وجد نفسه يتعلّم الحروف حتى لا يخطئ في كتابة المبلغ الذي يسحبه نهاية كلّ شهر من راتب التقاعد، بعدما احتال عليه أحد الشبان سابقاً وسلبه المال مرة تلو أخرى. من هنا بدأت الحكاية مع العم عبد المجيد (76 عاماً) الذي يتعلم في الوقت الراهن في قسم محو الأمية بولاية عين الدفلى، غرب العاصمة الجزائرية. يتوق لتعلم الكتابة ولو بجمل قصيرة، بعدما حزّت في نفسه تلك الخدعة التي كلفته مبلغاً من حسابه المتوفر في مكتب البريد المحلي. لكنّها كانت دافعاً له لتعلم القراءة وكتابة الكلمات والأرقام كما يقول لـ"العربي الجديد".
حكاية المسن مع المعاملة المالية البسيطة تلك ما زالت تجرّ أذيال خيبتها على الرغم من مرور خمس سنوات عليها. كانت النية الصادقة والثقة التي يتعامل بها مع أبناء الحي الذي يقطنه هي التي دفعت الشاب الذي يعمل في مكتب البريد إلى الاحتيال عليه، فقد سلّمه عبد المجيد صكّه الخاص ليسحب له كلّ شهر مبلغاً محدداً، لكنّ الشاب كان دائماً يسحب مبالغ مالية إضافية من دون أن يفضح أمره، فعبد المجيد لا يتمكن من قراءة المبلغ على طلب السحب. يعلّق: "العدالة لا تحمي المغفلين ولا تحمي الأمّيين". فقد حاول تقديم شكوى هنا وهناك بعدما كشف الاحتيال من دون جدوى: "سرق مالي وانتهى الأمر. العيب فيّ أنا، إذ لا أعرف القراءة والكتابة ولا أفقه شيئاً".
عندها قرّر التعلم، وصار يحمل كلّ يوم الجريدة بين يديه ويحاول قراءة الجمل العريضة، خصوصاً بعدما اشترك في قسم محو الأمية. وبالرغم من الصعوبات التي واجهته في البداية، لكنّ معلمه الأستاذ نور الدين زياد يحاول أن يتأنى معه ومع غيره من أجل الوصول إلى مبتغاه وهو تعليم الجميع القراءة والكتابة مهما تطلّب الأمر كما يقول زياد لـ"العربي الجديد".
اقــرأ أيضاً
عند أبواب المكاتب البريدية، كثيراً ما يصادف المارة طوابير طويلة لمسنين وهم ينتظرون الدور لسحب أموالهم. المثير في المشهد أنّ هؤلاء ينتظرون يوم وصول رواتبهم ليسحبوها، لكنّ المؤلم أن يطلب أحدهم من أيّ شخص أن يملأ له الصكّ البريدي، فتراه يتحدث بصوت منخفض ويستجدي من يكتب له في تلك الخانة الفارغة المبلغ الذي سوف يسحبه بالأحرف. تعلق السيدة زبيدة (67 عاماً): "أخجل من طلب ذلك من أيّ كان". في كثير من المرات تجد نفسها تنتظر دخول أحد تتوسم فيه الخير وتتوسم فيه أيضاً عدم فضحها أمام الملأ لتعطيه الصكّ والطلب فارغاً وهو يتكفل بالباقي. تلفت إلى أنّها تتحسر دوماً أنّها "ماقراتش" أي لا تعرف القراءة، ثم تتحول إلى لوم أهلها أنّهم منعوها من الدراسة بالرغم من أنّ كثيراً من بنات جيرانها في منطقة باب الوادي تعلموا القراءة والكتابة، لهذا رفعت التحدي وها هي اليوم تدرس في أحد أقسام محو الأمّية، في منطقة بئر مراد رايس في العاصمة الجزائرية.
كثيرون يفعلون مثلها، ومنهم من غايته حفظ القرآن، كحال السيدة حسينة. تقول لـ"العربي الجديد": "أتألم عندما يقترب شهر رمضان وما زلت لا أعرف قراءة القرآن. عاهدت نفسي أن أتعلم الكتابة والقراءة لأجل كتاب الله".
كثير من القصص حصلت مع المتعلمين في أقسام محو الأمّية في الجزائر، إذ يشكو بعضهم، خصوصاً كبار السن، ممن عملوا في فرنسا عقب تحرير الجزائر، ويتقاضون اليوم رواتبهم من حسابات فرنسية تحوّل إليهم، من أنّهم تعرضوا للاحتيال من طرف فلذات أكبادهم كما يقول السيد عبد القادر (78 عاماً)، فقد استولى ابنه البكر على أمواله، ما سبّب له مشكلة كبيرة مع بقية أبنائه الذين ظنّوا أنّه يفضل الكبير عليهم.
أمر مماثل حصل مع السيد بلقاسم (81 عاماً) بسبب الأرض، إذ وقّع على ورقة لا يعرف حتى ما كتب فيها لتقسيم أرضه على أفراد عائلته كما قال له قريب دفعه إلى التوقيع. لكنّ الورقة التي قدمها الأخير كانت حجة بيع حاول عبرها الاستيلاء على أملاك بلقاسم. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه رفع دعوى ضده في المحكمة والقضية جارية.
في السياق، تقول رئيسة جمعية "أقرأ" لمحو الأمية وتعليم الكبار عائشة باركي لـ"العربي الجديد" إنّ نسبة الأمّية بلغت في بداية تسعينيات القرن الماضي نحو 30 في المائة وانخفضت إلى 14 في المائة عام 2016. وتشير إلى أنّ عدد المنتسبين الحاليين للديوان الوطني لمحو الأمية هو أكثر من 99 ألف شخص، وذلك من خلال جمعيات تنشط في مجال تدريس الأمّيين في مختلف مناطق وقرى وولايات الجزائر.
وتتوجه استراتيجية هذه الأقسام إلى فئتين من الجزائريين، الفئة الأولى يمثلها المتسربون من المدارس خلال سنوات الإرهاب العصيبة (التسعينيات)، خصوصاً في القرى والأرياف، لإعادتهم إلى جو التعليم، والثانية فئة الأمّيين من كبار السنّ الذين لم يتسنّ لهم التعليم في الحقبة الاستعمارية.
اقــرأ أيضاً
حكاية المسن مع المعاملة المالية البسيطة تلك ما زالت تجرّ أذيال خيبتها على الرغم من مرور خمس سنوات عليها. كانت النية الصادقة والثقة التي يتعامل بها مع أبناء الحي الذي يقطنه هي التي دفعت الشاب الذي يعمل في مكتب البريد إلى الاحتيال عليه، فقد سلّمه عبد المجيد صكّه الخاص ليسحب له كلّ شهر مبلغاً محدداً، لكنّ الشاب كان دائماً يسحب مبالغ مالية إضافية من دون أن يفضح أمره، فعبد المجيد لا يتمكن من قراءة المبلغ على طلب السحب. يعلّق: "العدالة لا تحمي المغفلين ولا تحمي الأمّيين". فقد حاول تقديم شكوى هنا وهناك بعدما كشف الاحتيال من دون جدوى: "سرق مالي وانتهى الأمر. العيب فيّ أنا، إذ لا أعرف القراءة والكتابة ولا أفقه شيئاً".
عندها قرّر التعلم، وصار يحمل كلّ يوم الجريدة بين يديه ويحاول قراءة الجمل العريضة، خصوصاً بعدما اشترك في قسم محو الأمية. وبالرغم من الصعوبات التي واجهته في البداية، لكنّ معلمه الأستاذ نور الدين زياد يحاول أن يتأنى معه ومع غيره من أجل الوصول إلى مبتغاه وهو تعليم الجميع القراءة والكتابة مهما تطلّب الأمر كما يقول زياد لـ"العربي الجديد".
كثيرون يفعلون مثلها، ومنهم من غايته حفظ القرآن، كحال السيدة حسينة. تقول لـ"العربي الجديد": "أتألم عندما يقترب شهر رمضان وما زلت لا أعرف قراءة القرآن. عاهدت نفسي أن أتعلم الكتابة والقراءة لأجل كتاب الله".
كثير من القصص حصلت مع المتعلمين في أقسام محو الأمّية في الجزائر، إذ يشكو بعضهم، خصوصاً كبار السن، ممن عملوا في فرنسا عقب تحرير الجزائر، ويتقاضون اليوم رواتبهم من حسابات فرنسية تحوّل إليهم، من أنّهم تعرضوا للاحتيال من طرف فلذات أكبادهم كما يقول السيد عبد القادر (78 عاماً)، فقد استولى ابنه البكر على أمواله، ما سبّب له مشكلة كبيرة مع بقية أبنائه الذين ظنّوا أنّه يفضل الكبير عليهم.
أمر مماثل حصل مع السيد بلقاسم (81 عاماً) بسبب الأرض، إذ وقّع على ورقة لا يعرف حتى ما كتب فيها لتقسيم أرضه على أفراد عائلته كما قال له قريب دفعه إلى التوقيع. لكنّ الورقة التي قدمها الأخير كانت حجة بيع حاول عبرها الاستيلاء على أملاك بلقاسم. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه رفع دعوى ضده في المحكمة والقضية جارية.
في السياق، تقول رئيسة جمعية "أقرأ" لمحو الأمية وتعليم الكبار عائشة باركي لـ"العربي الجديد" إنّ نسبة الأمّية بلغت في بداية تسعينيات القرن الماضي نحو 30 في المائة وانخفضت إلى 14 في المائة عام 2016. وتشير إلى أنّ عدد المنتسبين الحاليين للديوان الوطني لمحو الأمية هو أكثر من 99 ألف شخص، وذلك من خلال جمعيات تنشط في مجال تدريس الأمّيين في مختلف مناطق وقرى وولايات الجزائر.
وتتوجه استراتيجية هذه الأقسام إلى فئتين من الجزائريين، الفئة الأولى يمثلها المتسربون من المدارس خلال سنوات الإرهاب العصيبة (التسعينيات)، خصوصاً في القرى والأرياف، لإعادتهم إلى جو التعليم، والثانية فئة الأمّيين من كبار السنّ الذين لم يتسنّ لهم التعليم في الحقبة الاستعمارية.