر وزراء حزب الليكود ونوابه، ومن قادة حزب "البيت اليهودي" بأن يتم سن قانون يشرع ضم الضفة الغربية، سيكون في مقدمة أولويات كتل اليمين البرلمانية.
أكدت تلك الإجراءات العملية عليها "أياليت شاكيد" وزيرة العدل الصهيونية في حديثها للإذاعة العبرية، حين أكدت على شروعها في تشكيل طاقم بالتعاون مع وزارة الدفاع الصهيونية، لبحث سُبل تطبيق القوانين الإسرائيلية على المستوطنين في الضفة الغربية، بعد تحويلها إلى أوامر من الحاكم العسكري للمناطق.
إذا كانت إسرائيل قد أعدت العُدة لفرض سيادتها الكاملة على الضفة الغربية، فإن الرد الرسمي الفلسطيني جاء بعد طول انتظار على لسان صائب عريقات، الذي أعلن عن وقف اللقاءات الأمنية، كما اتخذت اللجنة المركزية لمنظمة التحرير قرارها البدء فوراً بتحديد العلاقة مع إسرائيل، وهي إجراءات لم تعد تشكل أي ضغط على الأخيرة التي تجاوزت مسألة الحاجة لجسم مؤسساتي فلسطيني يخفف عنها العبء الأمني في الضفة الغربية.
إذاً، كان واضحاً أن عدم تحرك قيادة السلطة شكل عاملاً مساعداً في التمدد الاستيطاني، الذي تنامى من دون أي رادع، لأن العلاقة كانت وثيقة بين التوسع الاستيطاني وشعور المستوطنين بالأمن والهدوء السائد على أرض الضفة الغربية جراء التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية.
955782A9-581D-48B4-8C30-A5DBCB94F04C
955782A9-581D-48B4-8C30-A5DBCB94F04C
إياد جبر (فلسطين)
إياد جبر (فلسطين)