ضروري… ومؤقّت

18 أكتوبر 2014

رامي الحمد الله في غزة (9 أكتوبر/2014/الأناضول)

+ الخط -

مشهد دخول رئيس حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية، رامي الحمد الله، إلى قطاع غزة، كان مبهجاً لكثيرين رأوا فيه بداية عودة الوحدة إلى الفلسطينيين، جغرافياً وسياسياً. الفرحة واجبة، والأمل أيضاً، لكن، من دون إفراط، وخصوصاً حين نتابع الاعتبارات الضرورية التي دفعت الطرفين الفلسطينيين إلى هذا المشهد التصالحي النادر.
في مقدمة هذه الاعتبارات، وربما الاعتبار الأوحد، مؤتمر المانحين للسلطة الفلسطينية لإعادة إعمار قطاع غزة، والذي انتهى إلى وعود بأكثر من خمسة مليارات دولار. السلطة الفلسطينية وحركة حماس في أمسّ الحاجة إلى هذه الأموال، في الفترة الراهنة، وخصوصاً أن كلاً من الطرفين يعيش في ضائقة مالية، ويرى، في هذه الأموال، فرصةً لإعادة بناء الكيان السياسي الذي تضعضع في فترات الحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال السنوات الماضية.
ضرورةٌ قصوى جمعت الطرفين في المشهد الوحدوي، وخصوصاً بالنسبة إلى حركة حماس التي تدرك أن أي أموال من المانحين لن تصل إلى حكومتها في القطاع، في ظل المقاطعة الدولية لها، وهو، أساساً، ما حصل في المؤتمر الأول للمانحين في 2008، وفي القمة الاقتصادية العربية في 2009، حين خرجت الأطراف المجتمعة بوعود لمنح إعادة إعمار للقطاع، إلا أن أي أموال من هذه الوعود لم تصل إلى أحد، لا السلطة في الضفة الغربية، ولا حكومة إسماعيل هنية المقالة في قطاع غزة.
اليوم، هناك تجربة جديدة في التعاطي مع مؤتمرات المانحين. تجربة عنوانها الوحدة الوطنية، التي يدرك الجميع، وفي مقدمتهم المسؤولون الفلسطينيون، أنها غير قائمة على أي أرضية توافقية حقيقية، وأنها تقف، بالقوة، فوق كم من الرمال المتحركة التي يمكن، في أي لحظة، أن تبتلع كل مشاهد التوافق والتصالح، لتعيد الأمور إلى سابق عهدها.
تسريبات الأحاديث الداخلية للمسؤولين الفلسطينيين، وفي مقدمهم الرئيس محمود عباس، تؤكد على هذه الحقيقة المرّة، والتي قد لا يطول الوقت لخروجها من الغرف المغلقة، وهو أمر يعتمد على عاملين أساسيين، أحدهما مرتبط بمؤتمر المانحين، والآخر بتفاصيل تطبيق اتفاق المصالحة التي لم يتم الدخول بها بعد.
فأموال مؤتمر المانحين، في حال صدقت الوعود، وتم تحويلها سريعاً إلى السلطة وحكومة الوحدة الوطنية، وهو أمر مستبعد جداً، من شأنها أن تؤخر ظهور الخلافات، أو، على الأقل، تبقيها حبيسة الصدور، إلى حين استنفاد الغايات الأساسية من المصالحة، وبالتالي، ترحيل كل الملفات الخلافية إلى وقت يحدد لاحقاً. أما في حال بقاء أموال المانحين في إطار الوعود، وهو ما حصل سابقاً، فالأمور قد تأخذ منحى سلبياً، بشكل سريع جداً، وخصوصاً في حال بدء الدخول في حقول الألغام، الخاصة بتطبيق اتفاق المصلحة، على غرار مسألة موظفي "حماس"، أو سلاح الحركة ومصيره أو السيطرة الكلية على المعابر وأساليب إدارتها.
وليس مستبعداً أن يكون هذان العاملان مرتبطين ارتباطاً وثيقاً، وهو ما سيعني عودة الخلافات إلى الظهور بشكل متسارع، وذلك في حال تم وضع شروط على السلطة الفلسطينية، لتلقي الأموال، والمؤكد أن بين هذه الشروط سيكون ملف سلاح حركة حماس، وأساساً، من الممكن أن تكون الشروط وسيلة للتهرب من عملية دفع الأموال، خصوصاً أن الدول المانحة تدرك مدى تعقيد هذا الملف، واستحالة الوصول إلى توافق حوله، مهما كانت حاجة الطرفين، وخصوصاً "حماس"، إلى أموال إعادة الإعمار.
تفاصيل كثيرة رسمت المشهد التصالحي، والذي يرى فيه الطرفان الفلسطينيان ضرورة مطلقة كل لغاياته. وفي الحال هذا، الضرورات تبيح المحظورات، على الأقل مؤقتاً.

 

 

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".