ضد الإرهاب أم الديمقراطية؟
انقلب السحر على الساحر، هذه المرة أيضاً، ووجدت الأطراف، التي تجاهلت الظاهرة الأصولية، أو حابتها ودعمتها بصور مباشرة، أو غير مباشرة، نفسها في مواجهة ما سكتت عنه، أو صنعته أيديها.
... لا أريد اتهام الخارج بالوقوف وراء تأسيس تنظيمات أصولية، على الرغم من كثرة المعلومات التي تؤكد ضلوع دول كبرى وإقليمية في تشكيل هذه التنظيمات ودعمها. لكنني لا أستطيع أن أكون ساذجاً إلى حدٍ يجعلني أصدق أن "داعش" هبطت إلى سورية من السماء، وأن من روجوا أصولية الثورة، عندما كان عدد الأصوليين في بعض تنظيماتها لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، لم يكونوا يعلمون ما يفعلون، وأن دولة عظمى رصدت أقمارها الصناعية، قبل خمسين عاماً، بدقة مذهلة محصول القمح والشعير في القارة الصينية الشاسعة، لم تلاحظ بما لها من أعين كونية ولواقط فضائية ومجسّات إلكترونية فائقة التطور ما يجري على أرض سورية وحدودها، وإن من يسجل من أميركا مخابرات سيارات الشرطة في روسيا لم يسجل مخابرات "داعش" وأضرابها.
ولا أصدق، أيضاً، أن الطريقة الوحيدة للتعامل مع الإرهاب كانت تجاهله، وتركه يستفحل إلى درجة تتحدى أقوى القوى المحلية، بما فيها جيش العراق الذي أشرفت أميركا على تدريبه وتسليحه طوال عقد، وبلغ تعداده، مع أجهزة القمع، قرابة مليون شخص، وامتلك من السلاح ما لم يمتلكه غيره، وجيش الإقليم في أربيل الذي كان، وما زال، يحظى بمزايا واضحة في التعامل الدولي مع منطقتنا. ولا أصدق، أيضاً، أن من يحصون أنفاس السوريين، كي يفرزوا الصالح منهم عن الطالح، لم يفكروا بخطورة الابتلاع الإرهابي الجيش الحر ومعظم المناطق التي حررها. أخيراً، لا أصدق، لأن هؤلاء الجبابرة لم يروا كيف كان الإرهاب يفتك، بأشد الصور تبجحاً وعلانية، بالعناصر والقوى الديمقراطية في مواضع انتشاره وسيطرته، وأنهم كانوا ضد ما يفعله.
هل كان الذين أمسكوا بقضيتنا، وساعدت سياساتهم عن نظام الأسد على تحويل ثورة حرية قام السوريون بها إلى اقتتال مفتوح، وسورية من دولة ربيع عربي إلى مكان تدار، من خلاله، صراعات المنطقة المتعددة بدماء شعبنا، يجهلون أن ما يفعلونه سيفضي إلى القضاء على القوى الديمقراطية، أو على أقل تقدير إلى إضعافها لصالح النظام والأصوليين/ الإرهابيين، وأن تلاشي هذه القوى وصعود التنظيمات التكفيرية، في وقت واحد، سيضعهم أمام تحديات صريحة ولا أسرار فيها، أم إن ما وقع هو ما خططوا، عن سابق عمد وتصميم، لإحداثه ونجحوا فيه؟ ألا نكون سذجاً إذا لم نطرح على أنفسنا هذه الأسئلة، ونستخلص منها النتائج الضرورية لإعادة تصويب مواقفنا تجاه القوى الإقليمية والدولية، التي مكنتها غفلتنا، وما زالت، تمكنها من الركوب على ظهورنا، وسوقنا إلى حرب نخوضها بالنيابة عن عسكرها؟
ليس صحيحاً أن الحرب على الإرهاب كانت في أولويات من أداروا مأساتنا، فقد سبقتها الحرب على الديمقراطية والديمقراطيين، التي تعاونوا فيها مع الأسد، وعانى شعبنا الأمرين منها، ونرى، اليوم، نتائجها في كل مخيم ومشرد ومهجر ومعتقل وميت تحت التعذيب ومقتول بالأسلحة المحرمة دولياً، من كيماوية وبراميل متفجرة وصواريخ فراغية وغازات سامة.
إذا كانت الحرب ضد الإرهاب صعبة وطويلة، فلأنها جاءت، بعد حرب أولى أضعفت وأنهكت قوى الاعتدال الديمقراطية، وأخرجت قواها الرئيسة من الصراع ضد الإرهاب، بعد أن حاربته بمفردها طوال نيف وعام. وما يجري، اليوم، هو انتقام النتائج التي ترتبت على سياساتهم منهم، وانتقام الديمقراطية من أعدائها الدوليين.