كثر من الصوماليين اليوم، كما هي حال سوريين وآخرين من حملة جنسيات مختلفة، مهددون بالترحيل من الدنمارك، بعد تجميد إقاماتهم وعدم تجديدها، على الرغم من التغيّر السياسي في حكومة البلاد.
يعيش عبدي محمد أحمد أصعب أيّامه في الدنمارك في انتظار تنفيذ السلطات المسؤولة عن الهجرة قراراً بترحيله إلى الصومال بعد سحب إقامته. والشاب البالغ من العمر 28 عاماً والمستقرّ في البلاد منذ نحو ستّة أعوام، واحد من مئات الصوماليين الذين ينظر مجلس اللجوء في كوبنهاغن في ترحيلهم. والمجلس هو الجهة الرسمية المسؤولة عن دراسة تقديم الحماية أم لا لحالات معيّنة، بالإضافة إلى النظر في استئناف قضايا سحب طلبات لجوء أو تجميدها أو رفضها عبر محامين متخصصين. ويعبّر عبدي الذي يتابع دراسته الجامعية في الدنمارك، لـ"العربي الجديد"، عن قلقه الكبير من أن "ينتهي بي المطاف في الصومال الذي لا أعرفه. وأفضّل أن أرحّل إلى بلد عربي آخر، فأنا تنقّلت في طفولتي ما بين دول عدّة، منها اليمن والسعودية والإمارات وكينيا".
وعبدي واحد من كثيرين يعيشون تحت رحمة تقارير أعدّها موظفون في عهد الحكومة المحافظة السابقة التي خسرت انتخابات يونيو/ حزيران الماضي، لتحلّ محلّها حكومة الحزب الاشتراكي - الديمقراطي (يسار الوسط). لكنّ الأخيرة، بحسب ما يبدو، مستمرة بتبنّي تلك التقارير وسياسة "المناطق الآمنة" التي تشمل سورية. يُذكر أنّ عدد الصوماليين يُقدَّر بنحو 10 آلاف، بحسب بيانات دائرة الأجانب والهجرة المسؤولة عن دراسة الحالات ومنح الإقامات وفق ضوابط تشريعية محدّدة. وقبل عامَين، بدأت السلطات الدنماركية (في حكومة يمين الوسط من خلال تشديدات أدخلتها وزيرة الهجرة السابقة إنغر ستويبرغ) تعتمد سياسة ترحيل العشرات إلى الصومال، وقد أعادت منذ عام 2017 دراسة وتقييم حالات من حصلوا على إقامات لجوء، فجُرّد 200 من هؤلاء على الفور من الإقامة.
الصومال... آمنة؟
مختار محمد إبراهيم، واحد من هؤلاء، وهو وصل إلى الدنمارك في عام 2013 ليتقرّر سحب إقامته في عام 2018. فاستأنف أمام مجلس اللجوء لينظر قضاة ورجال قانون في قانونية ترحيله إلى الصومال، علماً أنّه يدّعي الهروب من مناطق سيطرة "حركة الشباب المجاهدين" على خلفية خطر يتهدّد حياته وحياة آخرين لم ينضموا إلى الحركة. ويخبر محاميه الدنماركي توبياس غروتكيير "العربي الجديد"، بأنّ مختار "أوقف عند حاجز لحركة الشباب الجهاديين في جنوب الصومال وتمّ وضع متفجّرات في سيارته من دون علمه. كشف حاجز للجيش الصومالي أنّ السيارة مفخخة، فصار مطلوباً من قبل الجهتين. السلطات الرسمية في الصومال تعدّه عضواً في الحركة، والأخيرة تهدده بالقتل لأنّه أبلغ السلطات عن السيارة المفخخة". يضيف غروتكيير أنّ "سلطات الدنمارك، في معرض إعادة تقييم قضايا اللاجئين وطالبي اللجوء، وجدت ثغرات كثيرة في قصته تمنعه من الحصول على الحماية والإقامة في البلد (الدنمارك)". ويشير إلى أنّ إقامته مجمّدة الآن، لأنّ الأوضاع في جنوب الصومال ليست آمنة، بحسب تقارير ألمانية وأخرى من مجلس الأمن الدولي، وبالتالي من غير الممكن إعادته إلى هناك".
وتجميد الاقامات، أو بتعبير أكثر دقّة سحب اللجوء، يأتي على خلفية تقييم دائرة الهجرة والأجانب الذي يصنّف الصومال "منطقة آمنة". ومنذ عام 2017، تقدّم نحو 550 صومالياً بطلبات استئناف أمام مجلس اللجوء لدراسة قانونية ما اتخذته حكومة يمين الوسط السابقة في حقّهم. يُذكر أنّ 155 صومالياً رُحّلوا قبل 18 شهراً، إلى خارج الدنمارك، فيما ينتظر نحو 1100 آخرين مصيرهم، تماماً كما هي حال عبدي محمد أحمد، في سياق إعادة النظر بتصاريح الإقامة التي منحت لهم. وقبل عامَين، سُحبت إقامة 212 شخصاً، من بين هؤلاء 28 نُقلوا إلى مطار مقديشو، بعد أعوام من الإقامة في الدنمارك. يُذكر أنّ تقريراً صادراً عن مجلس اللاجئين الدنماركي في عام 2015 عدّ الصومال عموماً أرضاً خطرة لإعادة اللاجئين إليها، غير أنّ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قيّمت الصومال في عام 2017 بلداً غير خطر لإعادة اللاجئين المرحّلين إليه.
السوريون ليسوا مستثنين
في موازنة الدنمارك لعام 2018 التي أتت استناداً إلى اتفاق ما بين حكومة يمين الوسط حينها وحزب الشعب الدنماركي اليميني المتشدد، لُحظت إعادة النظر باللجوء. وشملت الموازنة التي نُشرت على الصفحة الرسمية لوزارة الهجرة في ديسمبر/ كانون الأول 2017، تجميد وعدم تمديد إقامة مجموعات من اللاجئين "الذين مُنحوا حقّ اللجوء، وطرأ تحسّن في الوضع العام لبلادهم"، وبالتالي "تنعدم حاجة الأجانب إلى الحماية، ويمكن بذلك سحب اللجوء منهم". أمّا المشمولون بذلك فهم من 27 جنسية أو بلد الانطلاق.
منذ تسلّم رئيسة وزراء يسار الوسط ميتا فريدركسن منصبها، قام سجال حول تغيّر في سياسات الهجرة تطاول آلاف السوريين والصوماليين والعراقيين والإيرانيين والأفغان بالإضافة إلى لاجئين وطالبي لجوء من جنسيات أخرى. وما جرى في الأيام الأخيرة في ما يتعلّق بقضية تجميد الإقامات المؤقتة للسوريين، مع تزايد سحبها من 26 جنسية أخرى، أنّ فريدركسن صرّحت في 27 يونيو/ حزيران، يوم استلامها مهامها، بأنّه "إذا كنت لاجئاً ووصلت إلى الدنمارك وحصلت على حماية فيها، فإنّه يتوجّب عليك كذلك أن تغادرها إلى بلدك حين يحلّ السلام فيه".
مع التغيّر الحكومي، حملت نهاية يونيو/ حزيران الماضي بعض الأمل لأكثر من أربعة آلاف من السوريين، في حين جُمّدت عمليات تجديد إقامات آخرين منهم. لكنّ أيّ قرار نهائي لم يُتَّخذ في ما يتعلّق بوقف الترحيل، بعد تقريرَين رسميَّين ذكرا في نهاية العام الماضي أنّ "ثمّة مناطق في سورية آمنة لإعادة اللاجئين إليها"، ويُقصد بذلك أولئك الحاصلون على إقامات مؤقتة. وتركّز دائرة الأجانب على تجميد الإقامة وعدم تجديدها للسوريين في مناطق بعينها، ومنها خصوصاً ريف دمشق. وفي حالات تابعتها "العربي الجديد"، ثمّة قلق يُسجَّل وسط أسر سورية آتية من معلولا الواقعة إلى شمال شرق العاصمة دمشق. ويقول يزن، وهو واحد من أرباب تلك الأسر، إنّ "حياتنا متوقّفة تماماً. فنحن لسنا قادرين على الاستمرار في اندماجنا ولا على التخلّص من قلق إزاء ما قد يحدث لنا في حال عدنا ونحن مطلوبين من قبل النظام في دمشق، على الرغم من كل الوعود التي تقول إنّ أحداً لن يتعرّض لأيّ أذى". يضيف يزن، وهو يعبّر عن خوفه على أطفاله في حال ترحيلهم: "أعرف أشخاصاً عادوا إلى سورية من لبنان واختفوا. فما بالك بلاجئين مثلنا معروفين بأنّهم معارضون للنظام السوري".
في مخيمات الترحيل
في عدد من مخيّمات الترحيل، يكثر في هذه الأيام اللاجئون وطالبو اللجوء الذين سُحبت إقاماتهم منهم، إلى جانب هؤلاء الذين رُفضت طلباتهم منذ البداية ويرفضون التعاون مع السلطات الدنماركية لتنفيذ عودة طوعية. وتختلف جنسيات شاغلي المخيمات، فيما تشكو عائلات عدّة من أنّها مشتّتة في أكثر من مخيّم. يُذكر أنّ مخيّم الترحيل شايلمارك الواقع إلى شمال العاصمة كوبنهاغن تعرّض أخيراً لانتقادات حقوقية وسياسية نتيجة ما تعانيه الأسر فيه.
ومثلما ينتظر الصوماليون المهددون بالإبعاد مصيرهم، كذلك يفعل بعض السوريين. وكلّ شيء متعلّق بما يقرّره مجلس اللجوء بشأن تجميد تمديد لجوء أصحاب الإقامات المؤقتة في البلد. وتسعى بعض أحزاب اليسار التي تشكّل قاعدة برلمانية لحكومة الحزب الاشتراكي - الديمقراطي، إلى الضغط لانتهاج سياسة مختلفة عن تلك المتشددة التي سادت فترة حكم يمين الوسط بدفع من حزب الشعب اليميني المتشدد. صحيح أنّ الأخير خسر في الانتخابات الأخيرة هذا العام، غير أنّ أسهمه في الاستطلاعات ترتفع مع تزايد السجال حول اللاجئين وطالبي اللجوء وتسجيل حوادث في أوساطهم واستغلالها للتحريض مجدداً على "عموم المهاجرين من أصول غير غربية"، بحسب ما يصفهم حزب الشعب وبعض اليمين المحافظ في معرض تناول ما تفتعله قلّة من بين آلاف الأشخاص ذوي الأصول الشرق أوسطية أو غير الأوروبية عموماً.
تجدر الإشارة إلى أنّ الدنمارك توقّفت عن منح إقامات لجوء للسوريين بناءً على فقرة "منح الحماية بسبب الأوضاع العامة في سورية (أي الحرب)"، وصارت قضايا اللجوء تتطلب دراسة كلّ قضية على حدة. ويتوجّب بالتالي على المتقدّم بطلب لجوء أن يثبت أنّه شخصياً ملاحق بسبب عمله أو نشاطه ضدّ النظام أو أطراف أخرى مسيطرة في سورية.