ضعف الثقة بالمياه يكلّف الأردنيين 31 مليون دولار سنوياً

27 مايو 2015
لا يثق الأدرنيون في مياه محطات التوزيع (جيسون لاركن/arabianEye)
+ الخط -
تقول انتصار، وهي ربة أسرة مؤلفة من خمسة أشخاص: "إن أسرتي تحتاج وسطياً في كل شهر إلى 32 قارورة مياه من الحجم الكبير (20 ليتراً)، أشتريها من محطة تحلية قريبة إلى منزلي، وسط عمان، تقدّر كلفتها السنوية بـ384 دولاراً". وترتفع هذه الكلفة إلى ثلاثة أضعاف تقريباً، فيما لو قررت أن تستبدل الكمية ذاتها بمياه مستوردة، وذلك بالإضافة إلى مياه الشبكة العامة التي ينحصر استخدامها في الأغراض المنزلية.

غياب الثقة في مياه الصنابير
وتشير البيانات الأخيرة لمسح نفقات ودخل الأسرة الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة، إلى أن متوسط قيمة استهلاك الأردنيين من المياه المعدنية يصل تقريباً إلى 31 مليون دولار سنوياً، من أصل 237.5 مليون دولار يتم إنفاقها سنوياً على المشروبات بأنواعها.

إذ لم يغب عن ذاكرة الأردنيين ما حدث خلال صيف عام 1998 عندما شرب سكان عمان مياهاً ملوثة، بعدما تعرضت محطة "زي"، التي تغذي بعض ضواحي العاصمة، إلى تلوث جرثومي أطاح بوزير المياه من منصبه آنذاك. وقبل عام تقريباً، عادت المشكلة إلى الواجهة، حين تعرضت مياه الشرب في مدينة الفحيص، وبعض مناطق الزرقا وإربد، وتجمعات سكانية أخرى، لاختلاطات، نتيجة تردّي شبكات الصرف الصحي.


وعلى مدار سنوات عديدة، مثّلت مشكلة تلوث مياه الشرب في بعض أنحاء البلاد، التحدي الأكبر أمام الحكومات الأردنية المتعاقبة. وبخلاف ما كان يتوقع على المستوى الرسمي، لم يسهم الدعم الحكومي المخصص لقطاع المياه، والذي ارتفع من 112.8 مليون دولار في عام 2010 إلى أكثر من 225 مليون دولار العام الماضي، في تقليل حجم المشكلة، لا سيما أنّ لها وجهاً آخر، يصفه الخبير في اقتصاد البيئة، أحمد العواملة، بأنه أحد مظاهر التدهور البيئي الذي تعاني منه بعض مناطق المملكة، نتيجة توسّع القطاع الصناعي والاستعمال الزائد للمواد الكيميائية الزراعية، وتسرب مياه الصرف الصحي والحمل الزائد لمحطات معالجة المياه العادمة.

يضيف العواملة، لـ"العربي الجديد"، أن المشكلة لا يمكن أن تحل بمعزل عن وجود خطط تنموية متكاملة تستهدف المناطق الفقيرة، إلى جانب المناطق التي تعاني مصادر مياهها من التلوث، في شمال ووسط وجنوب المملكة. ويعتبر أن وجود آلاف الحفر الامتصاصية، التي يلجأ السكان لإنشائها في المدن والقرى التي تفتقر لمشاريع الصرف الصحي، من أهم العوامل المؤثرة على سلامة الينابيع والمياه الجوفية في الأردن. يضاف إليها، وفق العواملة، وجود أنشطة خطيرة، كإفراغ الصهاريج لنصف مليون ليتر من المياه العادمة بشكل يومي على جنبات أودية محافظتي المفرق والزرقا، شمال العاصمة.

مصادر مياه الأردنيين
ويشرب الأردنيون من ثلاثة مصادر رئيسة، الشبكة الحكومية أو "سلطة المياه" عبر الصنابير أو التنكات، ومحطات التحلية والمياه المعبأة بنوعيها المعدني والعادي. وتؤكد آخر تقارير مختبرات وزارة المياه والري، أن نسبة مطابقة عينات مياه شرب الشبكة، للمواصفات الأردنية، وصلت إلى 99.8%. فيما تراجعت الشكاوى التي تتعلق بجودة المياه بشكل ملحوظ، وانحصر معظمها بالعكارة 43.07% وتسرب المياه العادمة 5.11%.

مع ذلك، يرى الخبير في شؤون الصحة والبيئة، د. سلامة الزعبي، لـ"العربي الجديد"، أن تحقيق معايير الجودة لا يجعل من المياه المتدفقة عبر الصنابير آمنة، فعند توفر نتائج مراقبة الامتثال، تكون المياه قد شُربت، واستُعملت للأغراض المنزلية الأخرى، ولذلك يفترض هنا فحص قدرة الضوابط على الحد من اﻟﻤﺨاطر.


لا يستثني الزعبي المياه المحلاة التي تنتجها محطات التحلية أيضاً، فلجوء مديريات الصحة في مدن عدّة إلى تحذير وإغلاق أكثر من 100 محطة، يؤكد أن الأجهزة البسيطة لا تستطيع معالجة آلاف الليترات المباعة يومياً للمواطنين.

ويؤكد مصدر رفيع في وزارة المياه والري أن "إقبال المواطنين على شراء العبوات، سواء الجاهزة أو المعبأة محلياً، لا يعني وجود مشكلة في مياه الصنابير، بل على العكس تماماً، إذ تخضع المياه المتدفقة عبر الشبكات المنزلية لرقابة صارمة ومستمرة، حيث يجري سنوياً فحص ما لا يقل عن 40 ألف عينة للتأكد من سلامتها".
المساهمون